الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[43]- الصواب حدث لا حدث
ويقولون: قد حدث أمر، فيضمون الدال من "حدث" مقايسة على ضمنها في قولهم: أخذه ما حدث وما قدم، فيحرفون بنية الكلام المقولة، ويخطئون في المقايسة المعقولة، لأن أصل بنية هذه الكلمة حدث على وزن فعل بفتح العين، كما أنشدني بعض أدباء "خراسان"، "لأبي الفتح البستي":
(جزعت من أمر فظيع قد حدث
…
أبو تميم وهو شيخ لا حدث)
(قد حبس الأصلع في بيت الحدث)
وإنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على
ــ
(إنما ضمت الدال من حدث حين قرن بقدم لأجل المجاورة والمحافظة على الموازنة) حدث بمعنى تجدد بعدما كان معدوما، وهو من باب "قعد" فضم داله خطأ إلا إذا كان للإزدواج، وهو باب واسع، وفيه بحث لأنه ضرب من المشاكلة وهي من أقسام المجاز. فهل هذا أيضا مجاز أو حقيقة؟ والظاهر أنه حقيقة، والفرق بينه وبين المشاكلة المشهورة أن التصرف والنقل فيها في الصيغة، وفيه في مجرد الهيئة وإن لم يجز استعماله بغير قرينة قريبة، وقد قيل: إنه مقصور على السماع، فيكون موضوعا له بشرط، فتأمله:
(جزعت من أمر فظيع قد حدث
…
أبو تميم وهو شيخ لا حدث)
(قد حبس الأصلع في بيت الحدث)
الموازنة، فإذا أفردت لفظة حدث زال السبب الذي أوجب ضم دالها [في الازدواج] وجب أن ترد إلى أصل حركتها وأولية صيغتها.
مطلب مفيد
وقد نطقت العرب بعدة ألفاظ غيرت مبانيها لأجل الازدواج، وأعادتها إلى
ــ
فيه كناية بديعة ونكاية فظيعة ترميه بالداء العضال، والحدث الحالة المناقضة للطهارة شرعا، والجمع أحداث، ويقال للفتى حديث السن [وإن حذفت السن] قلت: حدث بفتحتين وجمعه على أحداث، وفيه تجنيس لطيف.
ثم استطرد وذكر ألفاظا استعملوها في الازدواج خاصة، فقال:[فقالوا](الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإذا أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها وقالوا: الغدوات).
قال "ابن بري": حكى "ابن الأعرابي" أنه يقال: غدية وغدايا، وأنشد شعرا:
(ألا ليت شعري من زياد أمية
…
غديات قيظ أو عشيات أندية)
أصولها عند الانفراد، فقالوا: الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما، فإذا أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها فقالوا: الغدوات.
وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفرداو مرأني قالوا: أمرأني.
وقالوا: فعلت به ما ساءه وتاءه، فإن أفردوا قالوا: أناءه.
وقالوا أيضا: هو رجس نجس، فإن أفردوا لفظة نجس، ردوها إلى أصلها فقالو: نجس، كما قال. سبحانه وتعالى:{إنما المشركون نجس} [التوبة: 28].
وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزال مكانه: أهيس أليس، والأصل في
ــ
فإذا سمع في مفدرة غدية كان جمعه على غدايا قياسا من غير احتياج إلى الازدواج، وقوله في "القاموس" - بعدما حكى في مفرده غداة وغدية-: ولا يقال: غدايا إلا مع عشايا فيه خلل" بل زلل.
وفي شرح "بانت سعاد""لابن هشام" غداة وزنها فعلة بالتحريك ولامها واو لقولهم في جمعه غدوات كصلاة وصلوات، ولأنها من غدوت، ولقولهم: غدوة وقولهم يأتينا بالغدايا والعشايا. قال "الجرجاني" و"ابن سيده": إنما جاءت الياء فيها لتناسب عشايا.
الأهيس الأهوس لاشتقاقه من هاس يهوس، إذا دق، فعدلوا به إلى الياء ليوافق لفظة أليس.
وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ راعى فيها حكم الموازنة وتعديل المقارنة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء المتبرزات في العيد:"ارجعن مأزورات غير مأجورات" وقال في عوذته "للحسن والحسين". كرم الله وجهيهما. "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة".
