الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولُهُ تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} بيانٌ لوجوبِ أداءِ الصلاةِ حالَ الأمنِ، كما بيَّنَها اللهُ لنبيِّه صلى الله عليه وسلم.
وفي الآيةِ: دلالةٌ على جَوَازِ صلاةِ الخوفِ بكلِّ ما يتحقَّقُ معه وصفُ الخوفِ الذي يَعجِزُ معه الإنسانُ عن أداءِ الصلاةِ كما شُرِعَتْ ولو مِن غيرِ عَدُوٍّ؛ كالخوفِ مِن سِبَاعٍ في فَلَاةٍ تُطارِدُهُ، ونحوِ ذلك.
وإيجابُ الصلاةِ حالَ الخوفِ، والتشديدُ فيها ولو راجلًا أو راكبًا - دليلٌ على عِظَمِها في حالِ الأمنِ والإقامةِ.
* * *
الخطابُ متوجِّهٌ للرجالِ؛ لأنَّ بِيَدِهِمُ النَّفَقَةَ والمُتْعةَ والعِصْمةَ، وهذا ظاهِرٌ في قولِه:{مِنْكُمْ} ، وقولِه:{وَيَذَرُونَ} ، وقولِه:{لِأَزْوَاجِهِمْ} ، وقولِه:{عَلَيْكُمْ} ، وقولِه:{فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} .
وللقِوَامةِ أثرٌ حتَّى بعدَ موتِ الزوجِ، والقِوَامةُ تكليفٌ وتشريفٌ، والتكليفُ أكثَرُ، والتَّبِعةُ عليه أعظَمُ، والغُرْمُ عليه أكثرُ مِن الغُنْمِ.
ولا أثَرَ على الزوجِ مِن الزوجةِ إذا تُوُفِّيَتْ زوجتُهُ عنه؛ لا في العِدَّةِ، ولا في المُتْعةِ؛ وهذا بلا خلافٍ.
وتخصيصُ الأزواجِ يُخرِجُ مِلْكَ اليمينِ، فلا مُتْعةَ لها؛ وإنَّما هي مِن مَتَاعِه ومالِهِ الموروثِ.
أحكامُ المتوفَّى عنها زوجُهَا:
واللهُ قد أمَرَ في هذه الآيةِ بشَيْئَيْنِ للمتوفَّى عنها زَوْجُها:
الأوَّلُ: التربُّصُ حَوْلًا كاملًا في بيتِ زوجِها الذي مات عنها فيه.
الثاني: الوصيَّةُ لها بالمتاعِ في تلك المُدَّةِ التي تتربَّصُ فيها.
وهذه الآيةُ كانت حقًّا للزوجةِ قبلَ نسخها بعِدَّةِ المتوفَّى عنها زوجُها، وقد سبَقَتْ، على قولِ عامَّةِ المفسِّرينَ؛ خلافًا لمجاهِدٍ في قولٍ، وكان ذلك حَقًّا للزوجةِ، ولها التنازُلُ عنه؛ فلا يجبُ عليها التربُّصُ عامًا في بيتِ زوجِها إلَّا باختيارِها، ولها التنازُلُ عن حقِّها في المتعةِ تلك المُدَّةَ.
ومجاهِدٌ في قولِهِ هذا الذي تفرَّدَ له، يجعَلُ عِدَّةَ الوفاةِ حتمًا، والوصيَّةَ بالمتعةِ حَوْلًا على التخييرِ للزَّوْجةِ؛ إن شاءَتْ أخَذَتْ به، وإن شاءَتْ تَرَكَتْه، ويرى مجاهِدٌ أنَّ آيةَ عِدَّةِ الوفاةِ سابقةٌ، وهذه الآيةَ لاحِقةٌ مبيِّنةٌ.
رواه البخاريُّ؛ مِن حديثِ شِبْلٍ، عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ، وكأنَّ البخاريَّ لم يَجزِمْ به عن مجاهِدٍ، فقال بعدَ إخراجِهِ:"زعَمَ ذلك عن مجاهِدٍ"(1)؛ يعني: شِبْلًا.
وخُولِفَ عليه؛ فرواهُ ابنُ جُرَيْجٍ، عنْ مجاهِدٍ: بأنَّ عِدَّةَ الوفاةِ ناسخةٌ للتربُّصِ والمتعةِ حولًا.
وقولُ مجاهِدٍ فيما يوافِقُ العامَّةَ أَحْرَى بالأخذِ، وقد حكى الشافعيُّ عدَمَ معرِفةِ مخالِفٍ للقائِلِينَ بنسخِ هذه الآيةِ بما سبَقَ؛ وهي قولُهُ تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
والنَّسْخُ قولُ عامَّةِ السلفِ؛ كابنِ عبَّاسٍ، وعطاءٍ.
(1) أخرجه البخاري (4531)(6/ 29).