الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابنُ جريرٍ، عن ابنِ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادةَ؛ في قولِهِ:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ؛ قال: فريضتانِ واجبتانِ؛ فأدُّوهما إلى اللهِ (1).
وفي آيةِ البابِ دليلٌ على جملةٍ من المسائلِ:
منها: فرضيةُ الصلاةِ والزكاةِ، وهما الرُّكْنانِ الثاني والثالثُ بالاتِّفاقِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ من حديثِ ابنِ عمرَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:(بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. . .)؛ الحديثَ (2).
ولحديثِ أبي هريرةَ في "الصحيحينِ"؛ في قصةِ سؤالِ جبريلَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا سأَلَهُ عن الإسلامِ، قَال:(الإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ. . .)، الحديثَ (3).
وجوب القيام في الصلاة على القادر:
ومنها: وجوبُ القيامِ في الصلاةِ، وهو ركنٌ من أركانِها، وجُعِلَ أداءُ الصلاةِ قيامًا؛ لأنَّ القيامَ أطولُ من غيرِهِ في الصلاةِ وقتًا، وهو أظهرُ بالبيانِ؛ ففي "الصحيحينِ"، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، عن البَرَاءِ؛ قال:"كان ركوعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسجودُهُ، وبينَ السجدتَيْنِ، وإذا رفَعَ من الركوعِ - ما خلا القيامَ والقعودَ - قريبًا مِن السَّوَاءِ"(4).
يعني: أنَّ القيامَ لا يُقارَنُ طولًا بغيرِهِ؛ وإنَّما غيرُهُ يتشابَهُ فيما بينَهُ سجودًا وركوعًا، وجلوسًا بينَ السجدتَيْنِ ورفعًا من الركوعِ.
(1)"تفسير الطبري"(1/ 611).
(2)
أخرجه البخاري (8)(1/ 11)، ومسلم (16)(1/ 45).
(3)
أخرجه البخاري (50)(1/ 19)، ومسلم (9)(1/ 39).
(4)
أخرجه البخاري (792)(1/ 158)، ومسلم (471)(1/ 343).
والإقامةُ مصدرُ أقامَ، وأصلُ القيامِ في اللغةِ هو الانتصابُ المضادُّ للقعودِ والاضطجاعِ والركوعِ، وإنَّما كان قيامًا؛ لأنَّ الأمرَ لا يتأتَّى إلا به لأهميتِهِ؛ فالقائمُ يفعلُ وَيَقْوَى على ما لا يقْوَى عليه القاعدُ.
وقد جاء الأمرُ بالصلاةِ بعدَ الأمرِ بالإيمانِ؛ لأهميةِ التدرُّجِ والتسلسُلِ بالتشريعِ؛ كما جاء في حديثِ معاذٍ وبَعْثِهِ إلى اليمنِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. . . ."؛ الحديثَ (1).
وأمَّا الاستدلالُ بقولِهِ تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} على أنَّ المرادَ به تسويةُ الصفوفِ، ففي ذلك نظرٌ؛ وذلك أنَّ اللهَ أمَرَ موسى وأخاهُ بإقامةِ الصلاةِ؛ قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87]، وتسويةُ الصفوفِ من خصائصِ هذه الأمَّةِ؛ كما روى مسلمٌ، عن رِبْعِيٍّ، عن حُذَيْفةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ المَلَائِكَةِ. . .)؛ الحديثَ (2).
والزكاةُ: مِن زَكَا الشيءُ: إذا نَمَا (3).
وسُمِّيتْ بذلك؛ دفعًا لتوهُّمِ النقصِ الطارئِ على دافعِها.
قال الشاعرُ:
كَانُوا خَسًا أوْ زَكًا مِنْ دُونِ أرْبَعَةٍ
…
لَمْ يَخْلَقُوا، وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِجُ (4)
(1) أخرجه البخاري (1458)(2/ 119)، ومسلم (19)(1/ 51).
(2)
أخرجه مسلم (522)(1/ 371).
(3)
ينظر: "غريب الحديث" لابن قُتيبة (1/ 184).
(4)
ينظر: "تهذيب اللغة"(14/ 228)، "لسان العرب"(14/ 228).