الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستغل ذلك بعض أولئك الذين يتعاطون مهنة استخراج الجني من الإنسي، ويرتكبون في أثناء ذلك أموراً - غير تلاوة القرآن والمعوذات - مما هو غير واردٍ في السنة، مثل: مكالمة الجني وسؤاله عن بعض الأمور الخفية، وعن دينهم ومذهبهم! وتصديقهم في كل ما يخبرون به! وهم من عالم الغيب، لا يمكن للإنس أن يعرفوا مؤمنهم من كافرهم، والصادق من الكاذب منهم، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم إتيان الكهان وتصديقهم؛ لأنهم ممن يوالون الجن، وهؤلاء كانوا يسترقون السمع ويلقون إلى أوليائهم من الإنس ما استرقوا ويخلطون معه أكثر من مئة كذبة؛ كما في ((الصحيح)) .
أقول: إذا كان إتيان هؤلاء محرماً؛ فبالأولى أن يكون محرماً إتيان أوليائهم من الإنس الذين يخاطبون الجن مباشرة ويستخدمونهم، ويقضون لهم بعض مصالحهم، ليضلوهم عن سبيل الله؛ كما كان الأمر في الجاهلية، وذلك قوله تعالى:{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً} .
5777
- (إذا جامع الرجل ولم يسم؛ انطوى الجان على إحليله، فجامع معه، فذلك قوله: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) } .
منكر مقطوع. أخرجه ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) (27 / 88) :
حدثني محمد بن عمارة الأسدي: ثنا سهل بن عامر: ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال:. . . فذكره موقوفاً عليه.
قلت: وهذا إسناد مقطوع ضعيف مظلم؛ من دون عثمان بن الأسود؛ ضعفاء لا يحتج بهم؛ غير محمد بن عمارة الأسدي؛ فإني لم أعرفه، ومن طبقته ما في ((ثقات ابن حبان)) (9 / 112) :
((محمد بن عمارة بن صبيح الكوفي. يروي عن وكيع. حدثنا عنه أحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزان بـ (جرجان) .
قلت: فيحتمل أن يكون الأسدي هذا. والله أعلم.
وأما سهل بن عامر؛ فهو البجلي؛ قال البخاري في ((التاريخ الصغير)) (ص 226) :
((منكر الحديث، لا يكتب حديثه)) .
ونقله ابن عدي في ((الكامل)) (3 / 442) عنه وقال:
((ولسهل أحاديث عن مالك بن مغول وغيره ليست بالكثيرة. وأرجو أن لا يستحق تصريح كذبه)) .
كذا فيه: ((تصريح كذبه)) ! وفيه ركة ظاهرة، ولفظه في نقل ((اللسان)) عنه:
((. . . لا يستحق الترك)) .
ولا أستبعد أن يكون رواية بالمعنى.
وقال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 203) عن أبيه:
((ضعيف الحديث، روى أحاديث بواطيل، أدركته بالكوفه، وكان يفتعل الحديث)) .
وشذ عن هؤلاء ابن حبان، فذكره في ((الثقات)) (8 / 290) ! ولذلك؛ لم يلتفت إليه الذهبي في ((الميزان)) ، وتبنى قول أبي حاتم في ((المغني)) ؛ فقال:
((رماه أبو حاتم بالكذب)) .
وعليه يدل قول البخاري المتقدم، فهو متروك. والله أعلم.
ويحيى بن يعلى الأسلمي؛ ضعيف بالاتفاق، فهو آفة هذا الأثر إن لم يكن الراوي عنه.
