الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
ولهذا نظائر في كلام العرب كقولهم لنوع من التمر: سهريز وشهريز، ولما يختم بهك الروسم والروشم، وكقولهم: انتشف لونه وانتسف إذا تغير وانتقع، وحِمس الرجل وحُمِش إذا اشتد غضبه.
وقالوا: تنسمت منه علمًا وتنشمت، فمن قاله بالسين المهملة جعل اشتقاقه من النسيم، ومن قاله بالشين المعجمة أخذه من قولهم: نَشَّم في الأمر أي ابتدأ به، إلا أن "الأصمعي" يرى أن هذه اللفظة لا تستعمل إلا في الشر على ما تقدم ذكره عنه.
ــ
والمراد التكثير لا خصوص العدد، وقيل: معرب "شدرنك" أي زال العناء، أي من اشتغل به زال عناؤه، وقيل: معرب "شش رنك" أي ستة ألوان، وهي أنواع قطعه، وفتح أوله وكسره جائز.
وقال "الواحدي": الأحسن فيه الكسر ليكون على زنه "قرطعب"، ولم يذكر فيه "ابن السكيت" إلا الفتح، ولهذا قال "ابن بري": إن أئمة اللغة لم يذكروا فيه إلا فتح الشين، وكذا قال في "إصلاح المنطق".
إذا عرفت هذا علمت أن في كلام المصنف خللا من وجوه:
الأول: أنه أنكر الفتح وهو المعروف عند أئمة اللغة.
الثاني: أنه زعم أن المعرب لابد أن يرد إلى نظائره من أوزان العربية، والذي صرح به النحاة خلافه، وفي كتاب "سيبويه" الاسم المعرب من كلام العجم ربما ألحقوه بأبنية كلامهم وربما لم يلحقوه، فمما ألحقوه بأبنيتهم درهم ويهرج، ومما لم يلحقوه بها الآجر والإفرند إلى آخر ما فصله، ومن أراد ذلك فليرجع إلى كتاب "المعرب لأبي منصور".
وقد جاء أيضًا في الآثار والأشعار ألفاظ رويت بهذين الحرفين على اختلاف المعنيين، فروى في صفته. عليه السلام. أنه كان منهوش القدمين أي معروفهما، [وذكر "ابن الأعرابي" في نوادره أنه يقال: هوس الناس وهوشوا إذا وقعوا في الفساد].
والنهش بإعجام الشين ما كان بالأضراس، والنهس بإهمالها ما كان بأطراف الأسنان، وروى محاش النساء حرام بإعجام الشين وإهمالها، والمراد به [مع إعجام الشين وإهمالها] الدبر، وواحد المحاش محشه. وفي بعض الروايات "أن الشهر قد تشعشع فلو صمنا بقيته" روي بإعجام السين وإهمالها. فمن رواه بالمعجمة ذهب
ــ
الثالث: أنه قال: مشتق من المشاطرة أو التشطير وهو بعيد عن نهج السداد؛ لأن الاشتقاق لا يجري في الأعجمي، وما نقل من ذلك غير مقبول، حتى شنعوا على من قال: آدم مأخوذ من أديم الأرض لأنه مخلوق من التراب، وإن كان دفع بالعناية مع أنه يقتضي زيادة الجيم وليست من أحرف الزيادة.
ثم إنه ذكر ألفاظًا وردت بالسين والشين وهي كثيرة، وقد أفردها صاحب "القاموس" بتأليف سماه:"تحيير الموشين فيما يقال بالسين والشين"[فمن أراد استقصاء ذلك فعليه به].
(تسمية الدعاء للعاطس بالتسميت والتشميت) وهو أن يقال لمن عطس: يرحمك الله، والمشهور فيه الإعجام، ومعناه التثبيت، ولهذا تظرف القائل:
(قلت له والدجى مول
…
ونحن في الأنس والتلاقي)
(قد عطس الصبح يا حبيبي
…
فلا تشمته بالفراق)
والعرب تقول: عطس الصبح إذا طلع كما يعرفه من له إلمام باللغة.
إلى دقة الهلال وقلة ما بقي من الشهر، كما يقال: شعشعت الشراب بالماء إذا رققته بهن ومن رواه بالسين المهملة وهو أشهر الروايتين فالمراد به أن الشهر قد أدبر وفني إلا أقله.
