الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا المنقطِعُ حَيْضُها دائمًا ليأسٍ، أو انقطَعَ لصِغَرٍ، والحائضُ: فأنَّها تخرُجُ مِن عِدَّتِها بمُضيِّ الأربعةِ الأشهُرِ والعَشَرِ، فالحائضُ على القولَيْنِ في القُرْءِ؛ تخرُجُ مِن عِدَّةِ الطلاقِ، وَيَبرَأُ رَحِمُها بأقلَّ مِن هذه المُدَّةِ، ولكنَّ اللهَ جعَلَ للمتوفَّى عنها زوجُها أجَلًا خاصًّا؛ لمنزِلةِ الزَّوْجِ ومكانتِه؛ ولهذا تمتنِعُ عن الزِّينةِ والطِّيبِ زمَنَ عِدَّتِها.
عدةُ الحامل المتوفَّى عنها:
والحاملُ المتوفَّى عنها زوجُها على حالَيْنِ:
الأُولى: حاملٌ بَقِيَ مِن وضعِها فوقَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ، تخرُجُ مِن عِدَّتِها بوضعِ حملِها بلا خلافٍ.
الثانيةُ: حامِلٌ، وأجَلُ وضعِ حَمْلِها دُونَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ، فعامَّةُ الفقهاءِ مِن السلفِ والخلفِ على أَنَّه تخرُجُ مِن عِدَّةِ وفاتِها بوضعِ حملِها؛ لقولِهِ تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]؛ وبهذا قضى عُمَرُ وعُثمانُ وزَيْدٌ.
وروى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ؛ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ؛ قَالَ زَيْدٌ: قدْ حَلَّتْ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَ زَيْدٌ: أَرَأَيْتَ إِنْ كانت يَئِيسًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَآخِرُ الأَجَلَيْنِ، قَالَ عُمَرُ: لَوْ وَضَعَتْ ذَا بَطْنِهَا وَزَوْجُهَا عَلَى نَعْشِهِ لم يَدْخُلْ حُفْرَتَهُ، لَكانت قَدْ حَلَّتْ (1).
وذهَبَ بعضُهم: إلى أنَّه يجبُ عليها أن تَعْتَدَّ بأبعَدِ الأجَلَيْنِ، وتعليلُهُمْ: أنَّ عِدَّةَ المتوفَّى عنها زوجُها تعبُّدٌ، والعِدَّةَ بوضعِ الحملِ للاستبراءِ، فلا بُدَّ مِنِ استيفاءِ الاثنتَيْنِ، فالتي تجاوَزَتْ أربعةَ الأشهُرِ والعَشْرَ ولم تضَعْ، لا يجوزُ تزويجُها وهي حامِلٌ بلا خلافٍ، وإذا
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(17098)(3/ 554).
وضعَتْ قبلَ عِدَّةِ الوفاةِ، فيَجِبُ أن تتعبَّدَ بإتمامِ عِدَّتِها.
حكاهُ الشافعيُّ في "الأمِّ"، عن بعضِ الصحابةِ؛ وهو قولٌ يُروى عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ، وقال به سُحْنُونٌ.
ولعلَّ ابنَ عبَّاسٍ رجَعَ عنه.
وقد قضى النبيُّ بوضعِ الحملِ، ولا معقِّبَ لقضائِه؛ فـ:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]؛ ففي "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أبي سَلَمةَ؛ قال: جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ وأبو هُرَيْرةَ جالسٌ عندَه، فقال: أَفْتِنِي في امرأةٍ ولَدَتْ بعدَ زَوْجِها بأربعِينَ ليلةً، فقال ابنُ عبَّاسٍ: آخِرُ الأجَلَينِ، قلتُ أنا:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، قال أبو هريرةَ: أنا معَ ابن أخي؛ يَعني: أبا سَلمةَ، فأرسَلَ ابنُ عَبَّاسٍ غُلامَهُ كُرَيْبًا إلى أمِّ سَلَمةَ يَسْأَلُها، فقالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأسلَمِيَّةِ وهي حُبْلَى، فوضَعَتْ بعدَ موتِهِ بأربعِينَ ليلةً، فخُطِبَتْ فأَنْكَحَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السَّنَابِلِ فيمَن خَطَبَها (1).
فإذا وضعَتِ، انقضَتْ عِدَّتُها حالَ وَضْعِها، ولو كان زوجُها على نعشِهِ لم يُدفَنْ، بل لو لم يغسَّلْ بعدُ، ولا يجِبُ عليها التربُّصُ حتَّى تطهُرَ مِن نِفَاسِها؛ لظاهرِ الآيةِ والحديثِ.
وذهَبَ بعضُ فقهاءِ العراقِ: إلى ترَبُّصِها إلى طُهْرِها مِن نفاسِها؛ قال به الشَّعْبيُّ والحسَنُ والنَّخَعيُّ وحَمَّادٌ.
وعِدَّةُ المتوفَّى عنها زوجُها أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، تُتِمُّها بأيَّامِها ولياليِها، وهو قولُ عامَّةِ العلماءِ؛ لظاهرِ الآيةِ، واليومُ يرادُ به الليلُ والنهارُ إذا أُطلِقَ.
(1) أخرجه البخاري (4909)(6/ 155)، ومسلم (1485)(2/ 1122).