الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنْ تأتيَ (1) "؛ وبهذا قال مجاهدٌ والنَّخَعيُّ، وعِكْرِمةُ وقتادةُ (2).
حكمُ إتيان الزوجة في دُبُرِها:
وهذه الآيةُ تتضمَّنُ النهيَ عن إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها، مِن وجهَيْنِ:
الأولُ: أنَّ اللهَ نَهَى عن قُرْبِ النساءِ زَمَنَ الحَيْضِ بالجِمَاعِ، ولو جاز الدُّبُرُ، لَمَا كان للنهيِ عن القُرْبِ معنًى؛ فاللهُ نَهَاهُ عن قُرْبِها بجِمَاعِ القُبُلِ؛ لأنَّه لا يَحِلُّ إلا هو.
الثاني: أنَّ النهيَ عن جِمَاعِ الحائضِ في قُبُلِها؛ لأنَّه مَحَلُّ نجاسةٍ، وهو دمُ الحَيْضِ؛ وذلك ظاهرٌ في تعليلِ النهيِ بقولِه:{قُلْ هُوَ أَذًى} ، والدُّبُرُ محلُّ نجاسةٍ وأذًى أشدَّ مِنَ الدمِ، وهو العَذِرَةُ؛ فالنهيُ عنه دائِمٌ؛ لأنَّه محلٌّ دائمٌ لا يتوقَّفُ ولا ينقطِعُ، ولا يمكِنُ تطهيرُ مَحَلِّهِ الباطنِ، كما يتوقَّفُ ويتطهَّرُ محلُّ الجِمَاعِ في القُبُلِ ظاهرًا وباطنًا؛ فدلَّ على أنَّ التحريمَ في الدُّبَرِ أَولى مِن النهيِ والتحريمِ في القُبُلِ وأشَدُّ.
وقد علَّل اللهُ الحِكْمةَ مِن النهيِ في الآيةِ بالنجاسةِ في ألفاظٍ؛ منها قولُه: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} ، وقولُه:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ، وقولُه:{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ، ولا يمكِنُ أنَّ اللهَ يَنْهَى عن القُبُلِ لعلَّةِ التنجُّسِ ثمَّ يَأْذَنُ بالدُّبُرِ ويَصِفُ مَن كانت حالُهُ كذلك بالمتطهِّرِ؛ ولذا قال مجاهدٌ:"مَن أَتَى امرأتَهُ في دُبُرِها، فليس مِن المتطهِّرينَ"(3).
ويأتي الدليلُ أصرَحَ في الآيةِ التاليةِ، وقد رُوِيَ أنَّهم كانوا يَأُتُونَ المرأةَ في دُبُرِها عندَ حَيْضِها؛ فانزَلَ اللهُ الآيةَ للدلالةِ على تحريمِ ذلك؛ كما رَوَاهُ خُصَيْفٌ، عن مجاهِدٍ؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (4).
(1)"تفسير الطبري"(3/ 736)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 402).
(2)
ينظر: "تفسير الطبري"(3/ 736 - 738).
(3)
"تفسير الطبري"(3/ 743)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 403).
(4)
"تفسير الطبري"(3/ 722).
وتطهُّرُ المرأةِ للجِمَاعِ بعدَ حَيْضِها واجبٌ على المسلِمةِ والكتابيَّةِ سواءً؛ لأنَّ العِلَّةَ تَعَلَّقَتْ بالزوجِ أنْ يُصِيبَهُ الأذى؛ فهو مخاطَبٌ بعدمِ القُرْبِ، والمرأةُ لا يَجِبُ عليها الغُسْلُ إلا عنَد قيامِ المُوجِبِ مِن الصلاةِ وغيرِها، فالسؤالُ إنَّما كان مِن الرجالِ؛ فتَعَلَّقَ بهم، وإنِ اختلَفَ دِينُ المرأةِ فكانت لا تستحِلُّ صلاةً كالكتابيَّةِ.
ثمَّ قال اللهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ؛ إشارةً إلى أنَّ المخالِفَ لأمرِهِ ذلك عاصٍ متنجِّسٌ.
والتَّوَّابُونَ: المُقْلِعُونَ عن الذنوبِ الراجِعُونَ إلى اللهِ، والمتطهِّرونَ: المبتعِدُونَ عن النَّجَسِ المتوضِّئُونَ منه.
وتجوزُ مماسَّةُ الحائضِ ومضاجَعَتُها ومؤاكَلَتُها، وحُكْمُها كالطاهرةِ في ذلك، وإنَّما حَرُمَ وطءُ الفَرْجِ، ومباشَرَتُها فيما دونَ الفرجِ جائزةٌ؛ ففي البخاريِّ، عن عائشةَ، قالتْ:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ"(1).
وفي "الصحيحَيْنِ"، عن ميمونةَ بنتِ الحارثِ الهِلَاليَّةِ؛ قالتْ:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُباشِرَ امرأةً مِن نسائِهِ، أمَرَهَا فاتَّزَرَتْ وهي حائضٌ"(2).
وفي "المسنَدِ" والدارِميِّ، عن عائشةَ؛ قالتْ:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَيَدْخُلُ مَعِي فِي لِحَافِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أمْلَكَكُم لِإِرْبِهِ"(3).
وسأَلَ مسروقٌ عائشةَ: ما يَحِلُّ للرجُلِ مِن امرأتِهِ وهي حائضٌ؟ فقالتْ: "كلُّ شيءٍ إلا فَرْجَها"(4).
(1) أخرجه البخاري (2030)(3/ 48).
(2)
أخرجه البخاري (303)(1/ 68)، ومسلم (294)(1/ 243).
(3)
أخرجه أحمد (24824)(6/ 113)، والدارمي (1047).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1260)(1/ 327).