وجاء في حديث عمر. رضي الله عنه. "أنه كان ينس الناس بعد العشاء الآخرة بالدرة ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم" فمن رواه بالسين المهملة عني به يسوقهم، ومنه سميت العصا منسأة للسوق بها، ومن رواه بالمعجمة فمعناه بتناولهم مأخوذ من قوله تعالى:{وأنى لهم التناوش} . وورد في الآثار أن "عليا". كرم الله وجهه. خطب الناس على منبر الكوفة وهو غير مشكوك، فمن رواه بالشين المعجمة معناه أنه غير مشدود [وأصله من الشك وهو لصوق العضد
ــ
(إن الشهر قد تشعشع فلو صمنا بقيته، روي بإعجام الشين وإهمالها) قالوا: المراد بالشهر هنا الهلال ومعناه على الإعجام استدق من شعشعت الشراب بالماء شعشعة إذا مزجته فرققته، وهذا هو معنى الشعشعة في كلام العرب، وأما قول الناس: شعشة الأنوار بمعنى إشراقها وتلألئها فليس من كلام العرب كما في حواشي "شرح المطالع" وعلى الإهمال معناه أدبر وزال، ونقل "ابن يري" فيه لغة ثالثة وهي: تشعسع، وهي بمعجمة مقدمة ثم مهملة من الشسوع وهو البعد.
(كان ينس الناس بعد العشاء الآخرة بالدرة) النس بمعنى السوق صحيح، وأما كون المنسأة منه فغلط، لأنها لو كانت منه قيل بغير ألف: منسة، وإنما هي من نسأ المهموز بمعنى ساق، وهي مادة أخرى، وكون الإعجام بمعنى التناول ومنه التناوش في الآية مما غلط فيه أيضًا لأنه من النوش الأجوف، وهذا من النش، وبينهما بون بعيد.
بالجنب] ومعناه بالسين المهملة: مسمور، من السك وهو تضبيب الباب. ونقل عن "عائشة". رضي الله عنها. أنها قالت:"توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري" فمن رواه بالسين المهملة عني الرئة، ومن رواه بالشين المعجمة مع الجيم فقال: شجري فالمعنى: مجمع اللحيين، ويروي بيت "النابغة":
(فإن يك عامر قد جاء جهلا
…
فإن مطية الجهل الشباب)
فمن رواه بالشين المعجمة فالمراد به الشبيبة، ومن رواه السباب بكسر السين المهملة فالمعنى به السبب، كما قد روي في هذا البيت: فإن مظنة الجهل أي موضعه، [وروي: مطية الجهل أي مركبه].
ــ
(نفى الذم عن آل المحرق جفنه
…
كجابية الشيخ العراقي تفهق)
هو من قصيدة "للأعشى" يمدح بها "المحلق" في قصة له مشهورة، وأولها:
(أرقت وما هذا السهاد المؤرق
…
وما بي من سقم وما بي تعشق)
وفيها شواهد منها ما سيأتي، وروي: تروح على آل المحلق
…
وقد روي السيح فيه بسين وحاء مهملتين، وهو الجاري على وجه الأرض، وتفهق بمعنى تمثل وتفيض، والفراتي نسبة إلى الفرات النهر المشهور، وروي الشيخ بمعجمتين، والعراقي نسبة للعراق، فقيل: لأن الماء كثير بالعراق، والشيخ: المسن يحكم أموره لكثرة تجاربه فيملؤها إلى الغاية لكثرة الماء وإحكامه لأمره، أو لأن الشيخ يتعذر عليه المشي إلى الاستقساء، فيملأ الحوض احترازًا عن ذلك، وقيل: أراد به "كسرى" لأنه صابح دجلة [وما ذكره المصنف ظاهر].
وقد روي أيضًا من شعر "الأعشى" بيتان بهذين الحرفين أحدهما قوله:
(نفي الذم عن آل المحلق جفنه
…
كجابية الشيخ العراقي تفهق)
فمن روي: كجابية السيح بالسين المهملة، عن بالجابية "دجلة" وبالسيخ الماء السائح، ومن رواه بالشين المعجمة، جعل الإشارة فيه إلى "كسرى" لأنه صاحب "دجلة" وأراد "الأعشى" بهذا التشبيه أن جفنة "آل المحلق" تمد بالطعام بعد الطعام، كما تمد "دجلة" بالماء بعد الماء.
