الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولدِهما؛ كما ثبَتَ ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
وذلك لأنَّ التركَ لا يُعَدُّ تعطيلًا للحكمِ الثابتِ؛ وإنما هو تركٌ في نازلةٍ معيَّنةٍ لمصلحةٍ راجحةٍ؛ فتُلْحَقُ بحالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبلَ هِجْرتِه؛ فاللهُ أخَّرَ الحدودَ على أمَّتِهِ لمصلحةِ الحالِ، ثمَّ أنزَلَها وأثبَتَها، وليس لأحدٍ أن يرفَعَ الحُكمَ العامَّ بحالٍ.
وحينئذٍ: فيكون تأخيرُ الحُكْمِ النازلِ على معيَّنٍ إلى حالِ القدومِ إلى بلدِ المسلِمِينَ في حالِ عدمِ صلاحِ المقترِفِ للحدِّ: أصلَحَ وأنسَبَ، وما حصَلَ إنَّما هو تأجيلٌ، لا إسقاطٌ وإلغاءٌ.
ولو تأخَّرتْ إقامةُ الحدِّ زمنًا طويلًا وبَقِيَ الناسُ في الحربِ وصلَحَ الذي أصابَ حَدًّا، فلا يُناسِبُ إقامةُ حدِّ الخمرِ عليه بعدَ سِنِينَ صلَحَ فيها واستقامَ أمرُهُ، وربَّما كان قُدْوةً للناسِ؛ وذلك لأنَّ المصلحةَ مِن إقامةِ الحدِّ تحقَّقتْ مع طولِ الزمنِ؛ وهذا في حالِ مَن صلَحَ رَغْبةً وامتدَّ صلاحُهُ حتى شَهِدَ الناسُ له بذلك، لا مَن صلَحَ خوفًا مِن الحدِّ فقامَتِ الرِّيبةُ فيه.
إقامةُ الحدودِ في دارِ الحربِ:
وإقامةُ الحدِّ في دارِ الحربِ ممَّا اختلَفَ فيه أهلُ العلمِ على قولَيْنِ:
القولُ الأولُ: أنَّ الحدودَ لا تُقامُ في دارِ الحربِ؛ وقال بهذا عمرُ بنُ الخطَّاب، وصحَّ عن حُذَيْفةَ بنِ اليَمَانِ، وأبي مسعودٍ، وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ؛ وهو قولُ الأوزاعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ، وأحمدَ؛ وإسحاقَ؛ على خلافٍ عندَهم في إقامتِهِ بعدَ الرجوعِ إلى بلدِ الإسلامِ (2).
وقال أبو حنيفةَ: لا حدَّ ولا قِصَاصَ في دارِ الحربِ، ولا إذا
(1) أخرجه مسلم (1695)(3/ 1323)، وأبو داود (4440)(4/ 151)، والترمذي (1435)(4/ 42).
(2)
ينظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 308).
رجَعَ، إلا إذا غزَا مَن له وِلَايةُ الإقامةِ بنفسِه؛ كالخليفةِ وأميرِ المِصْرِ؛ يُقيمُ الحَدَّ على مرتكبِيهِ؛ لأنَّه تحتَ يدِه، بخلافِ أميرِ العسكرِ والسَّرِيَّةِ؛ لأنَّه لم تفوَّضْ إليهما الإقامةُ، ولا تُقامُ الحدودُ بعدَ الرجوعِ إلى بلادِ الإسلامِ؛ لأنَّه عندَما ارتَكَبَ الحدَّ في دارِ الحربِ، لم يكن للإمامِ عليه قدرةٌ، فلم تنعقِدْ موجبةً، فلا تنقلِبُ موجِبةً بعدَ الخروجِ مِن دارِ الحربِ (1).
وأصحابُ الرأيِ يرَوْنَ أنَّ مَن يُقيمُ الحدودَ هو أميرُ المِصْرِ، وليس للمسلِمِينَ أنْ يُنِيبُوا أحدًا منهم وهم في سَفَرٍ أو حَرْبٍ، فيُقِيمَ الحدَّ على مَنْ أصابَ الحَدَّ منهم.