واعلم أن إيرادي لهذا الأثر في هذه ((السلسلة)) - وإن كان ليس من شرطي، فقد وجدت نفسي مضطراً لتخريجه والكشف عن وهائه -؛ لأنني رأيت بعض العلماء من المفسرين وغيرهم قد ساقوه مساق المسلمات؛ كالقرطبي في ((جامعه)) (10 / 289) ، والشوكاني في ((فتح القدير)) (3 / 233)، والآلوسي في ((روح المعاني)) (14 / 119) ! وفسروا به قوله تعالى لإبليس الرجيم في سورة الإسراء:{. . . وشاركهم في الأموال والأولاد} بل وكذلك الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (9 / 229) لما ذكر اختلاف العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم:
((لم يضره شيطان أبداً)) ؛ في دعاء إتيان الرجل أهله (1)، فكان آخر ما ذكر منها قوله:
((وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع؛ أمه كما جاء عن مجاهد. . . (فذكره. وقال) : ولعل هذا أقرب الأجوبة)) !
فأقول: قوله: ((كما جاء. . .)) بصيغة الجزم؛ يخالف حال إسناده! فكان الواجب على الحافظ أن يشير إلى ذلك بقوله: ((كما روي)) ؛ كما هو المقرر في المصطلح، وكما هي عادته الغالبة، ولكن غلبته طبيعة كل إنسان، والكمال لله وحده.
متفق عليه من حديث ابن عباس، وهو مخرج في ((الإرواء)) (2012) .
على أنه لو صح ذلك عنه؛ فهو مقطوع موقوف عليه، فلا حجة فيه، ولو أنه رفعه؛ لكان مرسلاً، والمرسل ضعيف عند المحدثين، ولا سيما في مثل هذا الأمر الغيبي الغريب، وهذا كله لو صح السند بذلك إليه، فكيف وهو مقطوع واهٍ؟ ! وقد أشار العلامة الآلوسي إلى رده بقوله:((ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعاً حقيقياً مع أزواجهن إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلّمة عند جميع العلماء، وقوله تعالى: {وشاركهم في الأموال والأولاد} غير نصٍّ في المراد كما لا يخفى)) .
وما قاله من التعميم مخالف لما تقدم، ووقع في وهم آخر، وهو أنه نسب أثر مجاهد للحسن أيضاً - وهو البصري -؛ قرنهما معاً!
وهذا خطأ؛ فإن أثر الحسن ذكره الحافظ قبيل أثر مجاهد بلفظ آخر نحو حديث ابن عباس المشار اليه آنفاً؛ إلا أنه قال في آخره:
((فكان يرجى إن حملت أن يكون ولداً صالحاً)) .
وعزاه الحافظ لعبد الرزاق، وهو في ((مصنفه)) (6 / 194 / 10467) بسند صحيح عنه.
ثم إن الآلوسي رحمه الله جاء بغريبة أخرى؛ فقال:
((ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال:
كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن، وقالوا إن هاهنا رجلاً من الجن يزعم أنه يريد الحلال؟ (!) فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين؛
ولكن أكره إذا وجدت امرأةُ حامل قيل: من زوجكِ؟ قالت: من الجن! فيكثر الفساد في الإسلام)) .
ووجه الغرابة استدلاله على الإمكان المذكور بهذا الأثر عن مالك! وهو باطل - في نقدي - سنداً ومتناً.
أما السند؛ فإن سعيد بن داود الزبيدي ضعفه ابن المديني، وكذبه عبد الله ابن نافع الصائغ في قصةٍ مذكورة في ترجمته في ((تاريخ بغداد)) و ((التهذيب)) . وقال الحاكم:
((روى عن مالك أحاديث موضوعة)) . وقال الخطيب وغيره:
((حدث عن مالك، وفي أحاديثه نكرة)) . وقال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 325) :
((لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار)) .
وأما المتن؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني: ((ما أرى بذلك بأساً في الدين)) ! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل. فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر، بل ولا بفاسق، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها، وهم لا يعرفونه؟ ! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجمبل! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن.
وقد يتمثل بصورة أخرى إنسانية أو حيوانية، وحينئذٍ كيف يمكن تطبيق الأحكام المعروفة في الزوجين - كالطلاق والظهار والنفقة وغيرها - مع اختلاف