الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنفقةُ حسَبَ القدرةِ؛ فاللهُ لا يكلِّفُ إنسانًا إلَّا بطاقتِه؛ وهذا ظاهرٌ في قولِه: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} .
وقولُه: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} إشارةٌ إلى حظوظِ النفسِ بين الزوجَيْنِ في الرَّضَاعِ؛ فالمصلحةُ في ذلك للولَدِ وحقِّه في الرضاعِ، فلا تدَعُ الوالدةُ رضاعَ ابنِها شقاقًا لأبيه، ولا يأخُذُ الوالدُ ولدَهُ مِن أمِّه شقاقًا لها، ولا تدَعُ الوالدةُ رضاعَ ولَدِها وهي مطلَّقةٌ لتتزوَّجَ وولَدُها يُريدُها مِن دونِ النِّساءِ.
تعيُّنُ الرضاعِ على الوالدةِ:
ولا يختلِفُ العلماءُ أنَّ الرضاعَ يتعيَّنُ على الوالدةِ في أحوالٍ؛ منها:
إذا لم يَقبَلِ الولَدُ ثديَ امرأةٍ إلَّا إيَّاها.
وإذا لم يوجَدْ مُرضِعةٌ غيرُها مِن النساءِ.
وإذا لم يَجِدِ الوالدُ نفقةَ الرضاعِ لغيرِها لفقرِهِ، تعيَّن عليها بما تستطيعُ.
وقولُهُ تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} المرادُ بالوارثِ مَن يَرِثُ المولودَ لو قُدِّرَتْ وفاتُهُ، فإذا فقَدَ والدَهُ، فيقومُ بكفايتِهِ في الرضاعِ والنَّفَقةِ عليه مَن يَرِثُهُ لو مات، والذي يجبُ على الوارثِ هو الذي يجبُ على الوالدِ سواءً؛ ما دامَ الطِّفْلُ غيرَ قادرٍ على كفايتِه، وهذا المقصودُ في الإشارةِ إليه بقولِه:{مِثْلُ ذَلِكَ} ؛ أيْ: مِثلُ ما يجبُ على الوالِدِ.
وبهذا قال جماعةٌ مِن السلفِ؛ كمجاهِدٍ والحسَنِ وعطاءٍ وقتادةَ، وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ وإسحاقَ وأهلِ العراقِ.
والذي يجبُ على الوارثِ: القيامُ بما يجبُ على الوالدِ، ونصيبُهم بمقدارِ مَوَارِيثِهم، فلو كانوا إخوةً رجالًا فيتقاسَمونَ النفقةَ بالتساوي، وإذا كان معهم أخواتٌ فعلى الذَّكَرِ مثلُ ما على الأنثيَيْنِ.
ويسقُطُ مِن حقِّ الوالدةِ بمقدارِ نصيبِها مِن ولدِها.
ويسقُطُ مِن حقِّ الرضيعِ مقدارُ نصيبِهِ لو كان بمنزلةِ إخوانِه.
وبهذا قال أحمدُ.
وبعضُ العلماءِ جعَلُوا ذلك مختصًّا بالرجالِ؛ لأنَّ النساءَ لا يُنفِقْنَ، وإنَّما يُنفِقُ عليهِنَّ الرِّجالُ؛ كما في قولِه:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]؛ ولهذا قضى عمرُ رضي الله عنه؛ كما رواهُ عبدُ الرزَّاقِ في "مصنَّفِه"، وابنُ جريرٍ؛ مِن حديثِ ابنِ المسيَّبِ، عن عمرَ؛ أنَّه حبَسَ بني عمٍّ على منفوسٍ كَلَالةً بالنَّفَقةِ عليه مِثْلَ العاقِلةِ (1).
وبهذا يقولُ عطاءٌ ومجاهِدٌ والنَّخَعيُّ والحسَنُ (2).
وخصَّ أبو حنيفةَ وصاحباهُ: النَّفَقةَ عند وفاةِ الوالدِ بذي الرَّحِمِ المَحْرَمِ، وأخرَجَ ذا الرَّحِمِ غيرَ المَحْرَمِ.
وقولُهم هذا غريبٌ، يخالِفُ الكتابَ، وكذلك الأَثَرَ عن عمرَ، وقد استغرَبَهُ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ، قال إسماعيلُ بنُ إسحاقَ:"قالوا قولًا ليس في كتابِ اللهِ، ولا نعلمُ أحدًا قاله"(3).
وقد قال مالكٌ بنَسْخِ قولِه تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ؛ كما نقَلَهُ عنه ابنُ القاسمِ، وحمَلَهُ بعضُ المالكيَّةِ على التخصيصِ؛ لأنَّ التخصيصَ نسخٌ.
وحمَلَ بعضُ المفسِّرينَ الخطابَ للوارثِ على أنَّه لمنعِ المضارَّةِ للمولودِ؛ كما نَهَى اللهُ الوالدَيْنِ عن ذلك، وليس المرادُ بذلك النفقةَ؛ وهذا مرويٌّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ ومجاهِدٍ والشَّعْبيِّ، وهو قولُ الشافعيِّ.
ورواهُ ابنُ وهبٍ وأشهَبُ عن مالكٍ.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(12181)(7/ 59)، والطبري في "تفسيره"(4/ 222).
(2)
"تفسير الطبري"(4/ 223 - 224).
(3)
"تفسير القرطبي"(4/ 118).