الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولُهُ تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} إشارةٌ إلى ما سبَقَ أنَّ أمرَ العِدَّةِ موكولٌ إلى المرأةِ والقولَ في ذلك قَوْلُها، تُوكَلُ إلى دينِها، وعند الشكِّ تخوَّفُ باللهِ، ويَظهَرُ تخويفُها مِن عِظَمِ أمرِ الكِتْمانِ بقولِهِ:{إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ؛ وهذا وعيدٌ شديدٌ ذكَرَهُ اللهُ في غيرِ ما موضعٍ تشديدًا؛ فقد ذكَرَهُ في عَضْلِ النساءِ أن يَرجِعْنَ إلى أزواجِهِنَّ بعد آياتٍ، وذكَرَهُ عند الأمرِ بِرَدِّ الأمرِ عند التنازُعِ إلى اللهِ ورسولِهِ كما في سورةِ النساءِ، وعند الأمرِ بإقامةِ حدِّ الزِّنَى في سورةِ النُّورِ، وعند الاقتداءِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في سورةِ الأحزابِ، وعند إقامةِ الشهادةِ للهِ في الطلاقِ، وفي مواضعَ أُخرى عند التحذيرِ مِن عمَلٍ يؤكِّدُهُ بالتذكيرِ بالإيمانِ باللهِ وعظمتِه، والآخِرةِ والحِسَابِ فيها، كما في موالاةِ مَن حَادَّ اللهَ ورسولَهُ في المجادَلةِ، وغيرِ ذلك.
وقيل: المرادُ بما في أرحامِهِنَّ: الحَمْلُ؛ قاله عمرُ وابنُ عبَّاسٍ (1)، وقيلَ: الحَيْضُ؛ قاله عِكْرِمةُ والزُّهْريُّ والنَّخَعيُّ (2).
وكلاهُما مقصودٌ؛ فلا يَحِلُّ لها كِتْمانُ حَمْلِها ولا حَيْضِها، فلا يَحِلُّ لها الكَذِبُ بِحَمْلِها أو حَيْضِها أو طُهْرِها، فتقولَ: أنا حاملٌ، أو حائضٌ، أو طاهرٌ، وليست كذلك؛ رغبةً في فِرَاقٍ أو لَحَاقٍ، فإذا عَلِمَتْ أنَّ زوجَها يُحِبُّ الولَدَ، كذَبَتْ بِحَمْلِها لِتَرجِعَ، وكذَبَتْ لأجلِ أن يَمْتَدَّ أجلُ عِدَّتِها ليُراجِعَها، وأَشَدُّ مِن ذلك: الكَذِبُ في كِتْمانِ الحملِ؛ لِيَلْحَقَ الولَدُ بغيرِ أبيه.
إرجاعُ الرجلِ زوجتَهُ في عدَّتها:
وقولُه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} :
والحَقُّ لِزَوْجِها في إرجاعِها ما دامَتْ في العِدَّةِ، وإرجاعُهُ لها على حالَيْنِ:
(1)"تفسير الطبري"(4/ 110)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 415).
(2)
"تفسير الطبري"(4/ 105 - 106)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 416).
الأُولى: إذا أرادَ الإصلاحَ، فيُستحَبُّ له ذلك.
الثانيةُ: إذا أرادَ الإضرارَ بالزوجةِ؛ إمَّا ليُسِيءَ إليها في معامَلتِهِ وهي عندَهُ، أو ليُمْسِكَها ثُمَّ يُطلِّقَها حتَّى يطولَ أَمَدُها بلا زوجٍ؛ فهذا إمساكٌ محرَّمٌ؛ لقولِهِ تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
ورَدُّ الزوجةِ: إمَّا أن يكونَ في العِدَّةِ، فهو حقٌّ للزَّوْجِ فقَطْ ولو لم تُرِدِ الزوجةُ، ولا يَلزَمُهُ عقدٌ ولا مهرٌ بالاتفاقِ؛ لقولِهِ تعالى:{أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ؛ يَعني: في عِدَّتِهِنَّ.
واختُلِفَ في وجوبِ الإشهادِ، والأرجَحُ: عدمُ وجوبِهِ في الرَّجْعةِ في العِدَّةِ، ووجوبُه بعدَ الخروجِ مِن العِدَّةِ وبلوغِ الأَجَلِ؛ قال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
وإمَّا أن يكونَ في غيرِ العِدَّةِ، فهو حقٌّ للزوجَيْنِ جميعًا، وللوليِّ أيضًا.
وتَرجِعُ الزوجةُ في العِدَّةِ بالإشهادِ على ذلك منه، بلا خلافٍ؛ وإنَّما الخلافُ ما لو جامَعَها أو قبَّلَها أو لَمَسَها أو فعَلَ مَعَها ما لا يَحِلُّ إلَّا للزوجِ مِن زوجتِهِ؛ هل تَرجِعُ بمجرَّدِ هذا الفعلِ أم لا؟
والصحيحُ: أنَّها تَرجِعُ بالجِمَاعِ؛ وهو قولُ ابنِ المسيَّبِ والحسَنِ وابنِ سِيرِينَ؛ وهو قولُ طائفةٍ مِن أصحابِ مالكٍ.
ويَرى أبو حَنيفةَ وأهلُ الرأيِ: أنَّ اللَّمْسَ رَجْعةٌ أيضًا؛ خلافًا للجمهورِ الذين لا يَرَوْنَ الجماعَ ولا ما دُونَهُ رَجْعةً؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وإسحاقَ.
وقال مالكٌ: هو رجعةٌ لو نَوَاها، ويَجِبُ أن يُشهِدَ.
والشافعيُّ لا يَرَى رَجْعةً إلَّا بالقولِ.