الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيلِ اللهِ سببًا للصَّدَقةِ عليهم، ولو حصَرَ نفسَهُ مِن غيرِ سببٍ عجزًا وتواكُلًا، لا يُعطى مِن الزكاةِ؛ كي يعمَلَ ويتكسَّبَ؛ حتَّى لا يُعانَ على نفسِهِ فيتَّكِلَ، ويُستثنَى مِن هذا: مَنْ لدَيْهِ قُدْرةٌ في بَدَنِه، وحِرْصٌ في نفسِه، لكنَّه لم يَجِدْ عمَلًا يتكسَّبُ به؛ فهذا محرومٌ مِن الكَسْبِ؛ كما في قولِهِ تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، وهو المحارَفُ يُعطى مِن الزكاةِ، ويأتي الكلامُ عليه في موضِعِهِ بإذنِ اللهِ.
استحبابُ تفقُّدِ حالِ المحتاجِ:
وقولُه تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} .
في الآيةِ: مشروعيَّةُ تتبُّعِ حالِ الفقيرِ ممَّن لا يُظهِرُ فَقْرَهُ، ومدحُ المتعفِّفينَ الذين لا يتعرَّضونَ لسؤالِ الناسِ، وفضلُ الإحسانِ إليهم، وفيها جوازُ الأخذِ بالسِّيمَا الظاهرةِ عندَ دفعِ الزكاةِ.
والسِّيمَا هي التخشُّعُ؛ كما قاله مجاهِدٌ وغيرُهُ (1).
وقيلَ: تَعرِفُ في وجوهِهِمُ الجَهْدَ مِن الحاجةِ؛ كما قالَهُ الربيعُ، وبمعناهُ قال السُّدِّيُّ وغيرُه (2).
وقال ابنُ زَيْدٍ: "هي رَثَاثةُ الثِّيَابِ"(3).
وهذه الأوصافُ وأمثالُها ليست قطعيَّةً؛ فقد تظهَرُ البَذَاذةُ والرَّثَاثةُ مِن غنيِّ، ويظهَرُ تكلُّفُ اليسارِ مِن فقيرٍ؛ فلا حرَجَ مِن الأخذِ بالسِّيمَا والظاهرِ عندَ الفقرِ، وأمَّا إذا أظهَرَ رجلٌ الغِنَى، وأَبدى فقرًا وسأَلَ
(1)"تفسير الطبري"(5/ 28)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 541).
(2)
"تفسير الطبري"(5/ 28)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 541).
(3)
"تفسير الطبري"(5/ 29).
الناسَ، فيُعطى لسؤالِهِ ويصدَّقُ في قولِهِ؛ لقولِهِ تعالى:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، وكما أُعطِيَ الفقيرُ لظاهرِ رَثَاثَتِهِ مِن غيرِ أن يتكلَّمَ وقد يُشارِكُهُ في ظاهرِهِ الغنيُّ، فكذلك الفقيرُ الذي يُظهِرُ يسارًا، الذي يُشارِكُهُ الغنيُّ في ظاهرِهِ ويُخالِفُهُ في قولِه؛ فهذا يسْأَلُ، وهذا لا يَسْأَلُ، وظهورُ الفقرِ قولًا أصدَقُ مِن ظهورِهِ صورةً وحالًا، ولكنْ يُذكَّرُ مَن يَظهَرُ منه القوةُ واليَسَارُ أنَّه يظهَرُ منك قُوَّةٌ ويَسَارٌ، وهذهِ الزَّكَاةُ لا تجوزُ لمثلِ ظاهرِ حالِكَ، وإنْ أخَذَها يُعطاها، فيُوكَلُ إلى نفسِهِ، ما لم يشتهِرْ كذبُهُ وتربُّصُهُ بأموالِ الفقراءِ وهو غنيٌّ.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعطي مَن ظاهِرُهُ القُوَّةُ، ويذكِّرُهُ ويخوِّفُهُ مِن أخذِها بغيرِ حقٍّ؛ كما في "المسنَدِ"، وعندَ أبي داودَ والنَّسَائيِّ، عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ؛ أنَّ رجلَيْنِ حدَّثاهُ أنَّهما أتَيَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلَانِهِ مِن الصَّدَقةِ، فقَلَّبَ فِيهِمَا البَصَرَ - وقال محمَّدٌ: بصَرَهُ - فرآهما جَلْدَيْنِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)(1).
وفيهِ: أنَّ القادرَ على الكسبِ، الواجدَ للعملِ: لا تحلُّ له الزكاةُ؛ لأنَّها تُعِينُهُ على العَجْزِ والقعودِ.
وربَّما يكونُ الفقيرُ المحتاجُ المتعفِّفُ غيرَ مُلِحٍّ، ويُلِحُّ الغنيُّ في طلبِ حاجتِهِ؛ ولذا قالَ تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ؛ أي: كدًّا وإلحاحًا.
والصدقةُ أخفُّ مِن الزكاةِ؛ لأنَّ الصَّدَقةَ يجوزُ دفعُها للأغنياءِ بلا خلافٍ؛ نقلَ الإجماعَ النوويُّ وغيرُهُ، والأفضلُ: تَرْكُها للمحتاجِينَ والمُعْوِزِينَ.
(1) أخرجه أحمد (17972)(4/ 224)، وأبو داود (1633)(2/ 118)، والنسائي (2598)(5/ 99).