الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5829
- (دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك؛ قال: مر رجلان [مسلمان] [ممن كان قبلكم] على قوم لهم صنم (وفي رواية: يعكفون على صنم لهم) لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب [شيئا]، قال: ليس عندي شيء. فقالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا. فخلوا سبيله. قال: فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب ولو ذبابا. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل. قال فضربوا عنقه، قال: فدخل الجنة)
موقوف. أخرجه أحمد في " الزهد "(ص 15 - 16) : حدثنا أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان قال:. . . فذكره موقوفا عليه. وقال ابنه عبد الله في كتاب " العلل "(1 / 240) لأبيه:
" سمعته يقول في حديث أبي معاوية عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة
عن طارق بن شهاب عن سلمان قال: " دخل رجل الجنة في ذباب. . . "؛ قال الأعمش: " ذباب "؛ يعني: أن سلمان كان في لسانه عجمة ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير سليمان بن ميسرة؛ قال ابن معين:
" ثقة ". كما في " الجرح والتعديل "(2 / 1 / 143 - 144)، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 310) وقال:
" يروي عن طارق بن شهاب الأحمسي، وله صحبة، وعنه الأعمش ".
وروى عنه حبيب بن أبي ثابت أيضا، ووثقه آخرون. انظر " التعجيل "(ص 168 / 423) ، فالإسناد صحيح.
وقد تابع أبا معاوية: جرير - وهو ابن عبد الحميد الضبي -: عند أبي نعيم في
" الحلية "(1 / 203) ؛ قرنه بأبي معاوية، وقال عقبه:
" رواه شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق مثله. ورواه جرير عن منصور عن المنهال بن عمرو عن حبان بن مرثد عن سلمان نحوه ".
والزيادة الثانية لأبي نعيم.
وللأعمش فيه شيخ آخر؛ فقال ابن الأعرابي في " معجمه "(ق 177 / 1) : نا عباس: نا محاضر بن المورع: نا الأعمش عن الحارث بن شبيل عن طارق بن شهاب قال: قال سلمان:. . . فذكره موقوفا أيضا. وفيه الزيادة الأولى.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عباس - وهو
ابن محمد الدوري -، وهو ثقة حافظ.
وقد توبع هذان الشيخان من قيس بن مسلم؛ كما تقدم عن أبي نعيم معلقا. وتابعهم أيضا مخارق بن خليفة؛ فقال ابن أبي شيبة في " مصنفه "(12 / 358) : حدثنا وكيع قال: ثنا سفيان عن مخارق بن خليفة عن طارق بن شهاب عن سلمان قال:. . . فذكره موقوفا أيضا.
وهذا صحيح أيضا. رجاله رجال الشيخين؛ غير مخارق هذا، وهو ثقة من رجال البخاري. وفيه الزيادة الثالثة، والرواية الثانية. وهذه عند ابن الأعرابي أيضا.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح موقوفا على سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ إلا
أنه يظهر لي أنه من الإسرائيليات التي كان تلقاها عن أسياده حينما كان نصرانيا.
ولقد كان الداعي إلى تخريجه هنا وبيان كونه موقوفا: أنه كثر السؤال عنه في كثير من البلاد الإسلامية، وشاع تداوله؛ وذلك لأنه ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه النافع " التوحيد " مرفوعا معزوا
لأحمد! فقال:
" وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . (فذكره) . رواه أحمد ".
وقال شارحه الشيخ سليمان: حفيد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تبارك وتعالى في " التيسير "(ص 160) :
" هذا الحديث ذكره المصنف معزوا لأحمد، وأظنه تبع ابن القيم في عزوه لأحمد؛ قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية. . . عن طارق بن شهاب يرفعه. . . وقد طالعت " المسند " فما رأيته فيه، فلعل الإمام رواه في " كتاب الزهد " أو غيره ".
قلت: وفي هذا العزو أمور:
أولا: قوله: " يرفعه " خطأ واضح كما يتبين من تخريجنا هذا.
ثانيا: إطلاق العزو لأحمد فيه نظر! لأنه يوهم بإطلاقه أنه في " مسنده "،
وليس فيه كما قال الشيخ سليمان رحمه الله تعالى، ولو كان فيه؛ لأورده الهيثمي
في " مجمع الزوائد "، وليس فيه أيصآ، وإنما هو في " الزهد " له كما تقدم. ثالثا: لم يتعد في إسناده طارق بن شهاب، فأوهم أنه من مسنده! وإنما هو من
روايته عن سلمان موقوفا؛ كما رأيت عند مخرجيه ومن جميع طرقه.
هذا؛ وإني لأستنكر من هذا الحديث: دخول الرجل النار في ذباب؛ لأن ظاهر
سياقه أنه إنما فعل ذلك خوفا من القتل الذي وقع لصاحبه، كما أنني استنكرت قول الإمام محمد بن عبد الوهاب في المسألة:" الحادية عشر: أن الذي دخل النار مسلم؛ لأنه لو كان كافرا؛ لم يقل: " دخل النار في ذباب " "!
فأقول: وجه الاستنكار أن هذا الرجل لا يخلو حاله من أمرين:
الأول: أنه لما قدم الذباب للصنم، إنما قدمه عبادة له وتعظيما، فهو في هذه الحالة لا يكون مسلما؛ بل هو مشرك، وهو ظاهر كلام الشارح الشيخ سليمان رحمه الله (ص 161) :
" في هذا بيان عظمة الشرك ولو في شيء قليل وأنه يوجب النار، ألا ترى إلى هذا لما قرب لهذا الصنم أرذل الحيوان وأخسه وهو الذباب كان جزاؤه النار؛ لإشراكه في عبادة الله " إذ الذبح على سبيل القربة والتعظيم عبادة، وهذا مطابق لقوله تعالى:(إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) ".
والآخر: أنه فعل ذلك خوفا من القتل كما تقدم مني، وهو في هذه الحالة لا تجب له النار، فالحكم عليه بأنه مسلم دخل النار في ذباب يأباه قوله تعالى:(من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. . .) الآية، وقد نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر به صلى الله عليه وسلم، فوافقهم على ذلك مكرها، وجاء معتذرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في " تفسير ابن كثير " وغيره، وأخرجها في " الدر "(4 / 132) من طرق.
فإن قيل: إنما أراد الإمام أنه كان مسلما ثم كفر بتقديمه الذباب كما تقدم في الأمر الأول؛ وحينئذ يرد عليه ما ذكرته في الأمر الآخر، وقصة عمار. ويشبهها ما روى ابن أبي شيبة (12 / 357 - 358) بسند صحيح عن الحسن - وهو البصري -: