الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاضطرارُ: ما لا يَقْدِرُ الإنسانُ على الامتناعِ منه بسببٍ مُوجِبٍ لذلك، وإنْ كان بحسَبِ ذاتِه قادرًا على الامتناعِ.
حُكْم أكلِ المَيْتَةِ للمضطَرِّ:
ويُستثنى مِن الأكلِ المحرَّمِ أكلُ ما اضطُرَّ إليه بلا بَغْيٍ ولا عدوانٍ، وأنْ تكونَ الضرورةُ إليه حقيقيَّةً لا توهُّمًا، وأنْ يكونَ الأخذُ منها بما يكسرُ الجُوعَ، ومَرَدُّ ذلك وضبطُهُ إلى تقديرِ الشخصِ في حالِه؛ فهو أعلمُ بها، ومِثلُ هذه الأحوالِ هي أفعالٌ خاصَّةٌ، وفي مواقفَ يصعُبُ على أيِّ أحدٍ تمييزُها إلا صاحبُها، وكلُّ حالٍ تختلِفُ عن الأُخرى، والضرورةُ إذا تحقَّقَتْ، ولم يَجِدِ الإنسانُ خيارًا مباحًا، جاز له أكلُ الميتةِ والدمِ والخنزيرِ.
وإذا كان يتيقَّنُ أنَّه إذا انتظَرَ وقتًا وصَلَ إليه طعامٌ، وانتظارُهُ لا يُضِرُّ به، حَرُمَ عليه الأكلُ.
قال قتادةُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} ؛ قال: "غيرَ باغٍ في أكلِه، ولا عادٍ: أنْ يتعدَّى حلالًا إلى حرامٍ، وهو يَجِدُ عنه مَنْدُوحةً"(1)؛ وكدا قال مجاهدٌ والحسنُ (2).
ورُوِيَ ضبطُ جوازِ استعمالِ المَيْتةِ عندَ الضرورةِ في بعضِ الأحاديثِ؛ مِن ذلك: ما رواهُ أحمدُ والدارِميُّ، عن أبي واقدٍ اللَّيْثيِّ؛ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا بأرضٍ تُصِيبُنا بها مَخْمَصَةٌ، فما يَحِلُّ لنا مِن المَيْتةِ؟ قال:(إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، وَلَمْ تَغْتَبِقُوا، وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا، فَشَأْنُكُمْ بِهَا)(3)؛ رُوِيَ مِن طرُقٍ عِدَّةٍ، وفي أسانيدِهِ ضعفٌ واضطرابٌ.
(1)"تفسير الطبري"(3/ 61)، "وتفسير ابن أبي حاتم"(1/ 285).
(2)
"تفسير الطبري"(3/ 61).
(3)
أخرجه أحمد (21898)(5/ 218)، والدارمي في "سننه"(2039).
وروى معناهُ أبو عُبَيْدٍ والبيهقيُّ؛ من حديثِ الحسنِ عن سَمُرَةَ (1).
ومَن وجَدَ نباتًا في الأرضِ - ولو كان ممَّا لا تشتهيهِ النفسُ، ولا يضُرُّ أكلُهُ - فإنَّه يأكُلُهُ، ويحرُمُ عليه أكلُ المَيْتةِ، ومِثلُ ذلك مَن وجَدَ حَشَراتِ الأرضِ التي لا تُستخبَثُ؛ كالجرادِ وشِبْهِهِ.
ويُروى هذا عن عمرَ بنِ الخطابِ، سُئل: متى تَحِلُّ لنا المَيْتةُ؟ فقال عمرُ: إذا وجَدتَّ قِرْفَ الأرضِ فلا تَقرَبْها، قال: فإنِّي أجِدُ قِرْفَ الأرضِ وأجدُ حشراتِها؟ قال: كفَاكَ كفَاك (2).
وقِرْفُ الأرضِ: أيْ: ما يُقْتلَعُ مِن البَقْلِ والعُرُوقِ.
ومِن العلماءِ: مَن قيَّد جوازَ الاضطرارِ بأنْ يكونَ سببُ حصولِهِ أمرًا مباحًا، وألَّا يكونَ الإنسانُ اضطُرَّ بسببِ قطعِ السبيلِ والخروجِ على سلطانٍ عادلٍ.
روى الطَّبَريُّ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} ؛ يقولُ: "لا قاطعًا للسبيلِ، ولا مُفارِقًا للأئمَّةِ، ولا خارجًا في معصيةِ اللهِ؛ فله الرخصةُ، ومَن خرَجَ باغيًا أو عاديًا في معصيةِ اللهِ، فلا رخصةَ له وإنِ اضطُرَّ إليه"(3). ورُويَ هذا عن سعيدٍ (4).
وقد استدل أحمد بن حنبل بهذه الآية على أن المُحْرِم بحج أو عمرة إذا أدركه الجوع فاضطر إلى الصيد والميتة أنه يأكل الميتة ولا يصيد؛ لأن الله أحل الميتة (5).
وهذا من أحمد لا يعني تحريم الصيد للمضطر، وإنما هو احتياط،
(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(9/ 356). وينظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (1/ 61).
(2)
أخرجه الخطابي في "غريب الحديث"(2/ 68).
(3)
"تفسير الطبري"(3/ 59).
(4)
"تفسير الطبري"(3/ 59).
(5)
مسائل ابن هاني (2/ 134)، وعبد الله (234).