الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[11] يقال للمريض: مصح اف ما بك لا مسح
ويقولون للمريض: مسح الله ما بك بالسين، والصواب فيه "مصح" كما قال الراجز:
(قد كان من طول البلى أن يمصحا)
وكقول الشاعر. وقد أحسن فيه:
(يا بدر إنك قد كسيت مشابهاً
…
من وجه أم محمد ابنة صالح)
(وأراك تمصح في المحاق وحسنها
…
باق على الأيام ليس بما صح)
ويحكى أن "النضر بن شميل المازني" مرض فدخل عليه قوم يعودونه فقال له رجل منهم يكني أبا صالح: مسح الله تعالى ما بك. فقال له: لا تقل مسح
ــ
(ويقولون للمريض مسح الله ما بك والصواب فيه مصح). قال "ابن بري" الصواب مسح بالسين وقد ذكره "الهروي" في "الغريبين" فقال: يقال مسح الله ما بك أي غسله عنك وطهرك من الذنوب، وقال "الصاغاني" في "الذيل والصلة" يقال للمريض: مصح الله ما بك ومسح والصاد أعلى اهـ.
فما ذكره المصنف ليس مسلماً، ثم إنه عداه بنفسه، وفي "الحواشي" أنه غلط لأن مصح لا يتعدى إلا بالباء يقال مصحت بالشيء، أي ذهبت به، فلو كان بالصاد قيل:
بالسين ولكن قل: مصح بالصاد، أي أذهبه الله وفرقه.
أما سمعت قول الشاعر:
(وإذا ما الخمر فيها أزبدت
…
أفل الإزباد فيها ومصح)
فقال له الرجل: إن السين قد تبدلت من الصاد كما يقال الصراط، والسراط وصقر وسقر فقال له "النضر": فأنت إذا أبو صالح! [ويشبه هذه النادرة ما حكي أيضاً أن بعض الأدباء جوز بحضرة الوزير "أبي الحسن ابن الفرات" أن تقام السين مقام الصاد في كل موضع، فقال له الوزير: أتقرأ {جنات عدن يدخلونها ومن
ــ
مصح الله بما بك أي أذهبه متعدية بالباء أو بالهمزة، فيقال: أمصح الله ما بك. إذا لا يقال مصحه بدون باء. اهـ.
قلت ما ذكره وافقه عليه "ابن هشام" فقال في "تذكرته" مصح الشيء مصوحاً ذهب وانقطع ولم يذكروه متعدياً. وفي كثير اللغة ما يخالفه فقد ذكره "الهروي" و "ابن شميل" و "الصاغاني" متعدياً. وفي "القاموس" مصح الله مرضك أذهبه كمسحه، وقد فسر في البيت باندرس، فثبت من هذا أنه يكون متعدياً ولازماً:
(قد كاد من طول البلى أن يمصحا)
وتمامه:
(رسم عفا من بعد ما قد انمحى
…
روي: ربع عفاه الدهر طولاً فانمحى)
وهو من آرجوزة "لرؤية بن العجاج" يصف منزلاً بالقدم واندراس الأثر،
صلح من آبائهم وأزواجه وذرياتهم} أم ومن صلح؟ فخجل الرجل وانقطع.
ــ
وضمير كاد يرجع للرسم في أوله، وفيه شاهد أيضاً على تشبيه كاد بعسى بدخول أن في خبرها.
((يا بدر إنك قد كسيت مشابها
…
من وجه أم محمد ابنة صالح)
(وأراك تمصح في المحاق وحسنها
…
باق على الأيام ليس بما صح))
المحاق نقص القمر في أول الشهر وفي
…
ثلاث ليال من آره ولله در القائل:
(أيا شمعاً يضيء بلا انطفاء
…
ويا بدراً يلوح بلا محاق)
(فأنت البدر ما وجه انتقاصي
…
وأنت الشمع ما سيب احتراقي؟ )
ولبعضهم:
(وبمهجتي رشأ رآني مقبلاً
…
فيغض عني طرفه من كبره)
(ظبي ولكن للمحب نفاره
…
غصن ولكن نوره في ثغره)
(شمس ولكن في فؤادي حرها
…
قمر ولكن المحاق بحصره)
(إني لأعجب من مريض جفونه
…
لا يشتكي من طول ليلة شعره)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(ولآخر):
(يا من يحاكي البدر عن تمامه
…
ارحم فتى يحكيه عند محاقه)
(وللمتنبي):
(وقد أخذ التمام البدر منهم
…
وأعطاني من السقم المحاقا)
ونظائره أكثر من أن تذكر، والماصح في البيت الذاهب مرضه فكأنه المحاق نزل منزلة المرض للبدر إذ هو بمعنى النقص من مصحت الدار بمعنى درست كما مر.
(النضر بن شميل) النضر بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة وراء مهملة، هو أبو الحسن [البصري] المازني إمام اللغة والحديث من تبع التابعين روى عنه البخاري، وكان "بمرو" وهو أحد الآخذين توفي سنة ثلاث أو أربع ومائتين.
(وإذا ما الخمر فيه أزبدت
…
أفل الإزباد فيها ومصح)
هو بيت من قصيدة "للأعشى" مدح بها "إياس بن قبيصة الطائي" وأولها:
(ما يعيف البوم في الطير البرح
…
من غرب البين أو تيس برح)
وهذا البيت منها في صفة الخمر، وروي بدل الخمر الراح وهما بمعنى. ومصح بمعنى ذهب من مصحت الدار إذا درست.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم ذكر هنا نادرة، وهي اللطيفة التي تقع في المحاورات لتدور ووعها بالنسبة لما يصدر في المجالس فقال:
(حُكي أن بعض الأدباء جوز بحضرة "أبي الحسن بن الفرات" أن تقام السين مقام الصاد في كل موضع، فقال له: أتقرأ {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم} أومن سلح؟ فخجل الرجل).
ملحة أدبية:
وعن "الزجاج" أنه كان يذهب إلى أن الصاد تبدل سيناً مع الحروف كلها لتقارب مخرجهما، فوقع ذكر ذلك عند الوزير "علي بن عيسى" فأصر على مقالته، فالتمس منه كتاباً إلى بعض عماله، فكتب له فيه: وإنه من أخس إخواني، فلما قرأه راجعه فيه، فقال: إنما أردت أخص إلا أن الإبدال جائز، فقال له: الله الله في أمري، قد رجعت عن مقالتي هذه، وليس على إطلاقه.
قال "الجوهري": كثيراً ما يقلبون الصاد سيناً إذا كان في الكلمة قاف أو طاء أو غين أو خاء. كالصدغ والصماخ والصراط والبصاق.
وفي "التسهيل" تُبدل الصاد من السين جوازاً على لغة إن وقع بعدها غين [أو خاء] أو قاف أو طاء. وإن فصل حرف أو حرفان فالجواز باق اهـ.
وما ذكره "الجوهري" من أصالة صاد الصراط ونحوه مذهب فيه.
واختار غيره أصالة السين، وارتضاه "الجعبري" وغيره، وقالوا: إبدال السين صاداً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لغة قريش إذا كان بعدها أحد الحروف الأربعة السابقة، فالسراط حينئذ من سرطت الطعام إذا ابتلعته، يتخيل أنه يبتلع سالكيه أو أنهم يبتلعونه، كما سموه لقماً لأنه يلتقمهم أو لأنهم يلتقمونه. كما قالوا: قتل أرضاً عالمها وقتلت أرضٌ جاهلها. قال "أبو تمام":
(رعته الفيافي بعدما كان حقة
…
رعاها وماء المزن ينهل ساكبه)