الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[155]- قولهم: ارتضع بلبنه
ويقولون لرضيع الإنسان؛ قد ارتضع بلبنه، وصوابه ارتضع بلبانه، لأن اللبن هو المشروب، واللبان هو مصدر لابنه أي شاركه في شرب اللبن، وهذا هو معنى كلامهم الذي نحوا إليه ولفظوا به، وإليه أشار "الأعشى" في قوله:
(تشب لمقرورين يصطليانها
…
وبأت على النار الندى و"المحلق")
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما
…
بأسحم داجٍ عوض لا تتفرق)
يعني أن "المحلق" الممدوح والندى إرتضعا ثدي أم، وتحالفا على أنهما لا
ــ
(ويقولون لرضيع الإنسان: قد ارتضع بلبنه، وصوابه ارتضع بلبانه؛ لأن اللبن هو المشروب، واللبان مصدر لابنه أي شاركه في شرب اللبن، وهذا معنى كلامهم الذي نحوا إليه ولفظوا به، وإليه أشار "الأعشى" في قوله:
(تشب لمقرورين يصطليانها
…
وبات على النار الندى و"المحلق")
(رضيعي لبان ثدي أم تقاسما
…
بأسحم داج عوض لا نتفرق)
قد تبع في هذا "ابن قتيبة" في "أدب الكاتب"، وهو مما نسب فيه إلى السهو لاشتهار ما أنكره في كلام الفصحاء، وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال "لسهلة بنت سهيل" في شأن "سالم" مولى "أبي حذيفة":"أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها" وهو نص في أن اللبن لبنات آدم، وأما اللبان فمصدر لابنه إذا راضعه.
يتفرقان أبدا، لأن عوض من أسماء الدهر، وهما مما بني على الضم والفتح، وعنى بالأسحم الداجي ظلمة الرحم المشار إليها في قوله تعالى:{يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث} [الزمر: 6].
وقيل: بل عنى به الليل، وعلى كلا هذين التفسيرين فمعنى تقاسما فيهما أي تحالفا، وقد قيل: إن المراد بلفظة تقاسما اقتسما، وأن المراد بالإسحم الداجي: الدم، وقيل: بل المراد بالأسحم اللبن لاعتراض السمرة فيه، وبالداجي: الدائم.
وحكى "ابن نصر" الكاتب في كتاب "المفاوضة" قال: دخل على "أبي العباس بن ماسرجس" رجل نصراني ومعه فتى من أهل ملته حسن الوجه، فقال له "أبو العباس": من هذا الفتى؟ قال: بعض إخواني، فأنشد "أبو العباس":
ــ
وقال بعضهم: إنه اسم بمعنى اللبن إلا أنه مخصوص، واللبن عام في الآدمي وغيره، وقال آخرون: اللبان جمع لبن، ومما جاء في اللبان للمشاركة في اللبن قولهم: هو أخوه بلبان أمه. وفسره "يعقوب" بأخيه المشارك له في الرضاع، وقال "أبو سهل الهروي": لبان جمع لبن. وقيل: إنه لغة في اللبن وفي شرح مقامات الزمخشري أن اللبان بالفتح مصدر وبالكسر جمع لبن، وقيل: هو الملابنة أي المراضعة في قولهم: هو أخوه بلبان أمه.
وقال "ابن السيد": روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن لبن الفحل محرم" كما اتفق عليه
(دعتني أخاها "أم عمرو" ولم أكن
…
خاها ولم أرضع لها بلبان)
(دعتني أخاها بعدما كان بيننا
…
من الأمر ما لا يصنع الأخوان)
ــ
الفقهاء، وفسروه بأن الرجل يكون له امرأة ترضع بلبنه فكل من أرضعته حرمته عليه وعلى ولده، والصحيح أن يقال: اللبان للمرأة خاصة، واللبن عام. اهـ.
وقد تقدم الكلام على الشعر الذي ذكره، وبقي أن المراد بالمقرورين فيه الندى و"المحلق" و"المحلق" بكسر اللام وهو اسم رجل مشهور، وعطفه على الندى بجعله كرجل ألف آخر وآخاه، وهو في غاية البلاغة، ورضيعي مثنى حال منهما، وثدي منصوب به، ولا حاجة إلى تقدير من كما قيل؛ لأن رضع متعد بنفسه، أو هو مجرور بدل من لبان، والأسحم قد فسره المصنف، وقيل: المراد به رماد النار أو الليل أو الزق لأنهم كانوا يتحالفون إلى الشراب. وله قصة مشهورة. ورضيع الإنسان مراضعه، وفسر في اللغة بالأخ من الرضاعة، يعنون هذا ومن لم يعرفه فسره بالراضع، وقال: الإضافة لأدنى ملابسة فوقع في حيص بيص.
وفي شرح ديوان "أبي تمام""للتبريزي": إذا كانت المفاعلة بين اثنين جاء كل واحد منهما على فعيل كما جاء على مفاعل، كقعيد للذي يقاعدك وتقاعده، ونديم بمعنى منادم، ورضيع وجليس بمعنى مراضع ومجالس. ثم أنشد:
(دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن
…
أخاها ولم أرضع لها بلبان)
(دعتني أخاها بعدما كان بيننا
…
من الأمر ما لا يصنع الأخوان)
هذا شعر "لعبد الرحمن بن الحكم" وأوله:
(وكأس ترى بين الأنام وبينها
…
قذى العين قد نازعت أم أبان)
(ترى شاربيها حين يعتورانها
…
يميلان أحيانا ويعتدلان)
(فما ظن واشينا بأبيض ماجد
…
وبيضاء خود حين يلتقيان)
(دعتني أخاها ........ إلى آخر البيتين)
وهذا القائل تمثل به كما في المثل الآخر: "رب أخ لك لم تلده أمك" وله قصة معروفة.