الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها زَوْجُها؛ حتَّى لا يَلْتبِسَ الحكمُ؛ وهذا مِن عدَمِ تأخيرِ البيانِ عن وقتِ حاجتِهِ.
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ المُتْعةَ إنَّما هي للمفوَّضةِ بلا مَسِيسٍ، وأنَّ مَن فُرِضَ لها المهرُ، فلا مُتْعةَ لها ولو لم يَمَسَّها زَوْجُها.
وإعطاءُ المطلَّقةِ المفروضِ لها التي لم يمَسَّها زوجُها نِصفَ المهرِ المقدَّرِ: لا يَختلِفُ فيه العلماءُ.
مهرُ مَنْ خلا بها زوجُها بلا مَسٍّ:
واختَلَفَ العلماءُ فيمَنْ خَلَا بزوجتِهِ، وطلَّقَها قبلَ أنْ يَمَسَّها؛ هل تستحِقُّ بذلك مهرًا كاملًا؛ باعتبارِ أنَّ الخَلْوةَ في حُكْمِ المَسِّ؛ لأنَّه مُكِّنَ منها فلم يَمَسَّها، أو أنَّ لها نِصْفَ المهرِ باعتبارِ تعلُّقِ النصِّ بالمَسِّ؟ وهذانِ قولانِ للعُلماءِ:
قال بالأوَّلِ - وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ -: مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمدُ والشافعيُّ في القديمِ، وهو قولُ الخلفاءِ مِن الصحابةِ.
قال بالثاني الشافعيُّ في الجديدِ، ورواهُ طاوُسٌ وعليُّ بنُ أبي طَلْحةَ عن ابنِ عبَّاسٍ.
والأظهرُ: أنَّ الخَلْوةَ التي يتمكَّنُ الزوجُ مِن مَسِّ زوجتِهِ لو أرادَ: تَمنَعُ سقوطَ شيءٍ مِن المهرِ بعد الطلاقِ؛ وَطِئَ الزوجُ زوجتَهُ أو لم يطَأْ.
وقيَّد بعضُ الفقهاءِ ذلك بألَّا يكونَ أحدُ الزوجَيْنِ مُحرِمًا أو مَرِيضًا لا يتحقَّقُ المَسُّ مِن مِثْلِه، أو لم تكُنْ حائضًا أو نفساءَ أو صائمةً صومًا لا يرخَّصُ في فِطْرِهِ كرمَضَانَ، أو تكونَ المرأةُ رَتْقاءَ، فإنَّه إذا كان كذلك ثمَّ طلَّقها، وجَبَ لها نِصْفُ المهرِ إذا لم يطَأْها.
وتجِبُ العِدَّةُ متى ما استَحَقَّتِ المَهْرَ كاملًا بالمسِّ وما في حُكْمِه.
وقولُه تعالى: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ} : الفَرْضُ في موضعِ الحالِ؛
فيَشمَلُ فَرْضَهُ لها عندَ العقدِ وبَعْدَه؛ ما دامَ قبلَ الطلاقِ؛ وهذا قولُ الجمهورِ؛ خلافًا لأبي حنيفةَ في قولٍ؛ فيَرَى أنَّ الفرضَ بعدَ العقدِ لا يُوجِبُ النِّصْفَ لها، بل يَرَى أنَّ لها مَهْرَ المِثْلِ، وخالَفَهُ في ذلك صاحِبَاهُ، وذكَرَ غيرُ واحدٍ رجوعَ أبي حنيفةَ عن هذا.
وذهَبَ بعضُ السلفِ: إلى أنَّ للمطلَّقةِ - المفروضِ لها ولم تُمَسَّ - مُتْعةً كالمطلَّقةِ المفوَّضةِ؛ رُوِيَ هذا عن ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عُمَرَ، وأخَذَ به الشافعيُّ.
وأخَذُوا بعمومِ قولِهِ تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241]، وبِقولِهِ تعالى في الأحزابِ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب: 49].
وبعضُ العلماءِ: جعَلَ آيةَ الأحزابِ عامَّةً لكلِّ مَن لم تُمَسَّ؛ فُرِضَ لها أو لم يُفرَضْ، وبعضُهُمْ جعَلَهَا محمولةً على المفوَّضةِ فحَسْبُ، وأنَّ آيةَ البَقَرةِ قَيَّدَتْ آيةَ الأحزابِ.
وقولُهُ تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} : بيانٌ أنَّ الحَقَّ للزَّوْجةِ في مَهْرِها، ولها حقُّ إسقاطِهِ عن زَوْجِها ومُسامَحَتِهِ، فلو عَفَتْ عنه وتنازَلَتْ، سقَطَ حقُّها، ولم يَجِبْ لها عليه شيءٌ؛ قال بهذا ابنُ عبَّاسٍ وابنُ المسيَّبِ وشُرَيْحٌ القاضي ومجاهِدٌ وعِكْرِمةُ وقتادةُ والحسَنُ وغيرُهم.
ولا أعلَمُ مَن قال بخلافِ هذا القولِ إلَّا محمَّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظيَّ؛ فجعَلَ المقصودَ بالعفوِ هنا للأزواجِ؛ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} : الأَزواجُ (1).
ولا وَجْهَ لقولِهِ هذا.
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 444).