الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا كذب على " موطأ الإمام مالك " رحمه الله؛ فإنه ليس فيه يَقِينًا؛ فقد قلبته - للتأكد - صفحة صفحة، ودققت فيه حَدِيثًا حَدِيثًا وَأَثَرًا أَثَرًا، فلم أجد لَهُ أَثَرًا! بل ولا أظن أن له أَصْلَا في شيء من دواوين السنة التي تروي الأحاديث والآثار بالأسانيد، ويمكن أن يكون المؤلف نقلها من بعض كتب المتأخرين التي تَرْوِي من الروايات ما لا سنام لها ولا خطام! والله المستعان.
ثم رأيت هذا اَلْأَثَر قد ذكره ابن القطان في " النظر في أحكام النظر "(ق 63 / 2) فقال:
" وروي عن مالك: واحتجبت عائشة رضي الله عنها من أعمى. . . " إلخ.
فهذا يعني أنه ليس في " الموطأ " كما هو ظاهره، ونحوه قول الحافظ في
" التلخيص " عقب ما نقلته عنه آنِفًا من التوثيق:
" وعند مالك. . . ". ولعل قوله: " وعند " محرف من: " وعن ". والله أعلم.
5959
- (كُنْت رِدْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَعْرَابِيّ مَعَهُ ابنة له حسناء، فَجَعَلَ يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها. قال (الفضل بن
عباس) : فَجَعَلْت ألتفت إليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه) .
منكر بزيادة (العرض) . أخرجه أبو يعلى في " مسنده "(12 / 97) : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد (وهو ابن أبي شيبة) : حدثنا قبيصة بن عقبة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ له عدة علل:
الأولى: اختلاط أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي -، وقد وصفه بذلك جمع من الحفاظ؛ منهم ابن الصلاح وابن كثير والعسقلاني في " التقريب " وغيرهم.
الثانية: عنعنة أبي إسحاق؛ فإنه مدلس؛ ذكره الحافظ في الطبقة الثالثة من رسالته في المدلسين؛ أي: فيمن لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث، وهنا قد عنعن.
الثالثة: ضعف في يونس بن أبي إسحاق؛ فإنه وإن كان من رجال مسلم فقد اختلفوا كما ترى أقوالهم فيه في " التهذيب " و " الميزان " للذهبي، بل وأورده في " الضعفاء " أَيْضًا، وقال اَلْحَافِظ في " التقريب) :
" صدوق يهم قَلِيلًا ".
قلت: فهو وسط يحتج بحديثه إذا لم يخالف، وقد خالف كما سأبينه. ومما قيل فيه:
قال الأثرم: سمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه، وقال:
" حديث إسرائيل أحب إِلَيَّ منه ". وقال أبو طالب عن أحمد:
" في حديثه زيادة على حديث الناس ".
قلت: يقولون: إنه سمع في الكتب؛ فهي أتم (1) . قال:
(1) هذه الجملة غير مفهومة في " تهذيب الحافظ "، فصححتها من " تاريخ الفسوي) (173 / 2) .
" إسرائيل قديسمع وكتب، فلم يكن فيه زيادة مثل يونس ". وقال فيه
" كانت فيه غفلة شديدة ".
ووثقه آخرون، والعدل ما تقدم عن الحافظ بالشوط الذي ذكرته، وهو مفقود
هنا كما يأتي.
الرابعة: الخالفة: فقد رواه ابنه إسرائيل عن أبي إسحاق به؛ دون جملة العرض، ولفظه:
" كنت رديف النبي لمجه! ! حين أفاض من المزدلفة، وأعرابي يسايره، وردفه
ابنة له حسناء، قال الفضل: فجعلت أنظر إليها، فتناول رسول الله ثيب! بوجهي يصرفني عنها ".
أخرجه أحمد (1 / 3 1 2) ، والطبراني في " المعجم الكبير "(8 1 /! 28 / 739) من طرق عن إسرائيل به.
