الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[153]- قولهم: كثرت عيلة فلان
ويقولن: قد كثرت عيلة فلان، إشارة إلى عياله فيخطئون فيه؛ لأن العيلة هي الفقر بدليل قوله تعالى:{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} [التوبة: 28]. وتصريف الفعل منها عال يعيل فهو عائل، والجمع عالة، وجاء في التنزيل {ووجدك عائلاً فأغنى} [الضحى: 8] وفي الحديث "لأن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
فأما الذين يعالون فهم عيال واحدهم عيل، كما أن واحد جياد جيد، وقد جمع عيال على عياييل، كما قيل: ركاب وركائب، ويقال لمن كثر عياله: أعال
ــ
(ويقولون: قد كثرت عيلة فلان إشارة إلى عياله، فيخطئون فيه؛ لأن العيلة هي الفقر لا العيال كما توهموه).
والمخطى هو المخطى؛ لأنه ورد بهذا المعنى في الكلام الفصيح فهو عربي صحيح، ففي الحديث:"أتخافين العيلة وأنا وليهم" كذا رواه "ابن الأثير" وفسره بالعيال، فإما أن يكون جمع عائل كالعيل كما رواه "الأزهري" أو هو تجوز من قولهم: عالة عيلة إذا قام يرزقه. ففي "التهذيب": طالت عيلتي أي طالما علتك، أو أطلق عليهم الفقر لأنهم سببه، كما يقال: قلة العيال أحد اليسارين.
(وفي الحديث "لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس").
هذا حديث صحيح رواه "البخاري" قاله صلى الله عليه وسلم "لسعد بن أبي وقاص"، لما دعاه
فهو معيل [ولمن يمونهم][وقد عالهم: يعولهم]، ومنه الخبر:"ابدأ بنفسك ثم بمن تعول".
وفي كلام بعض العرب "والله لقد علت حتى علت" أي منت عيالي حتى افتقرت، وقد يقال: عال يعول إذا جار، فأما قوله تعالى:{ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3] فمعناه: [ذلك أدنى] ألا تجوروا، ومنه قول بعض العرب لحاكم حكم عليه بما لم يوافقه:"والله لقد علت علي في الحكم".
ومن ذهب في تفسير الآية إلى أن معنى تعولوا يكثر من تعولون فقد وهم فيه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"وإن من القول عيالا" فمعناه أن من الحديث ما يستثقل السامع أن يعرض عليه، ويستشق الإنصات إليه.
ــ
فقال: يا رسول الله، بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟
فقال له: لا، قال: فبشطره؟ قال: لا، الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله إلا أجرت [عليها] حتى ما تجعل في امرأتك".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومعنى قوله: يتكففون، يسألون الناس فيمدون الأكف أو يسألون من الكفاف.
(ومنه الخبر: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول).
هو بعض حديث روته "الطبراني" وفسر من تعول بمن تلزم نفقته من العيال كالزوجة والعبد. (ومنه قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} معناه: ذلك أدنى أن لا تجوروا، ومنه قول بعض العرب لحاكم حكم عليه بما لم يوافقه: والله لقد علت علي في الحكم، ومن ذهب في تفسير الآية إلى أن معنى تعولوا يكثر من تعولون فقد وهم).
فيه سوء أدب؛ فإن القائل هو "الإمام الشافعي" رضي الله تعالى عنه- وهو أعلم باللغة منه ومن أضرابه، وليس ممن يجترى على تفسير القرآن العظيم بما لا يعلمه.
وفي "تهذيب الأزهري": أكثر أهل التفسير على أن معناه أقرب أن لا تجوروا وتميلوا، وعن "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" أنه فسره بلا تكثر عيالكم.
قلت: وإلى هذا القول ذهب "الشافعي" فيما أخبرني "عبد الملك" عن "الربيع" عنه.
قلت: والمعروف في كلام العرب: عال الرجل إذا كثر عياله.
ومن العرب الفصحاء من يقول: عال يعول إذا كثر عياله] وهذا يقوي قول "الشافعي" رضي الله عنه لأن "الكسائي" لا يحكي عن العرب إلا ما حفظه وضبطه.
وقول "الشافعي" نفسه حجة لأنه عربي فصيح اللسان، والذي اعترض عليه وخطأه عجل ولم يتثبت، ولا ينبغي للحضري أن يعجل إلى إنكار ما لم يحفظ من لغات العرب. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أن هذا كما قاله "البيهقي" في كتاب "الانتصار" للشافعي أنه لما فسر قوله تعالى: {ذلك أدنى ألا تعولوا} بأن لا يكثر من تعولون، اعترض عليه بأنه مخالف لكلام المفسرين والأدباء، لأنهم فسروه بألا تجوروا، من عال الرجل إذا جار ومال، أو عال إذا افتقر، أو عال عياله أنفق عليهم، أو عال إذا كثر عياله، فلم يفرق بين عال وأعال.
قال "البيهقي": قلت: ليس كذلك؛ لأن "زيد بن أسلم" من علماء هذه الأمة، وقد فسره بما قاله "الشافعي" كما رويناه عنه مسنداً.
وفي "مختصر العين" أن "الشافعي" ذهب في ذلك إلى أن أصل العول الميل، لكنه ليس بمطلق؛ لأنه لا يقال للجدار إذا مال: عال، وإنما هو مختص بالنسم، لأن أصل العول قوت العيال ومنه يتسبب الميل، ومنه القسم بين الضرائر والإنفاق وغيره، فسمى هذا العول ميلاً، فذهب "الشافعي" إلى أصل المعنى، والمفسرون إلى ما تسبب عنه، وهم كثيراً ما يقولونه.
وقال "الجامي": من عرف توسع كلام العرب لم يضق عليه مثله، وقد رد "الأزهري" اعتراض "أبي داود" على "الشافعي"، وروى عن كل من "الفراء" و"الكسائي" أنه قال: سمعت كثيراً من العرب يقولون: عال الرجل إذا كثر عياله، إلا أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أعال أكثر من عال، فمن هذا يعلم أن "الشافعي" لم يقل ما قاله إلا وقد حفظه، ثم قال "الأزهري": إن ما قاله "الشافعي" وجيه؛ فإنه -تعالى- لما بدأ بذكر مثنى وثلاث ورباع قال: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} [النساء: 3] بجماعة تعجزون عن كفايتهم. اهـ].
[وقد قال بعض أهل اللغة: إنها لغة "حمير"، ويؤيده أنه قرى في الشواذ تعيلوا بضم التاء. (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من القول عيالا" فمعناه أن من القول ما يستثقل السامع أن يعرض عليه ويستنشق الإنصات إليه)].
هو حديث أوله: "إن من البيان لسحراً وإن من العلم جهلاً وإن من القول عيالاً" وفسروه بعرض الكلام على من ليس من شأنه ولا يهمه، وهو قريب مما ذكره المصنف.
والذي رأيناه في كتب اللغة أن من القول عيالا. قال "ابن طاهر" في "فوائد الخرائد": يقال: علت الضالة وأعيل عيلا وعيالاً إذ لم تدر في أي جهة تبغيها، والمعنى أن من القول ما يعرض على من لا يريده وليس ذلك من شأنه، كأن القائل لم يهتد لمن يطلب كلامه فيعرضه على من لا يريده.