وظاهرُ مذهبِ الحنابلةِ، وقولُ إسحاقَ: أنَّ الحدودَ لا تُقامُ في الحربِ، لكن تُقامُ عندَ الرجوعِ (2).
ويُستدَلُّ على عدمِ إقامةِ الحدِّ في دارِ الحربِ بما رواهُ عبدُ الرزَّاقِ - وعنه ابن المنذرِ في "الأوسطِ" - مِن حديث ابنِ عُيَيْنةَ، وأخرَجَهُ سعيدٌ وابنُ أبي شَيْبةَ، عن عيسى بنِ يونسَ؛ كلاهما عن الأعمشِ، عن النَّخَعيِّ، عن عَلْقمةَ؛ قَالَ:"أَصَابَ أَمِيرُ الجَيْشِ - وَهُوَ الوَلِيدُ بنُ عُقْبَةَ - شَرَابًا فَسَكِرَ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - أَوِ ابنِ مَسْعُودٍ - وَحُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ: أَقِيمَا عَلَيْهِ الحَدَّ، فَقَالَا: لَا نَفْعَلُ؛ نَحنُ بِإزَاءِ العَدُوِّ، وَنَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمُوا بذَلِكَ، فَتَكُونَ جُرْأَةٌ مِنْهُمْ عَلَيْنَا وَضَعْفٌ بِنَا"(3)؛ وهو صحيحُ الإسنادِ عن علقمةَ.
(1) ينظر: "البحر الرائق"(5/ 18).
(2)
تقدم تخريجه. وينظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 308).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9372)(5/ 197)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(28863)(5/ 549)، وسعيد بن منصور في "سننه"(2501)(2/ 235)، وابن المنذر في "الأوسط"(667)(11/ 278).
واحتُجَّ أيضًا: بما رواهُ أبو يوسفَ - وعنه الشافعيُّ، وعنه البيهقيُّ في "سننِه" - قال أبو يوسفَ:"حدَّثَنا بعضُ أشياخِنا، عن مكحولٍ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ؛ أنَّه قال: لا تُقامُ الحدودُ في دارِ الحربِ؛ مخافةَ أنْ يَلحَقَ أهلُها بالعدوِّ"(1).
ومكحولٌ لم يسمعْ مِن زيدِ بنِ ثابتٍ؛ قاله أحمدُ بنُ حنبلٍ (2)، وشيخُ أبي يوسفَ لا يُعرَفُ.
وروى سعيدُ بنُ منصورٍ، عن الأحوَصِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيهِ؛ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه كتَبَ إلى الناسِ:"أنْ لا يَجْلِدَنَّ أميرُ جيشٍ ولا سَريَّةٍ رجلًا مِن المسلِمينَ حدًّا وهو غازٍ حتى يقطَعَ الدربَ قافلًا؛ لئلا تَلحَقَهُ حميَّةُ الشيطانِ، فيلحَقَ بالكفارِ"(3).
والأحوصُ ضعيفُ الحفظِ (4)، ولكنْ قد تابَعَهُ ثورٌ؛ كما رواهُ أبو يوسفَ، عن ثورِ بنِ يزيدَ، عن حَكِيمِ بنِ عُمَيْرٍ؛ أنَّ عمرَ كتَبَ إلى عُمَيْرِ بن سعدٍ الأنصاريِّ وإلى عمَّالِهِ:"أنْ لا تُقِيمُوا حدًّا على أحدٍ مِن المسلِمينَ في أرضِ الحربِ، حتى يخرُجُوا إلى أرضِ المصالَحةِ"(5).
ورواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ في "مصنَّفِه"، عن ابن المباركِ، عن أبي بكرِ بنِ أبي مريمَ، عن حَكِيمِ بنِ عُمَيْرٍ، به، بنحوِه (6).
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 105).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 178)، و"معرفة السنن والآثار" (13/ 272) وينظر:"المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 211).
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2500)(2/ 235).
(4)
ينظر: "الضعفاء" للنسائي (1/ 20)، و"الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/ 120)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 328).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 105)، و"معرفة السنن والآثار"(18155)(13/ 272).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(28861)(5/ 549).
