الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوامرِه، واجتنابِ نواهيه؛ قاله مجاهدٌ والربيعُ، وابن جُرَيْجٍ وابنُ المبارَكِ (1).
الثَّاني: دعاءُ المسألةِ، وهو الذي تُختَمُ به الأعمالُ غالبًا بطَلَبِ القَبُولِ والاستغفارِ من النَّقْصِ، وما يسبِقُ العبادةَ ويصاحِبُها مِن دعاءٍ للهِ بطلبِ العَوْنِ والتسديدِ يدخُلُ في هذا النوعِ.
وقد جعَلَ اللهُ السؤالَ في الآيةِ بمعنى الدعاءِ، فقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} ، ثمَّ قال:{دَعْوَةَ الدَّاعِ} .
استحبابُ الدعاءِ عند ختامِ الأعمالِ:
وقد أخذَ بعضُ الأئمةِ مِن الآيةِ استحبابَ الدُّعاءِ عندَ ختامِ العملِ الصالحِ، وخاصَّةً الصيامَ، وهذا يؤيِّدُه الأحاديثُ الواردةُ في البابِ في دعاءِ الصائمِ عندَ فِطْرِه، وهي - مع ضَعْفِها - يقترِنُ بعضُها ببعضٍ؛ فيؤكِّدُ بعضُها بعضًا، والأصولُ دالَّةٌ على استحبابِ الدعاءِ بالقَبُولِ عَقِبَ العملِ سِرًّا؛ وذلك لأنَّ الأصلَ في الدعاءِ السِّرُّ؛ لقولِهِ تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، ولقولِه في الآيةِ:{فَإِنِّي قَرِيبٌ} قرينةً على استحبابِ دعاءِ السِّرِّ، فالسرُّ والعلَنُ عندَ اللهِ سواءٌ، والإسرارُ أقربُ إلى الإخلاصِ؛ فاللهُ يُحِبُّ دعاءَ الخَفَاءِ؛ لأنَّه لا يُناجِيهِ منفرِدًا إلَّا مَن هو موقِنٌ بقُرْبِه.
والذِّكْرُ العامُّ والدعاءُ بعدَ العباداتِ مستحَبٌّ؛ شرَعَهُ اللهُ في كثيرٍ مِن العباداتِ؛ كالصلاةِ - وكذلك الصيامُ هنا - والحجِّ؛ كما في قولِهِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 200].
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ إجابةَ اللهِ للداعي العابِدِ المُتَّبِعِ أقربُ من العاصي المخالِفِ؛ ولذا قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} ؛ أي: فإنِ استجابوا
(1)"تفسير الطبري"(3/ 226)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 315).
بالطاعةِ، أجبتُهم، وكلَّما كان الإنسانُ للهِ أقرَبَ، كان أَحْرَى بإجابةِ الدعاءِ.
وحمَلَ بعضُ السلفِ قولَه تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} على الدُّعاءِ؛ أي: فلْيَدْعوني؛ قاله أنَسُ بنُ مالكٍ (1).
وإجابةُ اللهِ لعبدِهِ كما يراهُ اللهُ صالحًا لعبدِهِ في عاجلِهِ وآجِلِهِ، لا كما يراهُ العبدُ؛ فاللهُ لا يعجِّلُ للناسِ الشرَّ لو سألوه إيَّاه:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]؛ فكيف لو سألَ الإنسانُ خيرًا وهو يؤولُ إلى شرٍّ؟ !
فاللهُ يَعْلَمُ ما لا يعلمُهُ العبدُ، فقد يُحجَبُ الإنسانُ إجابةَ شيءٍ بعَيْنِهِ يُريدُهُ لأنَّه لا يدري حالَهُ معه، فيعوِّضُهُ اللهُ بلطفِه ورحمتِهِ بغيرِه، وأمَّا الاستجابةُ عندَ توافُرِ شروطِها، فهي قطعيَّةٌ بهذا المعنى، وليستْ قطعيَّةً بالإجابةِ بما يُريدُ العبدُ بعينِهِ؛ وذلك يبيِّنُهُ قولُهُ تعالى:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: 41]؛ فقيَّدَ الكشفَ بمشيئتِهِ التي تكونُ فوقَ مشيئةِ العبدِ، ومشيئتُهُ سبحانه تتبَعُ علمَهُ وحِكْمتَهَ.
ورُوِيَ من غيرِ وجهٍ: أنَّ سببَ نزولِ قولِه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} أنَّ سائلًا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمَّدُ، أقريبٌ ربُّنا فنُناجِيَهُ، أم بعيدٌ فنُنادِيَهُ؟ فأنزَلَ اللهُ:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} ؛ الآيةَ؛ أخرجَهُ ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ؛ مِن حديثِ جريرٍ، عن عَبْدَةَ السِّجِسْتانيِّ، عن الصُّلْبِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، به (2).
ورُوِيَ من مُرْسَلِ الحسَنِ وعطاءٍ؛ وهي ضعيفةٌ.
(1) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 315).
(2)
"تفسير الطبري"(3/ 222 - 223)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(1/ 314).