الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن؛ لا يكون ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم)) .
وتعقبه الحافظ في ((التهذيب)) بقوله:
((وليس في الثلاثة من اتهم إلا علي بن يزيد، وأما الآخران؛ فهما في الأصل صدوقان، وإن كانا يخطئان)) .
ومحمد بن أيوب، فيهم كثرة؛ فلم أعرفه. وتبادر إلى ذهني احتمال أنه محمد ابن أيوب بن سويد الرملي المتهم: وقد تقدمت له أحاديث (172، 5762 - 5763) ، ولكني لم أجد ما يؤكد ذلك؛ بل وجدت في ترجمة عبيد الله بن زحر أنه روى عنه يحيى بن أيوب المصري، فألقي في نفسي أنه لعله تحرف اسم:(يحيى) على الناسخ إلى: (محمد) ، لتقارب الشبه بينهما، وقد عهدنا مثل هذا التحريف في بعض المخطوطات. والله أعلم بحقيقة الحال.
5782
- (خلق الله آدم من أديم الأرض كلها، فخرجت ذريته على حسب ذلك؛ منهم الأبيض، والأسود، والأسمر، والأحمر، ومنهم بين ذلك، ومنهم السهل، والخبيث، والطيب) .
منكر باختصار (القبضة) . أخرجه الحاكم (2 / 261)، ومن طريقه البيهقي في ((السنن)) (9 / 3) عن إسحاق بن إبراهيم: أنبأ عبد الرزاق: أنبأ معمر: أخبرنا عوف العبدي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعر رضي الله عنه مرفوعاً. وقال الحاكم:
((صحيح الإسناد)) ! ووافقه الذهبي!
وأقول: في تصحيحه من هذا الوجه نظر:
الأول: أن إسحاق بن إبراهيم - وهو الدبري - في سماعه من عبد الرزاق كلام؛ قال الذهبي في ((المغني)) :
((صدوق. قال ابن عدي: ((استصغر في عبد الرزاق)) . قلت: سمع من عبد الرزاق كتبه وهو ابن سبع سنين أو نحوها، وروى عنه أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها هل هي من قبل الدبري وانفرد بها، أو هي محفوظة مما انفرد به عبد الرزاق؟ وقد احتج بالدبري جماعة من الحفاظ؛ كأبي عوانة وغيره)) .
وذكر الحافظ في ((اللسان)) عن ابن الصلاح أنه قال:
((وقد وجدت فيما روى الدبري عن عبد الرزاق أحاديث أستنكرها جداً، فأحلت أمرها على الدبري، لأن سماعه منه متأخر جداً)) (1) .
وعليه؛ فإني أقول:
إن هذا الحديث بالاختصار المشار إليه هو من تلك المنكرات، وذلك؛ لمخالفته لروايات الثقات لهذا الحديث عن عوف العبدي بسنده المذكور مرفوعاً بلفظ:
((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض. . .)) الحديث والباقي مثله. وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1630) ، فأسقط الدبري منه جملة القبضة، فدل ذلك على سوء حفظه وقلة ضبطه، فلا يحتج به عند تبين خطئه ومخالفته.
(1) انظر ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص 408) ، وشرح العراقي عليه.
وقد استغل هذا السقط ذاك الجاحد لصفات الله، والمستلزم جحده لوجوده سبحانه وتعالى؛ فقد رأيته أخرج هذا الحديث الصحيح الذي فيه (القبضة) في تعليقه على ((دفع الشبه)) (ص 163) ، ومع أنه ذكر تصحيح الترمذي والحاكم والذهبي إياه، فقد ضرب بذلك عرض الحائط، جاحداً تلك الجملة الصحيحة بقوله:
((والظاهر أنها من تصرف الرواة؛ رووه بالمعنى بدليل رواية الحاكم. . .)) .
ثم ساق حديث الترجمة؛ لأنه ليس فيه الجملة!
لقد أكد الجاحد باستدلاله بهذا الحديث المنكر على أنه لا يزال سادراً في جحده وضلاله وغيه، تارة بتأويله لآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وتعطيل معانيها، وتارة بادعاء أن حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، وتارة باختلاق علة للحديث الصحيح لا وجود لها إلا في مخه، وتارة بتقوية الحديث المنكر؛ ليضرب به الحديث الصحيح كما فعل هنا، فإنه لما لم يستطع أن يوجد له علة قادحة يتشبث بها لرده؛ اختلق زعمه بأنه من تصرف الرواة، وكذب والله! ثم استدل على ذلك بالحديث المنكر موهماً القراء صحته! ولو أنه كان صحيح السند لم يجز الاستدلال المذكور لما هو مقرر في علوم الحديث: أن زيادة الثقة مقبولة. ولكن هذا الجاحد لا يقيم لهذا العلم ولا لغيره وزناً إذا تعارض مع جحده وهواه! !
وإن مما يؤكد هذا: أنه قوى إسناد أثر ابن مسعود عند ابن سعد (10 / 26) بلفظ:
((إن الله بعث إبليس، فأخذ من أديم الأرض، فخلق منه آدم)) .
فقال عقبه:
((سنده حسن)) !
كذا قال! وفيه شيخ ابن سعد: حسين بن حسن الأشقر؛ قال الذهبي في
((الكاشف)) :
((واهٍ. قال (خ) : فيه نظر)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق يهم)) .
وفوقه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير؛ قال الحافظ أيضاً:
((صدوق يهم)) .
قلت: لكن قال في ((التهذيب)) :
((قال ابن منده: ليس بالقوي في سعيد بن جبير)) .
وهذا - كما ترى - من روايته عن سعيد.
ثم إنه لم يكتف بتقوية هذا الأثر، وإنما فعل ذلك ليضم إلى جنايته السابقة في ضربه الحديث الصحيح بالحديث الضعيف جناية أخرى، وهي ضرب الحديث الصحيح المرفوع بالأثر الحسن عنده! فقال (ص 164) :
((والظاهر أن الضارب هو إبليس الذي بعثه الله فأخذ من أديم الأرض كما مر في الأثر قبل هذا بسند حسن)) !
فتأمل أيها القارئ الكريم! كيف يستظهر ما في الأثر غير المرفوع - على ما فيه من ضعف - ويضرب به الحديث الصحيح! عامله الله بما يستحق.
وانظر بهذه المناسبة أحاديث القبضتين في ((الصحيحة)) (46 - 55) .