الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبطَلَ عقدَ نِكاحِ المحلِّلِ، وأوجَبَ إعادتَهُ بشروطِهِ لفسادِهِ: مالكٌ والثَّوْريُّ، وأجاز العَقْدَ أبو حنيفةَ وصاحِبَاهُ ولهم قَوْلانِ في مَنْعِ رجوعِها للأوَّلِ به.
والشافعيُّ يَقولُ: إنْ تشارَطَا على التحليلِ، فهو نكاحُ مُتْعةٍ باطلٌ مفسوخٌ، وإن لم يتشارَطَا وبيَّتَها الزوجُ في النفسِ، فللشافعيِّ قَولانِ؛ قولُهُ القديمُ يُوافِقُ قولَ مالكٍ، والجديدُ يُوافقُ قولَ أبي حنيفةَ والنكاحُ صحيحٌ.
وبعضُ السلفِ يشدِّدُ في ذلك؛ قال الحسنُ وإبراهيمُ: "إذا هَمَّ أحدُ الثلاثةِ بالتحليلِ، فسَدَ النكاحُ".
وقال سالمٌ والقاسمُ: "لا بأسَ أنْ يتزوَّجَها لِيُحِلَّها، إذا لم يَعْلَمِ الزوجانِ، وهو مأجورٌ"؛ وبه قال ربيعةُ ويحيى بنُ سعيدٍ (1).
وهذا قولٌ ضعيفٌ يُجسِّرُ على التحليلِ، وربَّما يُواطِئُ عليه ولو بالتلميحِ، فالسُّنَّةُ اشترَطَتِ الوطءَ؛ تضييقًا لبابِ الرجوعِ؛ لأنَّ مِثلَهما غالبًا لا تصلُحُ أحوالُهما يعدَ طلاقِ الثلاثِ، وقد جعَلَ اللهُ لهما هذا العَدَدَ، وما بعدَهُ لا تكادُ تَطِيبُ النفوسُ به، وحتَّى لا تتعلَّقَ نفوسُ الزوجَيْنِ بالرَّجْعةِ، فتتعطَّلَ حياتُهما عنِ استقبالِ زواجٍ آخرَ، والتشوُّفُ لمخرجٍ ضعيفٍ قد يَحمِلُهما على التعريضِ في المجالسِ لِمَن يُحسِنُ إليهما - بلا تصريحٍ - بزواجٍ تَرجِعُ به لزوجِها الأوَّلِ.
حدُّ النكاحِ الذي ترجِعُ به المبتوتةُ لزوجها:
وقد وقَع الخلافُ عندَهم في القدرِ الكافي مِن النكاحِ الذي تَرجِعُ به الزوجةُ مِن نِكاحِها الثاني إلى زوجِها الأوَّلِ؛ وفي المسألةِ أقوالٌ:
(1)"تفسير القرطبي"(4/ 92).
أوَّلُها: أنَّ العَقْدَ كافٍ، ولو لم يدخُلِ الزوجُ بها؛ وهذا قولُ ابنِ المسيَّبِ.
ومَن أخَذَ يهذا القولِ، أخَذَ بأقلِّ ما يَدُلُّ عليه اسمُ النكاحِ، وهو العقدُ، وأنَّ النكاحَ إذا أُطلِقَ في القرآنِ، فيُرادُ به العقدُ.
ولم يُوافِقِ ابنَ المسيَّبِ علي قولِهِ هذا مِن السلفِ أحدٌ فيما أعلمُ.
ثانيها: أنَّ النكاحَ لا يُعتبَرُ حتَّى يلتقِيَ الختانانِ، وهو الوطءُ الذي يُوجِبُ الغُسْلَ ولو لم يُنْزِلْ؛ وهو قولُ جمهورِ السلفِ والفقهاءِ.
وذلك لأنَّ النكاحَ إذا أُطلِقَ في القرآنِ، فيُرادُ به العقدُ، إلَّا هذه الآيةَ فيُرادُ له الجماعُ؛ علي قولِ عامَّةِ المفسِّرينَ، ولقولِهِ صلى الله عليه وسلم:(إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، لم تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَذُوقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ صَاحِبِهِ)(1).
وظاهرُ الحديثِ: عدَمُ اعتبارِ وطءِ المكرَهَةِ والنائمةِ والمُغمَى عيها؛ لأنَّه اشترَطَ ذَوْقَهما جميعًا؛ وهذا فيه بيانٌ لقوَّةِ قصدِ النكاحِ، وليس التحليلَ.
وذلك أنَّ الزوجَ الذي يطلِّقُ زوجتَهُ ويُريدُ إعادتَها بزوجٍ آخَرَ، فلا يُريدُ أن يطأَها الآخَرُ، وإلَّا زَهِدَتْ نفسُهُ فيها غالبًا، وهدا قطعٌ للنفوسِ أن تتلاعبَ بالشريعةِ وتتحايَلَ عليها.
قال ابنُ المنذِرِ: "ومعنى ذوقِ العُسَيْلةِ هو الوَطْءُ! وعلى هذا جماعةُ العلماءِ، إلَّا سعيدَ بنَ المسيَّبِ"(2).
ثالثُها: أنَّ النكاحَ لا يَصِحُّ بوطءٍ إلَّا بوطءٍ معه إنزالٌ؛ قال به الحسَنُ.
(1) أخرجه الدارقطني في "سننه"(3977)(5/ 59).
(2)
"الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (5/ 238).