الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلازُمُ عهدُ الحليف يُلزِمُ جميعَ حلفائه:
وإذا انتقَضَ عهدُ جماعةٍ، انتقَضَ عهدُ حُلَفَائِهم، إنْ لم يكن للحلفاءِ عهدٌ خاصٌّ لم ينقُضُوهُ؛ فقد ثبَتَ في "الصحيحِ"، عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ؛ قال:"كانت ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأسَرَتْ ثَقِيف رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسَرَ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ العَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي الوَثَاقِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ فَقَالَ: (مَا شَأْنُكَ؟ )، فَقَالَ: بِمَ أخَذْتَنِي وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ فَقالَ إِعْظَامًا لِذلك: (أخَذْتُكَ بِجريرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيف)، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فنادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَقِيقًا؛ فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَالَ: (مَا شَأْنُكَ؟ )، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: (لَو قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلَاحِ)، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. . ."، الحديثَ (1).
وأَكَّدَ اللهُ لزومَ الوفاءِ بالعهدِ والسلمِ بقولِه: {ادْخُلُوا} ؛ لأنَّ الدخولَ انغماسٌ داخلَ الشيءِ، لا مجاوَرَةٌ له.
أحوالُ طلبِ المسالَمَةِ:
وطلبُ السلامِ بينَ المؤمنينَ والمشرِكِينَ على حالتَيْنِ:
الحالةُ الأُولى: في حالِ ضعفِ المؤمنينَ وقِلَّتِهم، وقوةِ الكافرينَ قوةً ظاهرةً غالبةً؛ فهُنا: يَجْنَحُ المؤمنونَ للسَّلْمِ.
قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]، وكما في قولِه:{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} على التفسيرِ المتأخِّرِ لها، فهم سالَمُوا المشرِكِينَ لمصلحةِ دخولِهم المسجدَ الحرامَ، لا سلمًا يدفَعُونَ به شَرًّا عامًّا، ولكنْ لمَّا أرادَ المسلِمُونَ القُرْبَ مِن دارِهم وقرارِهِمْ، ودخولَ
(1) أخرجه مسلم (1641)(3/ 1262).
بلدِهِمْ مكةَ، كانتِ المصلحةُ قائمةً بالمسالَمةِ؛ لِيَضْمَنُوا سلامةَ أنفُسِهم.
ولم يأمُرِ اللهُ نبيَّهُ أن يطلُبَ المشرِكِينَ إلى المسالَمَةِ ابتداءً؛ لأنَّ طلَبَها نوعُ ضعفٍ، ويُورِثُ المسلِمِينَ ركونًا ودَعَةً وخِذْلانًا، وهذه الآيةُ على ضَعْفِ كونِها في سلمِ الحربِ، فهي وقعَتِ ابتداءً مِن المشرِكِينَ في الحُدَيْبِيَةِ.
وبقاءُ المسلِمِينَ في حالةِ حربٍ مع عدوِّهم يجعلُهُم يُعِدُّونَ العُدَّةَ ويتقوَّوْنَ ويتهيَّبونَ عدوَّهم ويرقُبُونَ منه سُوءًا؛ وهذا يَزيدُ مِن لُحْمَتِهم في داخِلِهم وتآلُفِهم على دِينِهم؛ فوجودُ العدوِّ الخارجيِّ يحصِّنُ الأُمَّةَ مِن داخِلِها، وإنْ عُطِّلَ الجهادُ، انشغَلَ المسلِمُونَ فيما بينَهم بالخلافِ على الجزئيَّاتِ، واقتَتَلُوا على التفاهاتِ.
ولأنَّ إطالةَ السلمِ يعني شِدَّةَ المخالَطةِ للمشرِكِينَ ودوامَها؛ فتذوبُ الفِطَرُ، ويُعجَبُ المؤمِنُ بالكافرِ، ويجسُرُ المسلِمُونَ على مساكَنَةِ المشرِكِينَ في بُلْدانِهم، وتظهَرُ الرِّدَّةُ ويظهرُ النِّفاقُ، وفي كلِّ زمنٍ يغيبُ فيه الجهادُ يضعُفُ الإيمانُ، وتظهرُ الردةُ، ويكثُرُ الوهنُ والاختلافُ في الفروعِ والجزئيَّاتِ؛ لأنَّ الإنسانَ جُبِلَ على الجدالِ والمنازَعةِ؛ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، فإذا غاب الجَدَلُ في الأصولِ، انشغَلُوا بما دُونَهُ.
والحالةُ الثانيةُ: في حالِ قوةِ المؤمنينَ قوةً تمكِّنُهُمْ مِن تحصينِ أنفسِهِمْ ومدافَعَةِ المشرِكِينَ وصَدِّهم ولو لم يَغلِبُوهم؛ فهذا سلمٌ لا يجوزُ؛ قال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35].
وحذَّر اللهُ مِن مخالَفَةِ أمرِهِ، وأنَّ كلَّ خطواتٍ تخالِفُ دِينَهُ؛ فهي مِن مسالِكِ الشيطانِ ومَدَارِجِهِ، وسمَّاها اللهُ: خُطُواتٍ؛ لأنَّ الشيطانَ