قلت: وهذا أصح من رواية يونس بن أبي إسحاق؛ لما علمت من ترجيح الإمام أحمد لرواية إسرائيل على رواية أبيه يونى، وللغفلة الشديدة التي كانت في الأب، وزيادته في حديثه على حديث الناس، وهذا كله يجعل قوله في الحديث:
" فجعل يعرضها لرسول الله عنه رجاء أن يتزوجها "؛ زيادة شاذة إن لم نقلى: منكرة، ولعله لذلك لما ساق الطبراني حديث يونس هذا عقب حديث إسرائيل (رقم " 74) ساق الطرف االأول منه إلى قواسه:" وأعرابي معه " فقط وقال: " فذكر
الحديث ". فأحال بتمامه على رواية إسرائيل التي قبله، إما لأنها لم تقع في روايته هذه الزيادة، فتكون رواية الأب على هذا مطابقة لرواية الابن، أو أنه لم يسق الحديث بتمامه؛ إشارة منه إلى شذوذ الزيادة. يحتمل هذا وهذا، والله أعلم.
ومما يؤيد شذوذها أن هذه القصة جاءت في " الصحيحين " وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن ابن عباس به أتم منه دون الزيادة. وهي مخرجة في " جلباب المرأة المسلمة "(ص 61 - 63) ، وهو حديث الخثعمية.
وتابعه الحكم بن عتيبة عن ابن عباس به نحوه دونها.
أخرجه أحمد (1 / 211) بسند صحيح عنه؛ فإن الحكم من المرتبة الثانية
من المدلسين عند الحافظ.
وتابعه: عطاء بن أبي رباح عنه.
أخرجه أحمد أيضاً (1 / 213) . وإسناده جيد.
وتابعه: مجاهد عن ابن عباس.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(18 / 269 / 677) بسند جيد.
قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات على عدم ذكر تلك الزيادة في هذه القصة
- خِلَافًا ليونس بن أبي إسحاق، مع ما فيه من الضعف الذي سبق بيانه، ومخالفة ابنه إياه فيها - مما لا يدع أدنى شك في نكارتها وعدم ثبوتها.
ولذلك؛ فقد وهم الحافظ في قوله في " الفتح "(4 / 68) :
" رواه أبو يعلى بإسناد قوي "!
وهذا منه غريب جداً؛ فإنه إن كان جرى على ظاهر الإسناد وتساهل في عدم الاعتداد بما ذكره هو من اختلاط أبي إسحاق وتدليسه، فكيف خفي عليه هذه المخالفة، وهو الحافظ الذي لا يبارى؟ !
واعلم أن لفظة " قوي " في إسناد ما، لا يعني بالضرورة أنه صحيح؛ بل قد يعني هذا، وقد يعني أنه حسن، فهو يساوي قولهم:" يحتج به "؛ الشامل للصحيح والحسن، هذا الذي نفهمه من تصرفات العلماء في كتب التخريج، وقد ذكر ذلك بعض المؤلفين في علم المصطلح.
وإذا عرفت هذا؛ فقد زاد خطأً على الحافظ من صرح بصحة هذا الإسناد من المتأخرين؛ مثل المعلق على " مسند أبي يعلى "، فقال:
" إسناده صحيح "!
ومن الغريب أنه عقب عليه بقوله:
" وأخرجه أحمد (1 / 213) من طريق. . . إسرائيل. . . "! غير متنبه لكون
هذه الطريق من الموانع عن التصحيح المذكور كما سبق بيانه. وأقل ما في هذا التخريج أنه يوهم أن في رواية إسرائيل تلك الزيادة المنكرة!