ورواهُ البخاريُّ في "التاريخِ"، والحسنُ بن موسى الأشيبُ في "جُزْئِه"؛ مِن طريقِ حسانَ بنِ زاهرٍ؛ أنَّ حُصَيْنَ بنَ حُدَيْرٍ أخبَرَهُ: أنَّه سَمِعَ عمرَ بنَ الخطابِ يقولُ: "لا تُقطَعُ اليدُ في الغزوِ ولا عامَ سَنَةٍ"(1).
وحَسَّانُ وحصينٌ فيهما جهالةٌ؛ ذكَرَهما البخاريُّ وابنُ أبي حاتمٍ، ولم يذكُرَا فيهما جرحًا ولا تعديلًا (2).
ورواهُ عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال:"أخبَرَني بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ كتَبَ. . ."، فذكَرَه بمعنى اللفظِ الأولِ (3).
وهي طرُقٌ يؤكِّدُ بعضُها بعضًا في ثبوتِ ذلك عن عمرَ.
ورُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطابِ خلافُهُ، ويأتي بيانُ الجمعِ بينَهما - بإذنِ اللهِ - لو صحَّ الخلافُ.
وروى سعيدُ بنُ منصورٍ، عن إسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ؛ وابنُ أبي شَيْبةَ، عن ابنِ المبارَكِ؛ كلاهُما عن أبي بكرِ بن عبدِ اللهِ بنِ أبي مريمَ، عن حُمَيْدِ بنِ رُومَانَ:"أنَّ أبا الدرداءِ نَهَى أنْ يُقامَ على أحدٍ حدٌّ في أرضِ العدوِّ"(4)؛ واللفظُ لابنِ أبي شَيْبةَ.
ورُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، عندَ عبدِ الرزَّاقِ؛ مِن حديثِ الحسنِ، عنه (5)، وفي إسنادِه جهالةٌ، والحسنُ لم يسمعْ مِن عليٍّ (6).
(1) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 4)، والحسن بن موسى الأشيب في "جزئه"(7)(1/ 34).
(2)
ينظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 4) و (3/ 33)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 192)، و (2/ 236).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9370)(5/ 197).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2499)(2/ 234)، وابن أبي شيبة (28862)(5/ 549).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9373)(5/ 198).
(6)
ينظر: "جامع التحصيل"(ص 163).
واستُدِلَّ بحديثِ بُسْرِ بنِ أبي أَرْطَاةَ؛ أنَّه أُتِيَ بسارقٍ وقد سرَقَ بُخْتِيَّةً، فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ)(1).
وهذا الحديثُ منكَرٌ، وتفرَّدَ به الشاميُّونَ، ولا يُعرَفُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن غيرِ هذا الوجهِ.
قال البيهقيُّ: "هذا إنَّما يُروى بإسنادٍ شاميِّ عن بُسْرٍ، وكان أهلُ المدينةِ يُنكِرونَ أنْ يكونَ بُسْرٌ سمِعَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(2).
وقال الواقديُّ: "بُسْرُ بنُ أبي أرطاةَ أدرَكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صغيرًا ولم يسمعْ منه شيئًا"(3).
وقال بعدمِ سماعِه أيضًا أحمدُ وابنُ مَعِيِنٍ وغيرُهما (4).
وبُسْرٌ تكلَّمَ فيه غيرُ واحدٍ مِن الحُفَّاظِ؛ قال ابنُ معينٍ: "بُسْرُ بنُ أبي أرطاةَ رجلُ سوءٍ"(5).
قال أحمدُ: "وذلك لما قد انتشَرَ مِن سوءِ فِعْلِهِ في قتالِ أهلِ الحَرَّةِ"(6).
والقولُ بأنَّ الحدودَ لا تُقامُ في دارِ الحربِ هو الأرجحُ والأقربُ لمقاصدِ التشريعِ، والأشهرُ في المنقولِ عن الصدرِ الأولِ، وليس المرادُ مه إسقاطَ الحدِّ ولا تبديلَهُ؛ وإنَّما تأخيرُهُ إلا إنْ طالَ الأمدُ وصَلَحَتْ
(1) أخرجه أحمد (17627)(4/ 181)، وأبو داود (4408)(4/ 142)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 104).
(2)
"السنن الكبرى"(9/ 104)، و"معرفة السنن"(13/ 272).
