الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنزَلَتْ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، فقالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ خُيِّرَ أَصْحَابُكُمْ؛ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ، وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ مَعَهُمْ)(1).
حكمُ الإكراهِ على الإسلامِ:
وهذا في أهلِ الكتابِ ألَّا يُكْرَهوا على الدخولِ في الإسلامِ ابتداءً، فإنْ قَبِلُوهُ؛ فلهم ما عَلى أهلِ الإسلامِ، وعليهم ما عليهم، وإنْ أَبَوْا فيُنزِلُونَهُمْ على الجِزْيةِ، وإنْ أَبَوْها، فإمَّا سِلْمٌ معهم عندَ عَجْزِ المسلِمينَ وضَعْفِهم، أو قِتَالُهم حتَّى يَنزِلُوا على أحدِ الأمرَيْنِ؛ إسلامٍ أو جِزْيةٍ، بخلافِ المشرِكِينَ والمَلاحِدةِ اللادينيِّينَ؛ فلا يُقبَلُ مِنهُم إلا إسلامٌ عندَ القُدْرةِ عليهم، أو مسالَمةٌ عندَ العجزِ والخوفِ، أو تركُهُم تربُّصًا بهم إلى حينِ قُوَّةٍ.
حكمُ الرِّدَّةِ وحريَّةِ الدين:
وليس في الآيةِ جوازُ الخروجِ مِن الإسلامِ بعدَ دخولِه؛ فتلك رِدَّةٌ غيرُ مقصودةٍ في الآيةِ؛ لآياتِ السَّيْفِ الكثيرةِ، ولحديثِ:(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. . .)(2)، ولحديثِ ابنِ عباسٍ:(مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ)(3)، وغيرِ ذلك.
وعملُ الخلفاءِ مِن بعدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإجماعُهُمْ: على قَتْلِ المرتَدِّ؛ كفعلِ أبي بكرٍ ومَن معَهُ، ثم عُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ، وفُتيا الصحابةِ وفِعْلُهم؛ كابنِ مسعودٍ، وأبي موسى، وابنِ عمرَ، وغيرِهم، والخلفاءُ مِن بَعدِهم تَبِعُوهم في ذلك مِن أُمَراءِ وخُلَفاءِ بني أميَّةَ وبني العبَّاسِ.
ولكنَّ الخلافَ عندَ السلفِ في المنافِقِ الذي يُفلِتُ لسانُهُ بقولِ
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 186).
(2)
أخرجه البخاري (25)(1/ 14)، ومسلم (22)(1/ 53).
(3)
أخرجه البخاري (3017)(4/ 61).
الكُفْرِ، ثم يَنْفِيهِ؛ كحالِ المنافِقِينَ في زمنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختَلَفُوا في استتابةِ المرتدِّ ومدَّتِها وصِفَتِها، واختلَفَ الفقهاءُ في حالِ المرأةِ المرتدَّةِ وأخْذِها حُكْمَ الرجلِ، وهذا له مواضِعهُ - بإذنِ اللهِ تعالى - مِن كتابِ اللهِ.
وإذا قاتَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المشرِكَ الأصليَّ، فكيفَ بالمرتَدِّ المعانِدِ؟ !
وليس في الآيةِ تخييرٌ بالخروجِ مِن الإسلامِ وعدَمِ الإلزامِ بالدخولِ فيهِ لكلِّ أحدٍ، واللهُ يقولُ بعد ذلك:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} ، فقد أمَرَ بالكفرِ بالطاغوتِ، وأمَرَ بالإيمانِ باللهِ؛ ليبيِّنَ أنَّ مَنْ لم يفعَلْ ذلك، انفصَلَتْ عُرَاهُ، وانقطَعَ دِيِنُهُ.
* * *
أمَرَ اللهُ بالإنفاقِ مِن طيِّباتِ الكسبِ، ومِن خراجِ الأرضِ، فالكسبُ كسبُ اليدِ ممَّا تُخرِجُهُ مِن مالٍ، ومِن تجارةٍ وصناعةٍ وحِرْفةٍ، فكلُّ مالٍ تَكْسِبُهُ اليدُ فيه زكاةٌ عندَ دَوَرانِ الحَوْلِ عليه، وبلوغِهِ نصابًا، فالآيةُ يُقيِّدُ عمومَها أحاديثُ الحَوْلِ؛ كما في حديثِ عائشةَ مرفوعًا:(لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ)؛ رواهُ ابنُ ماجَهْ (1)، ورَواهُ أحمدُ؛ مِن حديثِ عاصمِ بنِ ضَمْرةَ، عن عليٍّ، بنحوِهِ (2)، ورُوِيَ موقوفًا مِن هذا الوجهِ؛ رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (3)، ورُوِيَ عنِ ابنِ عمرَ مرفوعًا وموقوفًا (4)؛ والموقوفُ عنهما أصحُّ.
(1) أخرجه ابن ماجه (1792)(1/ 571).
(2)
أخرجه أحمد (1265)(1/ 148).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(10214)(2/ 386).
(4)
أخرجه الترمذي (631)(632)(3/ 16 - 17).