والبيت الآخر قوله في صفة الخمر والخمار:
ــ
(وقابلها الريح في دنها
…
وصلى على دنها وارتشم)
قد مر أول القصيدة ونبذ منها، وفي "المعربات": ارتشم معجمًا ومهملاً بمعنى ختم من الروشم وهو الختم بالإعجام والإهمال أيضًا كما بينا ذلك.
(الصراري وهو الملاح) ظاهره أن الصراري بمعنى الملاح مفرد، وإليه ذهب بعض أهل اللغة، وجمعه صراريين. قال جذب الصراريين [بالكرور].
وفي "الصحاح" و"الجمهرة": الصاري وجمعه صراري، فهو عنده جمع لا مفرد، وبما سمعته علمت أن الصاري الملأح، وأهل مصر يتعملونه بمعنى عود القلع الذي في السفينة.
(أعلمه الرماية كل يوم
…
فلما اشتد ساعده رماني)
هو "لمعن بن أوس" المزني وأولها:
(فلا وأبي حنيفة ما نفاه
…
من أرض بني ربيعة من هوان)
(وأقبلها الريح في دفها
…
وصلى على دنها وارتشم)
فمن رواه بإعجام الشين، عنى به أنه دعا للدن ثم ختم عليه، ومن رواه بالسين المهملة قال أراد أنه دعا لها وعوذ عليها كما قال "القطامي" يصف فلكًا:
(في ذي جلول يقضي الموت صاحبه
…
إذ الصراري من أوهواله ارتسما)
يعني أن الصراري وهو الملاح عوذ وكبر حين شاهد عظم الأهوال، وعاين تلاطم الأمواج، والجلول جمع جل وهو شراع السفينة، ويروي بيت "أوس بن حجر":
(مخلفون ويقضي الناس أمرهم
…
غس الأمانة صنبور فصنبور)
ــ
(وكان هو الغني إلى غناء
…
وكان من العشيرة في مكان)
(تكنفه الوشاة فأزعجوه
…
ورسوا من قضاعة غيروان)
(فلولا أن أم أبيه أمي
…
وأن من قد هجاه فقد هجاني)
(إذن لأصابه مني هجاء
…
يمر به الروي على لساني)
أعلمه الرماية كل يوم
…
فلما اشتد ساعده رماني)
وكم علمته نظم القوافي
…
فلما قال قافية هجاني)
وقال "ابن دريد": لمالك بن فهيم الأزدي" في ابنه، وكان قد رماه بسهم فقتله،
فمن رواه بالسين الهملة عن أنهم ضعفاء الأمانة، ومن رواه بالشين المعجمة فاشتقاقه من الغش. وحكى "الأصمعي" قال: أنشدنا "أبو عمرو بن العلاء":
(فما جبنوا أنا نشد عليهم
…
ولكن رأوا نارا تحش وتسفع)
[قال: فذكرت ذلك "لشعبة" فقال: ويلك إنما هو تحس وتسفع]، أي تحرق وتسود.
قال "الأصمعي": وقد أصاب "أبو عمرو" لأن معنى تحش توقد، وأصاب "شعبة" أيضًا، ولم أر بالشعر أعلم منه.
ــ
واستد بالمهملة، من سددت رميته إذا استقامت. وفي كتاب "الاشتقاق" أنه روي بالمعجمة من الشدة، فمن قال: إنه تصحيف فقد أخطأ، وقد ضرب هذا مثلا في المسي لمن أحسن إليه، وقد أنشده "الميداني" في أمثاله هكذا:
(فيا عجبًا لمن ربيت طفلاً
…
ألقمه بأطراف البنان)
(أعلمه الرماية كل وقت
…
فلما اشتد ساعده رماني)
وحكى "خلف الأحمر" قال: أخذت على "المفضل الضبي" وقد أنشد "لأمرئ القيس":
(تمس بأعراف الجياد أكفنا
…
إذا نحن قمنا عن شواء مصهب)
فقلت: إنما هـ نعش؛ لأن المش مسح اليد بالشيء الخشن، وبه سمي "منديل الغمر" مشوشا، وأما قول الشاعر:
(أعلمه الرماية كل يوم
…
فلما اشتد ساعده رماني)
ــ
(أعلمه الرواية كل يوم
…
فلما قال قافية هجاني)
(أعلمه الفتوة كل يوم
…
فلما طر شاربه جفاني)
ومثله قول "أبي بكر الخوارزمي" لتلميذ له عقه:
(هذا أبو زيد صقلت حسامه
…
فغدا به صلتا علي وأقدما)
(أمسى يجهلني بما علمته
…
وبريش من ريشي لبرمي أسهما)
يا منبضا قوسي يكفي احكمت
…
ومسددًا رمحًا بكفي قوما)
(أرقيت بي في سلم حتى إذا
…
نلت الذي تهوى كسرت السلما)
ثم أنشد على ذكر الإسراف والإشراف بالمهملة والمعجمة قول "عروة بن أدية"، وقد مر أن صوابه "أذينة" وبقية قصته ظاهرة.