(3)
ينظر: "تهذيب الكمال"(4/ 69)، و"ميزان الاعتدال"(1/ 309).
(4)
ينظر: "تاريخ ابن معين""دوري"(3/ 152).
(5)
ينظر: "تاريخ ابن معين""دوري"(4/ 448).
(6)
ينظر: "معرفة السنن والآثار"(13/ 272).
حالُ مَن أصابَ حدًّا واشتهَرَ صلاحُهُ؛ فلا حرَجَ مِن درءِ الحدِّ عنه.
القولُ الثاني: وجوبُ إقامةِ الحدودِ في كلِّ حالٍ؛ وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، والليثِ، وأبي ثورٍ (1).
قال الشافعيُّ: "فإنْ لَحِقَ بالمشرِكِينَ مَن أُقِيمَ عليه الحدُّ، فهو أشقَى له، ومَن ترَكَ الحدَّ خوفَ أنْ يَلْحَقَ المحدودُ ببلادِ المشركينَ، ترَكَهُ في سواحلِ المسلِمينَ ومَسَالِحِهم التي تتَّصلُ ببلادِ الحربِ"(2).
وقال الليثُ بنُ سعدٍ: "ما رأيتُ أحدًا ولا سَمِعْتُ أنَّه يَرُدُّ حدًّا أنْ يُقِيمَهُ في أرضِ العدوِّ قديمًا ولا حديثًا إذا وجَبَ على صاحِبِه"(3).
وقال أيضًا في الأُسَارَى: "يَجعَلُونَ عليهم رجلًا منهم يُقِيمُ الحدودَ فيهم إذا خُلِّيَ بينَهم وبينَ ذلك"(4).
وفي نفيِ الليثِ نظرٌ، وقد عُلِمَ صِحَّتُهُ عن حُذَيْفةَ، وأبي مسعودٍ، ورُوِيَ عن عمرَ مِن طُرُقٍ متعدِّدةٍ يشُدُّ بعضُها بعضًا (5).
وأمَّا ما رواهُ أبو داودَ في "المراسيلِ"، عن مكحولٍ، عن عبادةَ بنِ الصامتِ؛ أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:(أَقِيمُوا الحُدُودَ في السَّفَرِ وَالحَضَرِ، عَلَى القَرِيبِ وَالبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ)(6) -: فمكحولٌ لم يسمعْ مِن عُبادةَ (7).
وروى البيهقيُّ في "سُنَنِه"، وابنُ عساكرَ في "تاريخِ دمشقَ"؛ من
(1) ينظر: "المدونة"(4/ 546)، و"الأم" للشافعي (7/ 374).
(2)
ينظر: "الأم" للشافعي (7/ 375) و"المجموع"(19/ 339).
(3)
ينظر "الأوسط" لابن المنذر (11/ 278).
(4)
المصدر السابق.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
أخرجه أبو داود في "المراسيل"(241)(1/ 203).
(7)
ينظر: "تحفة التحصيل"(1/ 314).
حديثِ سَلَمةَ بنِ الفضلِ الأنصاريِّ، حدَّثَني محمدُ بنُ إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَيَّاشِ بنِ أبي رَبِيعةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، ويحيى بنِ عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ؛ كلاهما عن عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عن أبي عُبَيْدةَ بنِ الجَرَّاحِ:"أنَّه كتَبَ إلى عمرَ في إقامةِ الحدِّ على عبدِ بنِ الأَزْوَرِ، وضِرَارِ بنِ الخطابِ، وأبي جَنْدَلٍ، وكانوا قد شَرِبوا، وكان ذلك بحضرةِ العدوِّ، فسألَهُ عبدُ بنُ الأَزْوَرِ أنْ يؤخِّرَ ذلك حتى يَرجِعَ الكتابُ، ولعلَّ اللهَ أنْ يُكْرِمَهُمْ بالشهادةِ، فقُتِلَ عبدُ بنُ الأزورِ حينَ التقَى الناسُ قبلَ أنْ يَرجِعَ الكتابُ، فلمَّا رجَعَ، حدَّهما"(1).
