الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما قال اللهُ: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] " (1).
ورَوى سعيدُ بنُ منصورٍ، عنْ داوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ، عن عِكْرِمةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ:"الجَنَفُ فِي الوَصِيَّةِ وَالإِضْرارُ فِيهَا مِنَ الكَبَائِرِ"(2).
مقدارُ الوصيَّةِ:
والجمهورُ على أنَّ الوصيَّةَ بأكثرَ مِن الثُّلُثِ باطِلةٌ؛ للحديثِ المشهورِ الذي رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما، عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ؛ قال: "كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَفُلْتُ: لِي مَالٌ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ:(لَا)، قُلْتُ: فَالشَّطْرِ؟ قَال: (لَا)، قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)(3).
وروى أحمدُ في "المسنَدِ"، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ قالَ:"وَدِدتُّ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الثُّلُثُ كَثِيرٌ - أَوْ: كَبِيرٌ -) "(4).
وروى سعيدُ بنُ منصورٍ؛ مِن حديثِ مُغِيرةَ عن إبراهِيمَ، قالَ:"كَانَ الخُمُسُ فِي الْوَصِيَّةِ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الرُّبُعِ، وَالرُّبُعُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ، وَكَانَ يُقَالُ: هُمَا المُرَّيَانِ مِنَ الأَمْرِ: الإِمْسَاكُ فِي الحَيَاةِ، وَالتَّبْذِيرُ فِي المَمَاتِ"(5).
إمضاءُ الوصيَّةِ للوارثِ بإجازةِ الورثةِ:
واختُلِفَ في إمضاءِ الوصيَّةِ للوارِثِ؛ إذا أجازَها بقيَّةُ الوَرَثةِ:
(1) المصدر السابق.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(343)(1/ 132).
(3)
أخرجه البخاري (2742)(4/ 3)، ومسلم (1628)(3/ 1250).
(4)
أخرجه أحمد (2076)(1/ 233).
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(337)(1/ 131).
والأصحُّ - وهو قولُ عامَّةِ العلماءِ -: أنَّها إذا أجازَها الوَرَثةُ في حياةِ المُوصِي وبعدَ وفاتِهِ، مضَتْ.
وأكثرُ السَّلَفِ: على أنَّ الوَرَثةَ لو رجَعُوا عن إجازةِ الوصيَّةِ بأكثَرَ مِن الثُّلُثِ بعدَ موتِ مورِّثِهم: أنَّ رجوعَهم حقٌّ لهم؛ وذلك لأنَّهم ربَّما أجازُوا إرضاءً للمُوصِي، وحياءً منه؛ روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن الشَّعْبيِّ، عن شُرَيْحٍ؛ قال:"إذا استأذَنَ الرَّجلُ ورَثَتَهُ في الوصيَّةِ، فأَوْصَى بأكثرَ مِن الثُّلُثِ، فطَيَّبُوا له، فإذا نفَضُوا أيديَهُمْ مِن قَبْرِه، فهُمْ على رأسِ أَمْرِهم؛ إنْ شاؤُوا أجازُوا، وإنْ شاؤُوا لم يُجِيزُوا"(1).
وقال بهذا عطاءٌ وطاوسٌ والحَكَمُ وغيرُهم (2).
ومنَعَ رجوعَهم بعضُ السَّلَفِ.
والأصحُّ: أنَّ لهم الرُّجوعَ؛ لأنَّ الوصيَّةَ قُيِّدَتْ بالثُّلُثِ بالنَّصِّ، والزيادةُ على الثلثِ مَرَدُّهُ إلى الوَرَثةِ، ولمَّا كان إذنُهم له في حياتِهِ كان حياءً وشفَقةً، فالعلماءُ يتَّفقُونَ على أنَّ ما أُخِذَ بسَيْفِ الحياءِ غيرُ جائزٍ، والمالُ استَقَرَّ حقًّا لهم بعدَ وفاتِه، ثمَّ هم أَوْلى به مِن غيرِه، وكان الإذنُ بغير طِيبِ نفسٍ منهم.
وإذا أَوْصَى المُوصِي بوصيَّتَيْنِ، فيُعمَلُ بأُخْراهما؛ فقد روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن يونُسَ، عن الحسَنِ قال:"إذا أَوْصَى بوصيَّةٍ، ثمَّ أَوْصَى بأُخرى بعدَها، قال: يُؤخَذُ بالأُخرى منهما"(3).
وقال بهذا عطاءٌ وطاوسٌ وأبو الشَّعْثاءِ (4).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(30723)(6/ 208).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(30725، 30727، 30729)(6/ 209).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(30733)(6/ 209).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(30734)(6/ 209).