الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاةُ عُروضِ التجارةِ:
وفي الآيةِ: وجوبُ الزكاةِ في جميعِ الأموالِ، ومنها عروضُ التجارةِ؛ فقد جاء الأمرُ بالعمومِ، فالإنفاقُ أوَّلُ ما يتوجَّهُ إلى الزكاةِ، كما روى حَجَّاجٌ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ؛ قولَهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} ، قال:"مِن الزَّكَاةِ والتطوُّعِ"(1).
وتجبُ الزكاةُ في عروضِ التجارةِ عندَ عامَّةِ العلماءِ، وهو قولُ الأئمةِ الأربعَةِ، وعملُ الخلفاءِ الراشِدِينَ؛ كعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه، وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ وفقهاءِ المدينةِ السَّبْعَةِ، ويعضُدُ هذا: ما رواهُ أبو داودَ وغيرُهُ؛ مِن حديثِ سَمُرةَ مرفوعًا: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ)(2).
ونقَلَ ابنُ المنذِرِ إجماعَ العلماءِ على زكاةِ عروضِ التجارةِ (3).
خلافًا للظاهريَّةِ الذين يَجْعَلُونَ النصوصَ إنَّما هي فيما خَصَّهُ الدليلُ، ولا يأخُذونَ بإطلاقاتِ الآياتِ، وربَّما احترَزُوا مِن القولِ بالإطلاقِ؛ خوفًا مِن وجوبِ الزكاةِ في المتاعِ والدُّورِ والمَرَاكبِ وطعامِ البيتِ؛ لكونِها مِن الأرزاقِ والأموالِ، ولكنَّ هذا النوعَ مِن الأَموالِ لم يَقُلْ أحدٌ بوجوبِ الزكاةِ فيه، ولا ذكَرَ ذلك الصحابةُ ولا مَن بَعْدَهم إلا ما يتعلَّقُ بحُلِيِّ المرأةِ، ومَنْ أوجَبَ الزكاةَ فيه لا يجعلُهُ متاعًا، بل نقدًا.
والتجارةُ كسبٌ، واللهُ يقولُ:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]، ويأتي مزيدُ كلامٍ في ذلك في سورةِ التوبةِ عندَ قولِه تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
* * *
(1)"تفسير الطبري"(4/ 523).
(2)
أخرجه أبو داود (1562)(2/ 95).
(3)
ينظر: "المجموع"، للنووي (6/ 47).
قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
رَفْعُ الإكراهِ في الآيةِ عامٌّ مخصوصٌ بغيرِهِ مِن الآياتِ، وقد وقَعَ خلافٌ في نسخِ هذه الآيةِ بآياتِ السيفِ والقتالِ؛ فمنْهُم: مَنْ قال بالنَّسْخِ؛ وهو قولُ الضَّحَّاكِ والسُّدِّيِّ وابنِ زيدٍ وغيرِهم، وليس كذلك؛ بل هي محكَمةٌ وخاصَّةٌ بأهلِ الكِتابِ، لا بِغيرِهِم مِن الكفارِ؛ وذلك أنَّهم لا يُكرَهونَ على الإسلامِ إذا نزَلُوا على الجِزْيةِ بخلافِ الوثنيِّينَ، ويأتي تفصيلُ الجِزْيةِ وأحكامِها في "التوبةِ" عند قولِه تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
والذي عليهِ أكثَرُ المفسِّرينَ: إحكامُ آيةِ البابِ، وخصوصُها بأهلِ الكتابِ؛ وعلى هذا جرى تفسيرُ الصحابةِ؛ كابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، وهو قولُ مجاهِدٍ والحسنِ والشَّعْبيِّ.
ولا يُصارُ إلى النَّسْخِ إذا عُرِفَ التاريخُ ولم يتعارَضِ الحُكْمُ مِن جميعِ الوجوهِ، فآيةُ السيفِ سابِقةٌ لنزولِ هذهِ الآيةِ، وآياتُ السيفِ لها مواضِعُها، وهذهِ الآيةُ لها مواضِعُها؛ ففي "السُّننِ"؛ مِن حديثِ أبي بِشْرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ؛ في قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، قالَ: نزَلَتْ في الأنصارِ، قُلتُ: خاصَّةً، قال: خاصَّةً، كانَتِ المرأةُ منهُم إذا كانت نَزِرَةً أو مِقْلَاتًا؛ تَنْذِرُ لَئِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا لَتَجْعَلَنَّهُ في اليَهُودِ؛ تَلْتَمِسُ بِذَلِكَ طُولَ بَقَائِهِ، فَجَاءَ الإسلامُ وفيهِمْ مِنْهُم، فلمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، قالَتِ الأنصارُ: يا رَسُولَ اللهِ، أبناؤُنا وإخوانُنا فيهم، فسكَتَ عنهُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،