(لقد علمت وما الإسراف من خلقي
…
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني)
(أسعى له فيعنيني تطلبه
…
ولو قعدت أتاني لا يعنيني)
فالرواية الصحيحة فيه استد بالسين المهملة، ويكون المراد به السداد في الرمي، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة التي بمعنى القوة، ومثله في اختلاف الرواية قول "عروة بن أذينة":
(لقد علمت وما الإسراف من خلقي
…
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني)
فروى أكثرهم لفظة الإسراف بالسين المهملة ورواها بعضهم بالشين المعجمة ليكون معناها التطلع إلى الشيء والاستشراق له [وهو اختيار المرتضى "أبي القاسم الموسوي". رحمه الله].
حكاية فيها اعتبار
ولهذا البيت حكاية تحت على استشعار اليقين وإعلان الأمل بالخالق دون المخلوقين فجنحته بها تحلية لعاطله، ومنبهة على صدق قائله، وهي ما رويته من عدة طرق أن "عروة" هذا وفد على "هشام بن عبد الملك" في جماعة من الشعراء، فلما
ــ
(كم قد أفدت وكم أتلفت من نشب
…
ومن معاريض رزق غير ممنون)
(فما أشرت على يسر وما ضرعت
…
نفسي لخلة عسر جاء يبلوني)
(خيمي كريم ونفسي لا تحدثني
…
أن الإله بلا رزق يخليني)
(ولا اشتريت بمالي قط مكرمة
…
إلا تيقنت أني غير مغبون)
(ولا دعيت إلى مجد ومحمدة
…
إلا أجبت إليه من يناديني)
(لا أبتغي وصل من يبغي مفارقتي
…
ولا ألين إلى من يبتغي ليني)
(إن سيعرفني من لست أعرفه
…
ولو كرهت وأبدو حين يخفيني)
(فغطني جاهدًا واجهد علي إذا
…
لاقيت قومك فانظر هل تغطيني)
(لا يبعد الله حسادي وزادهم
…
حتى يموتوا بداء غير مكنون)
(إني رايتهم في كل منزلة
…
عندي أجل من اللائي يحبوني)
دخلوا عليه عرف "عروة" فقال له: ألست أنت القائل:
(لقد علمت وما الإسراف من خلقي
…
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني)
(أسعى له فيعنيني تطلبه
…
ولو أقمت أتاني لا يعنيني؟ )
وأراك قد جئت تضرب من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال له:
ــ
وفي معنى ذلك قوله بعضهم:
(مثل الرزق الذي تطلبه
…
مثل الظل الذي يمشي معك)
(أنت لا تدركه متبعًا
…
وإذا وليت عنه تبعك)
ومثل هذا ما حكاه "ابن أبي الدنيا" من أنه قدم البصرة رجلان يسترفدان "عبيد الله بن عامر" خال "عثمان بن عفان" وكان جوادًا ممدحًا، أحدهما ابن "جابر بن عبد الله الأنصاري" والآخر ثقفي، فلما قربا من البصرة نزلا، فصلى "ابن
لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الموعظة، وأذكرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها ثم نصها راجعًا نحو الحجاز.
فمكث "هشام" يومه غافلًا عنه، فلما كان في الليل تعار على فراشه فذكره، وقال في نفسه: رجل من قريش قال حكمة ووفد إلى فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع هذا شاعر لا آمن ما يقول؟
فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه، فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار، وقال له: الحق بهذه "ابن أذينة" فأعطه إياها.
