الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2](المتتابع والمتواتر)
[2]
ويقولون للمتتابع متواتر فيوهمون فيه. لأن العرب تقول: جاءت الخيل متتابعة، إذا جاء بعضها في أثر بعض بلا فصل، وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل، ومنه قولهم: فعله تارات أي حالاً بعد حال وشيئاً بعد شيء، وجاء في الأثر أن الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في الموؤدة قال لهم "علي"
ــ
(ويقولون للمتتابع متواتر فيوهمون فيه). يقال أوهمت الشيء تركته وأوهمت الكتاب إذا أسقطت منه شيئاً، ووهم [إلى] الشيء يهم وهماً إذا ذهب إليه وهمه، ووهم يوهم وهما بالتحريك إذا غلط قاله "ابن الأثير" و"ابن السيدة" فاحفظه، فإنه قد شاع الوهم في الوهم فسرى معناه للفظة. (لأن العرب تقول جاءت الخيل متتابعة إذا جاء بعضها في أثر بعض بلا فصل وجاءت متواترة إذا تلاحقت وبينها فصل). هذا أصل معناه ويشهد له الاشتقاق، لأن التواتر أن يؤتى بالشيء وَتْراً وَتْراً، أي منفرداً فيقتضي الفصل، والتبع يكون متبوعاً، ففيه إشعار بالاتصال، لكن ورد في استعمال العرب وضع كل منهما موضع الآخر كما حكاه "الزمخشري" في قضاء رمضان إن شئت فواتر وإن شئت ففرق وفي "الكشف" أنه محتمل لهما قال "أبو عبيد في غريب
رضي الله عنه: إنها لا تكون موؤدة حتى تأتي عليها التارات السبع، فقال له "عمر" رضي الله عنه: صدقت أطال الله بقاءك، وكان أول من نطق بهذا الدعاء. وأراد "علي" رضي الله عنه بالتارات السبع طبقات الخلق السبع المبينة في قوله تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأنا خلقاً آخر} يعني سبحانه وتعالى ولادته حياً. فأشار "علي" رضي الله
ــ
الحديث": الوتيرة المداومة على الشيء وهو مأخوذ من التواتر والتتابع. هذا لفظه فسوى بينهما، ولا شاهد له في الأثر، وقصارى ما يتحصل له تسليم العدول عن المختار إلى الجائز. ثم إن التتابع هو التوالي الذي لم يتخلله فاصل يبطل حكم تواليه نسقاً فإن اليومين قد فصلت بينهما ليلة ولكن فصلها لا يبطل حكم تواليهما وتتابعهما.
(ومنه قولهم: فعله تارات أي حالاً بعد حال وشيئاً بعد شيء).
في الحواشي: جعل المصنف تارات من التواتر غلط بين لأن التواتر فاؤه واو والتارة عينه ياء، بدليل جمعه على ثير وقال "ابن جني" عينه واو، من الثور وهو الرسول قال:
(والتور فيما بيننا يعمل
…
في ضربه المائي والمرسل)
والمناسبة بينهما أن الرسول ينتقل ويذهب كما أن التارة الحالة المبدلة من حالة
عنه إلى أنه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وُئِد، وقصد بذلك أن يدفع قول من توهم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بالتداوي فقد وأدته. ومما يؤيد ما ذكرنا من معنى التواتر قوله تعالى، {ثم أرسلنا رسلنا تترا} ومعلوم ما بين كل
ــ
أخرى المتنقلة منها. وادعاء القلب فيه خلاف الظاهر والمنقول عن أهل اللغة. وإن قالوا في التارات- من قولهم: يا لتارات فلان - إنها مقلوبة من الوتر. أقول: إذا كانوا قالوا في تارات الدماء إنها مقلوبة فأي مانع من القول به في التارات جمع تارة بمعنى الحالة وهذا الذي جنح إليه المصنف. نعم ورد همزة تارة وهو يأباه ولذا ذهب صاحب "القاموس" تبعاً لغيره من أهل اللغة إلى أنه مهموز العين. قال في "المصباح": التارة المرة وأصلها الهمزة لكنه خفف لكثرة الاستعمال، وربما همزت على الأصل وجمعت بالهمزة فقيل: تأرة وتآر وتئر قال "ابن السراج": وكأنه مقصور من تأر، وأما المخفف فجمعه تارات اهـ. فما في "الحواشي" أيضاً غير متفق عليه فاختر لنفسك ما يحلو.
(وجاء في الأثر أن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا في الموؤودة قال لهم علي رضي الله عنه: إنها لا تكون موؤودة حتى يأتي عليها التارات السبع) أي الحالات السبع المذكورة في الآية الكريمة من ابتداء تكوينه إلى ولادته وخروجه من سجن الأصلاب والأرحام إلى فناء الفناء. يعني أن "علياً" رضي الله عنه قصد الرد على توهم أن الحامل إذا أسقطت جنينها بتداوٍ وغيره فقد وأدته. قيل وهو مخالف للمروي من أن الصحابة وقعت بينهم محاجةٌ في العزل عن النساء كما ذكره المحدثون وشراح "الهداية"
رسولين من الفترة وتراخي المدة، وروى "عبد الخير" قال: قلت "لعلي" رضي الله عنه أن عليَّ أياماً من شهر رمضان أفيجوز أن أقضيها متفرقة؟ قال: اقضها إن شئت متتبعة وإن شئت تترى. قال: فقلت إن بعضهم قال: لا تجزى عنك إلا متتابعة قال: بلى تجزى تترى لأنه عز وجل قال: {فعدة من أيامٍ أخر} ولو
ــ
فكرهه بعضهم. ويروى عنه أنه قال [إنه] الوأد الخفي وعن "ابن مسعود" أنه قال: هي الموؤودة الصغرى وأجازه آخرون، ويروى عن "عبيد الله بن رفاعة" عن أبيه أنه جلس إلى "عمر" و "الزبير" و "سعد" في نفر من الصحابة فتذاكروا العزل وقالوا: لا بأس به، فقال رجل منهم: إنهم يزعمون أها الموؤودة الصغرى فقال "علي" رضي الله عنه لا تكون موؤودة حتى تمر عليها التارات. وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه الوأد الخفي فقيل: إنه منسوخ، وقيل: المروي أنه قيل له عليه الصلاة والسلام: إن اليهود يقولون في العزل هي الموؤودة الصغرى فقال: كذبت اليهود والمشهور في العزل أنه يجوز في الأمة، والحرة إن رضيت وإلا لا. وما فسر به كلام المصنف غير متعين لجواز حمله على
أرادها متتابعة لبين التتابع لما قال سبحانه وتعالى: {فصيام شهرين متتابعين} .