وإن أعجب من هذا ما صنعه الشيخ عبد القادر السندي مؤلف " رسالة الحجاب "؛ فقد عقد فيها فصلاً في حديث الخثعمية الذي رواه الشيخان كما سبقت الإشارة إليه؛ ليثبت صحة هذه الزيادة في حديث الترجمة في بحث طويل من صفحة (28 - 43) ، وأكثره مما لا فائدة فيه، مع استطرادات كثيرة فيها لكنة أعجمية ظاهرة، لا يكاد القارئ يفهم مراده من عبارته أَحْيَانًا، وفيه كثير من الأخطاء والمغالطات التي لا مجال هنا لبيانها؛ لكن لا بد من التعرض لرد ما أخطأ
فيه مما له علاقة بهذا الحديث، ويمكن حصر ذلك في أمور:
أولاً: أوهم أن لتلك الزيادة أسانيد (ص 29) ! والواقع خلافه.
ثَانِيًا: صرح (ص 42) بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين! وكان قبل
ذلك قد ذكر (ص 32) أن راويها يونس بن أبي إسحاق لم يرو له البخاري في " صحيحه "، وهذا هو الصواب. ثَالِثًا: قال في يونس هذا (ص 32) :
" وقد قبل الناس انفراده قَدِيماً وَحَدِيثاً. . . "! فتجاهل بهذا تضعيف أحمد ويحيى إياه كما تقدم. أم أن هذين الإمامين ليسوا عنده من " الناس "؟ ! رَابِعًا: قال (ص 33) بعد أن نقل عن الحافظ ابن حجر وصفه لأبي إسحاق
السبيعي بالاختلاط:
" رواية يونس لم تكن في حالة الاختلاط ".
قلت: هذا النفي مما لم يسبق إليه، ولا له دليل عليه، فما كان كذلك ضرب
به عرض الحائط، فمن كان كذلك من الرواة فحكمه عند المحدثين حكم من عرف أنه روى بعد الاختلاط كما بينه ابن اَلصَّلَاح في آخر مقدمته.
خَامِسًا: وأما قوله في تأييد ما نفاه:
" وأكبر دليل على ذلك ما قاله الحافظ. . قال إسرائيل: " كنت أحفظ حديث
أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن ". قلت: هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق يحفظ حديث جده، فكيف بأبيه؟ ".
قلت: هذا هراء ما بعده هراء! فإن كون الابن حافظاً لا يلزم منه أن يكون أبوه كذلك حافظاً، وهذا أمر بدهي جداً؛ وبخاصة عند من عنده معرفة بتراجم الرواة، فهذا الإمام علي بن المديني مثلاً، من كبار الحفاظ المشهورين، وأما أبوه عبد الله فهو على النقيض من ذلك: ضعيف الحفظ مشهور بذلك. فلا أدري كيف يخفى مثل هذا على الشيخ السندي وهو المدرس في الجامعة الإسلامية؟ !
ثم نقول: هب أن الأب كان يحفظ حديث أبي إسحاق كالابن، وأن الجد أبا إسحاق كان يحفظ أَيْضًا حديثه كما يحفظ السورة من القرآن، فما فائدة ذلك؟ ! وأين الدليل في كل ذلك أن الجد لم يكن قد اختلط؟ !
ويؤكد هذا قول الإمام أحمد في إسرائيل:
" فيه لين، سمع من أبي إسحاق بآخره ". ذكره الحافظ في " التهذيب ".
فثبت أنه لا تلازم بين حفظ الحفيد ونفي اختلاط الجد عند كل من يعقل! سادساً: وأعجب من كل ما سبق: قوله عقب ما ذكرته آنِفًا:
" ولم أقف على اختلاط أبي إسحاق السبيعي مع أنه ذكره ابن الكيال في كتابه " الكواكب النيرات " (ص 34 - 356)) ؛.
قلت: وكذلك ذكره ابن الصلاح والحافظ كما تقدم، وغيرهم كثير.
فكيف يصح هذا النفي مع العزو إلى " الكواكب " وهو فيمن اختلط؟ ! فلعله أُتِيَ من العجمة.