ــ
جابر" ركعتين وقال للثقفي: ما رأيك في الرجوع؟ فقال: أتعبت نفسي وأكللت مطيتي وأرجع بغير شيء؟
فقال "ابن جابر": [إني] قد ندمت على قصده واستحييت من ربي أن يراني طالبًا رزقًا من غيره، ثم قال: اللهم يا رازق "ابن عامر" ارزقني من فضلك، ثم قفل راجعًا إلى المدينة.
وكان "ابن عامر" قد أخبر بمسيرتها، فلما دخل الثقفي على "ابن عامر" قال له: أين صاحبك؟ فأخبره بحاله فبكى وقال: والله ما قالها أشرًا ولا بطرًا، ولكن قالها حقًا، فلا جرم لأضعفن جائزته، فأمر للثقفي بأربعة آلاف درهم وكسوة، وبعث "لابن جابر" بضعفها فخرج الثقفي وهو يقول:
(أمامه ما حرص الحريص بزائد
…
فتيلا ولا زهد المقيم بضائر)
(خرجنا جميعًا من مساقط رؤسنا
…
على ثقة منا بجود ابن عامر)
(فلما أنخنا الماعجات ببابه
…
تخلف عني الخزرجي ابن جابر)
(وقال ستكفيني عطية قادر
…
[على ما أراد اليون لليأس قاهر)
(وقال: الذي أعطى العراق ابن عامر]
…
لربي الذي أرجو لسد مفاقري)
(فقلت: خلا لي وجهه ولعله
…
يوجه لي حظ الفتى المتآخر)
[قال] فلم أدركه إلا وقد دخل بيته، فقرع الباب عليه فخرج فأعطيته المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فآتاني فيه الرزق.
ومما يروى أيضًا بهذين الحرفين قول "أبي بكر بن دريد" في مقصورته:
(أرمق العيش على برض فإن
…
رمت ارتشافًا رمت صعب المنتشا)
فمن رواه بالسين المغفلة فمعناه المبتعد، واشتقاقه من أنسأ الله أجله أي باعده، ومن رواه بالشين المعجمة فمعناه استقصاء الشرب بالمشافر.
ــ
(فلما رآني سأل عنه صبابة
…
وحن كما حنت طراب الأباعر)
(وأضعف من حظ له في عطائه
…
على حظ لهفان من الحرص فاغر)
(فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعي
…
ولا ضائري شيء خلاف المقادر)
وحكي عن "هدية بن خالد" أنه حضر مائدة "المأمون"، فلما رفعت جعل يلتقط ما في الأرض، فقال له "المأمون": أما شبعت يا شيخ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، ولكن حدثني "حماد بن سلمة" عن "ثابت" عن "أنس" قال: "سمعت رسول
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر" فأشار "المأمون" إلى غلام فأتاه بمنديل فيه ألف دينار، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا من ذاك.
قلت: ومما يضاهي هذه القضية أن شاعرًا يمسى "القشلي" بقاف مفتوحة وشين معجمة، نسبة لقشل، وهي قرية باليمن، وهو شاعر مجيد اسمه "سرور" مدح المنتخب بقصيدة أعجبته، إلا أنه لم يعجل بجائزته [فتركه وارتحل عنه] ثم إن المنتخب تذكره فقيل له إنه ذهب، فأرسل خلفه الجائزة، فكتب إليه:
(هذا هو الجود لا ما قيل في القدم
…
عن "ابن سعد" وعن "كعب" وعن "هرم")
(جود سرى يقطع البيداء مقتحمًا
…
هول السرى من نواحي البيت والحرم)
(حتى أناخ بأكناف الحصيب وقد
…
نام البخيل على عجز ولم ينم)
(وافى إلي ولم تسع له قدمي
…
كلا ولا ناب عن سعيي له قلمي)
(ولا امتطيت إليه ظهر ناجيه
…
تأتي وأخفافها منعولة بدم)
(أحبب به زائرًا قرت بزورته
…
عين المديح وقامت حجة الكرم)
(فأي عذر إذا لم أجز همته
…
شكرًا يقوم بالغالي من القيم)