الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ ! فَذَلِك مِن نُقْصَانِ عَقْلِهَا) (1).
ولمَّا كانتِ الحدودُ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ، والمرأةُ يَعرِضُها النِّسْيانُ في الشهودِ لقولِهِ:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} ، والنِّسْيانُ شُبْهةٌ؛ لمْ تَجُزْ شهادةُ المرأةِ في الحدودِ، بل لا تُجزِئُ شهادةُ امرأتَيْنِ مع رجلٍ في غير الأموال؛ ولأنَّ اللهَ يقولُ في حدِّ الزِّنَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4]، وهذا عدُد الرجالِ بالاتِّفاقِ.
وعلى هذا جرى العملُ؛ فقد روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن الزُّهْريِّ؛ قال:"مَضَتِ السُّنَّةُ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والخليفتَيْنِ مِن بعدِهِ: أَلَّا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ في الحُدُودِ"(2).
وَيَجْرِي مَجْرَى الأموالِ في جوازِ شهادةِ المرأةِ بها على ما تقدَّمَ: المواريث، والوصايا، والودائعُ، وشبهُها.
وتصحُّ شهادةُ المرأةِ الواحدةِ في الرَّضَاعِ.
وكذلك القابِلةُ - طبيبةُ الولادةِ - لو شَهِدَتْ على شيءٍ رَأتْهُ مِن جِنْسِ المولودِ وحياتِهِ وعدَدِه.
ويجوز إشهادُ النساءِ وَحْدَهُنَّ على ما لا تقومُ فيه بيِّنةٌ إلا بِهِنَّ؛ كما يقَعُ بينَهُنَّ مِن جِرَاحٍ أو سَرِقةٍ في مَجَالِسِهِنَّ في الأَعْرَاسِ والوَلَائِمِ ونحوِها؛ حتَّى لا تَضِيعَ الحقوقُ.
وحكى الاتفاقَ غيرُ واحدٍ أنَّ شهادةَ النِّساءِ على النساءِ في الولادةِ وعيوبِهنَّ جائزةٌ.
اشتراطُ العدالةِ في الشاهِدِ:
ويُشترَطُ في الشاهدِ العَدَالةُ؛ لقولِهِ تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
(1) أخرجه البخاري (304)(1/ 68)، ومسلم (79)(1/ 86).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(28714)(5/ 533).
مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، والعَدْلُ: من لم يُعرَفْ فِسْقُهُ بكبيرةٍ، أو إصرارٍ على صغيرةٍ، وإن تعذَّرَ شاهدٌ لم يظهَرْ فسقُهُ بصغيرةٍ، ليجوزُ الإشهادُ بأهلِ الصغائرِ؛ حتَّى لا تضيعَ الحقوقُ، ولِنُذْرةِ السلامةِ منها، خاصَّةً في الأزمِنَة المتأخِّرةِ، وإنْ كَثُرَ أهلُ السلامةِ منها في بلدٍ، رُدَّتْ شهادتُهُ؛ لأنَّ قبولَ شهادةِ الفاسقِ ورَدَّها لحفظِ الحقوقِ أن تَصِيعَ، والمصلَحةُ الغالبةُ في قبولِها ورَدِّها يُؤخَذُ بها.
والأصل في المسلِمِ المشهورِ: العدالةُ ما لم يُجرَحْ، وأمَّا المسلِمُ المستورُ، فاختُلِفَ فيه:
فقال مالكٌ والشافعيُّ: إنَّ الأصلَ عدَمُ قبولِ الشهادةِ، حتَّى تثبُتَ العدالةُ، وظاهِرُهُ: أنَّ مَن عُجِزَ عن معرِفةِ عدالتِهِ تُرَدُّ شهادتُه.
وقال أبو حنيفةَ والليثُ: إنَّ الأصلَ قَبولُ شهادتِهِ، حتَّى يثبُتَ الفِسْقُ.
والأظهَرُ: أنَّ الأمرَ يَرجعُ إلى الزمانِ والمكانِ وغَلَبَةِ الفِسْقِ فيهما؛ فإنْ كان المستورُ في بلدٍ يعُمُّ فيهِ الفِسْقُ، اشتُرِطَ ثبوتُ العدالةِ، ولم يُقبَلِ السترُ، وإنْ كان في بلدٍ تعُمُّ فيه العدالةُ والديانةُ، فالأصلُ العدالةُ حتَّى يثبُت الفِسْقُ.
ويفرَّقُ بين الإشهادِ على الشيءِ اليسيرِ مِن الحقِّ والشيءِ الكثيرِ، في التساهُلِ بالاستيثاقِ مِن حالِ الشاهِدِ.
ومَن عُرِفَ بخُصُومةٍ أو قرابةٍ مع أحدِ أصحابِ الحقِّ، فلا تصحُّ شهادتُهُ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:(لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ)(1)، ولكنْ لو شهِدَ القريبُ على قريبِهِ وليس خَصْمَا له، جازَ، وإذا شهدَ الخَصْمُ لحظِّ خَصْمِهِ، جازَ؛ لأنَّه أبعَدُ عنِ التُّهَمةِ مِن غيرِه.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(15365)(8/ 320)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 201).