سَابِعًا: سوّد صفحتين من رسالته في بِبَان، خطأ الحافظ ابن حجر في إيراده
لأبي إسحاق السبيعي في المرتبة الثالثة من المدلسين - كما تقدم -! وشبهته في
ذلك: أن الحافظ يعقوب الفسوي قال بعد أن ذكره في جملة من المدلسين (2 / 633 - تاريخه) :
" والتدليس من قديم ". فقال السندي:
" ومن هذا نعرف أن تدليس أبي إسحاق لم يكن ضَارًّا "!
قلت: هذا فهمه الذي لا يغبط عليه! ولو سلمنا له به فذلك مما لا يُصَحِّح قوله
فيما بعد:
" وهو لم يكن بحال من الأحوال من الطبقة الثالثة، وإنما في الأولى ".
قلت: وذلك؛ لأن مثل هذه المخالفة من مثل هذا المتأخر زَمَنًا وَعِلْمًا مما لا سبيل إليه إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص الحفاظ؛ الذين بوسعهم الاطلاع على تدليسات الراوي ثم إيداعه في المنزلة التي يستحقها بالنظر إلى تدليسه قلة وكثرة، لذلك؛ أقول للشيخ السندي:(ليس هذا عشك فادرجي) .
نعم؛ للمتمكن في هذا العلم أن يرجح قولاً على قول للمتقدمين، وأما أن يعارضهم برأي من عنده، ليس بالرجوع إلى قواعدهم، فهذا مما لا يجوز أن يقع فيه طالب العلم كما صنع هذا السندي.
وإذا كانت الجرأة اللاأدبية حملته على تخطئة الحافظ ابن حجر بغير حجة، فماذا يقول في الحافظ صلاح الدين العلائي الذي قال في كتابه القيم:" جامع التحصيل في أحكام المراسيل "(ص 300) وقد ذكر أبا إسحاق هذا:
" مكثر من التدليس "!
وقد ذكر هو والحافظ الفسوي من قبل بعض الروايات التي دلس فيها باعترافه!
ولذلك؛ جرى الحفاظ أثناء تخريجهم للأحاديث على إعلال بعضها بتدليس أبي إسحاق واختلاطه، فانظر على سبيل المثال إعلال الحافظ البوصيري لحديث ابن ماجه (رقم 1235) . ثَامِنًا وَأَخِيرًا: إن مما يدل على أن هذا الرجل لا معرفة له بهذا العلم. تعليله
لصحة إسناد هذا الحديث وأنه لا علة فيه ولا شذوذ - بزعمه! - فقال (ص 36) :
" قال. . الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 277) : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح "!
قلت: لقد علم كل من له معرفة بهذا العلم الشريف أن مثل هذا القول لا ينفي أي علة في الإسناد كالانقطاع والتدليس ونحوهما؛ فضلاً عن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؛ كما نبهت على ذلك مراراً!
ثم رأيت الحديث قد أورده الحافظ في " المطالب العالية لما (2 / 17) معزواً
لأبي بكر بن أبي شيبة. يعني: في " مسنده "، وسكت عنه، ولم يقوه كما فعل في " الفتح " حين عزاه لأبي يعلى، وهو إنما رواه من طريق ابن أبي شيبة كما عرفت، وكأن الشيخ الأعظمي قلده في تعليقه على " المطالب "؛ فقال:
" إسناده لا بأس به، وسكت عليه البوصيري ".
وأقول: ليتك سكت مثله! إذن؛ لسترت هواك أو جهلك بهذا العلم الشريف؛ فإنك لا تحسن إلا التقليد - الذي قد طبعت به - أو التخريج الذي يحسنه المبتدؤون بهذا العلم؛ كما يدل على ذلك تعليقاتك الكثيرة على بعض كتب السنة؛ كهذا الكتاب: " المطالب "، ومثله:" كشف الأستار " و " مصنف عبد الرزاق " و " مسند الحميدي ".