وعند أهل العربية أن أصل تترى وترى فقلبت الواو تاء كما قلبت في تُخمة وتهمة وتجاه لكون أصولها من الوخامة والوهم والوجه.
ويجوز أن تُنَّون تترى كما تنون أرطى وأن لا تنون مثل سكرى، وقد قُراء
ــ
هذا وقوله (يعني سبحانه إلى آخره) أي قوله خلقاً آخر، والأثر ما يؤثر أن يروى عن النبي والصحابة. وقد يخص بما يضاف إلى الصحابي موقوفاً كما في شرح مسلم وغيره.
(ومعلوم ما بين كل رسولين من الفترة وتراخي المدة).
هذا باعتبار الأكثر، وقد يقال: إن أحكام شرائعهم لما لم تنسخ إلا ببعثة رسول آخر كان كأنه لا فاصل بينهم وسيأتي ما يؤيده.
(اقضها إن شئت متتابعة وإن شئت تترى).
في "الحواشي": [إن] هذا الأثر إذا صح وسَلِم من التحريف شاهد لما دعاه، ود آن أن نصرح بالمقصود فنقول: المتتابع هو المتوالي الذي لم يتخلله فاصل يبطل حكم تواليه نسقاً، فإن كل يومين تفصل بينهما ليلة ولا يعد فصلاً مبطلاً للتتابع. قلت: أفاد وأجاد، وقد مر ما يؤيده مما رواه "الزمخشري" مخالفاً لما ذكره المصنف، فتذكر.
(ويجوز أن ينون تترى كما ينون أرطى)، وألا ينون مثل سكرى، وقد قرى بهما جميعاً.
بهما جميعاً. وحكى "أبو بكر الصولي" قال: كتب أحد الأدباء إلى صديق له وقد أبطأ جوابه عنه: كتبت إليه فما أجبت وتابعت فما واترت وأضبرت فما أفردت وجمعت فما وحَّدت. فكتب إليه صديقه: الجفاء المستمر على الأزمان، أحسن من بعض الخطاب للإخوان.
ــ
إشارة إلى أن ألفه للإلحاق كألف أرطى على قولٍ منه، وهو اسم شجر، وواحده أرطاة، وإذا كانت ألفه للإلحاق فينون نكرة لا معرفة، وقيل ألفه أصلية فينون دائماً وفي شرح "الكتاب" للسيرافي في جعل بعضهم ألف تترى للتأنيث وبعضهم جعلها للإلحاق بجعفر، وقيل الألف عوض من التنوين ولا مانع منه وخطُّ المصحف بالياء يؤيد الأولين، وأصله وترى، وقيل قراءة الجمهور بغير تنوين فألفه للتأنيث كدعوى، ولا نعلم مصدراً في آخره ألف إلحاق. وقال "الشمني": إنه نادر، ونونه "ابن كثير" و "أبو عمرو". فوزن (وتر) فعل وألفه بدل من التنوين وكتبت ياء على لغة من يميل [ألف] التنوين
وهي قليلة أو هي للإلحاق وليس بمصدر وقيل وزنه تفعل، وهو غلط، إلا أن يكون على الملفوظ. والقول بأنه تتر فوزنه فعل رد بأنه لم يسمع إجراء الحركات على رأيه، وقد علم مما قالوه أن فيه اختلافاً، فقيل: هو مصدر وقيل: اسم غير مصدر وقبل جمع.
(كتبت إليك فما أجبت وتابعت فما واترت وأضبرت فما أفردت). أضبرت بضاد معجمة وباء موحدة وراء مهملة من الإضبار بالكسر والفتح وهي الجزمة من الصحف كما في الصحاح وفي الحديث "ضبائر"[ضبائر] وهو كما في شرح مسلم ضبارة بالفتح والكسر والثاني أشهر. ولم يذكر "الهروي" غيره. ويقال إضباره بكسر الهمزة وروى ضبارات ضبارات أي جماعات [جماعات] متفرقة وفي "تهذيب الأزهري" ضبائر جماعات قال "ابن السكيت": يقال جاء بإضباره وإضمامه من كتب وهي الأضابير والأضاميم، وفلان [الآن] ذو ضبارة إذا كان مشدود الخلق وقال "الليث" إضبارة من صحف أو سهام حزمة وضبارة لا يجيزها غير "الليث" اهـ.
يعني أنه لا يألو جهداً في المكاتبة في المصادقة لمن لا يزال يعامله بضد ذلك فيبخل بالجواب فضلاً عن الكتاب.
(فكم كتاب جاءكم سائلاً
…
لكنه يقنع بالرد)