وسلمةُ بنُ الفضلِ الأَبْرَشُ الأنصاريُّ، أبو عبدِ اللهِ الأزرقُ الرازيُّ، قاضي الريِّ، متكلَّمٌ فيه، تكلَّمَ فيه أهلُ بلدِه؛ نقَلَه أبو زُرْعةَ وضعَّفَهُ ابنُ رَاهَوَيْهِ والنَّسَائيُّ، وقال البخاريُّ: عندَه مناكيرُ، وفيه نظرٌ (2).
قال عليُّ بنُ المَدِينِيِّ: "ما خرَجْنا مِن الريِّ حتى رُمِينَا بحديثِ سَلَمةَ"(3).
وقال أبو حاتمٍ: "محلُّهُ الصدقُ، في حديثِه إنكارٌ، يُكتَبُ حديثُهُ، ولا يُحتجُّ به"(4).
وقال ابنُ عديٍّ: "عندَهُ غرائبُ وإفراداتُ، ولم أجِدْ في حديثِه حديثًا قد جاوَزَ الحدَّ في الإنكارِ، وأحاديثُه مُتقارِبةٌ محتَمَلةٌ"(5).
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 105)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(25/ 303).
(2)
ينظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 84)، و"الضعفاء والمتروكون" للنسائي (1/ 47)، و"ميزان الاعتدال"(2/ 192).
(3)
ينظر: "الضعفاء" لأبي زرعة (2/ 363)، و"الضعفاء" للعقيلي (2/ 150).
(4)
ينظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 169).
(5)
ينظر: "الكامل" لابن عدي (4/ 370).
وقال البيهقيُّ: "غيرُ قويٍّ"(1).
وبعضُ العلماءِ يُوثِّقونَهُ؛ فقد وثَّقَهُ يحيى بنُ معينٍ، وابنُ سعدٍ (2).
وحديثُهُ عن ابنِ إسحاقَ أمْثَلُ حديثِهِ؛ فهو مِن أهلِ السِّيَرِ والمغازي، وراويةٌ لسِيَرِ ابنِ إسحاقَ؛ قال ابنُ معينٍ:"سمِعتُ جريرًا يقولُ: ليس مِن لَدُنْ بغدادَ إلى أنْ تبلُغَ خُرَاسانَ أثبَتُ في ابنِ إسحاقَ مِن سَلَمةَ بنِ الفضلِ"(3).
وعبدُ الرحمنِ بنُ الحارثِ متكلَّمٌ فيه؛ ضعَّفَه ابنُ المدينيِّ، وقال أبو حاتمٍ:"شيخٌ"، وقال النَّسَائيُّ:"ليس بالقويِّ"(4).
وقال أحمدُ: "متروكٌ"؛ كما نقَلَهُ أبو الفرجِ ابنُ الجَوْزيِّ في كتابِه "التحقيقِ"(5).
وقوَّى حديثَهُ ووثَّقَهُ بعضُهم؛ كابنِ سعدٍ، وابنِ حبانَ، وصحَّحَ له الترمذيُّ وابنُ خُزَيْمةَ شيئًا (6).
وأخرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ؛ قال:"أُخبِرْتُ أنَّ أبا عُبَيْدةَ. . ."، فذكَرَ معناهُ (7)؛ وهو مرسَلٌ.
وهذا الخبرُ لو صحَّ، ففي كتابةِ أبي عُبَيْدةَ بنِ الجَرَّاحِ لعمرَ دليلٌ على أنَّ تأجيلَ الحدودِ في الغزوِ محلُّ اجتهادٍ، وأبو عُبَيْدةَ فقيهٌ لا يستشيرُ في القطعيِّ مِن الدِّينِ، وفتوى عمرَ له بالحدِّ؛ لتلك الحالِ التي ظهَرَ معها
(1) ينظر: "معرفة السنن والآثار"(14/ 343).
(2)
ينظر: "تاريخ ابن معين""محرز"(1/ 83).
(3)
ينظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 169).
(4)
ينظر: "الجرح والتعديل"(5/ 224)، و"ميزان الاعتدال"(2/ 554).
(5)
ينظر: "موسوعة أقوال أحمد"(2/ 322).
(6)
ينظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 394).
(7)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(17078)(9/ 244).