ــ
والصواب أن الذي فعل للازدواج إنما هو جمع غداة على غدايا فإنها لا تستحق هذا الجمع بخلاف عشية فإنها كقضية ووصية وأما الياء فتستحقها بعد أن جمعت هذا الجمع، وهي مبدلة من همزة فعائل لا من لام غداة التي هي الواو. وبيانه أن أصل عشايا "عشاو" بواو متطرفة هي لامها، وتلك الواو بعد همزة منقلبة عن الياء الزائدة في عشية، كما في صحيفة وصحائف، ثم قلبوا الكسرة فتحة للتخفيف، كما فعلوا في صحازى وعذارى، إلا أنهم التزموا التخفيف في الجمع الذي أعلت لامه وقبلها همزة لأنه أثقل، ثم انقلبت اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم أبدلت الهمزة تخفيفا لاجتماع الأشباه، إذ الهمزة تشبه الألف وقد وقعت بين ألفني، ثم لما جمعت غداة على فعائل للمناسبة، وكان كل شيء جمع على فعائل ولامه همزة أو ياء أو واو لم تسلم في الواحد مستحقا لأن تبدل من همزته ياء كخطايا ووصايا فعلوا ذلك في غدايا لأن واو غداة لم تسلم فإن قلت: قدروا الغدايا جمعا لغدرة وقد صح كلاهما لأن الواو قد سلمت في الواحد فكان القياس غداوى كما يقال: هراوة وهراوى، قلت: يأباه أمران:
أحدهما: أنهما إنما قالا جمع غداة فكيف يحمل كلامهم على خلاف ما صرحوا به؟
والأصل في مأزورات موزورات لاشتقاقها من الوزر، كما أن الأصل في لامة ملمة لأنها فاعل من ألمت، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قصد أن يعادل بلفظ مأزورات لفظ مأجورات، وأن يوازن بلفظ لامة لفظتي تامة وهامة [ومثله قوله. عليه السلام "من حفنا أو رفنا فليقتصد" أي من خدمنا أو أطعمنا، وكان الأصل أتحفنا فأتبع حفنا رفتا].
ويروى في قضايا "علي" عليه السلام أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثا، وتفسيره أن ثلاث جوار ركبت إحداهن الأخرى فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة ووقصت، فقضى للتي وقصت أي اندق عنقها
ــ
الثاني: أنه إذا دار الأمر بين إسناد الحكم إلى المناسبة وإسناده إلى أمر مقتض الكلمة نفسها تعين الثاني.
وزعم "ابن الأعرابي" أن الغدايا لم تقل للمناسبة، وإنما هي جمع غدية، واستدل لثبوته بقوله: "ألا ليت شعري
…
" البيت السابق، ولا دليل فيه لجواز أن يكون إنما جاز غديات لمناسبة عشيات، لا لأنه يقال: غدية. اهـ.
وما قاله "ابن الأعرابي" إن لم يكن له دليل غبر ما أنشده - ورد عليه "ابن هشام" ما قاله - فلا يتم كلام المحشي الذي قدمناه والظاهر خلافه.
(وقالوا: هنأني الشيء ومرأني، فإن أفردوا قالوا: أمرأني) قال "ابن بري": حكى أهل اللغة مرأني وأنرأني لغتين. أقول: ما ذكره المصنف بغينه من "أدب الكاتب" كما هو شأنه في كتابه هذا، وعبارته عليه بأن حكى في باب فعلت وأفعلت بلا اشتراط ازدواج، وكذا قال "الزجاج" وأجاب بأن الحكم أن يقال: أنه إذا انفرد جاز فيه اللغتان، فإذا ذكر مع هنأ قيل: مرأ بلا ألف لا غير على الاتباع.
بثلثي الدية على صاحبتها، وأسقط الثلث باشتراك فعلها فيما أفضى إلى وقصها، والواقصة هنا بمعنى الموقوصة، وأنشد "الفراء" في هذا النوع:
هناك أخبية ولاج أبوبة
…
يخلط بالجد منه البر واللينا
ــ
ولعمري إن هذا الصلح ليس بخير، فالأحسن أن يقال - كما في "النهاية الأثيرية"-: لإن فيه قولين لأهل اللغة:
[أحدهما] قول "للفراء" وهو ما ذكره المصنف وصاحب "أدب الكاتب" في أحد البابين.
والآخر: قول "الزجاج" وعليه مشى في باب آخر، وعلى كل حال فما هنا غير متفق عليه.
(وقالوا: فعل به ما ساءه وناءه) أي أثقله، وقال "الزمخشري" في شرح مقاماته: ناء به أماله، ومنه {لتنوء بالمعصبة} [القصص: 77] أي تميلهم لثقلها فلا يقدرون على النهوض، ومنه قولهم: أفعل كذا على ما يسؤوه وينوؤه. قال "الفراء": أراد ينيئه، ولكن قال ينوؤه للازدواج، ويجوز أن يكون اتباعا للتأكيد لا غير.
أقول: هذا بناء على ما اختاره من جواز العطف في الاتباع وبعضهم يمنعه، ففيه اختلاف كما قال "ابن فارس" في فقه اللغة: حياك الله وبيلك، معنى بياك أضحكك، وقيل: هو اتباع، وقول "العباس": زمزم لشاربها حل وبل بمعنى مباح وشفاء، وقيل: هو اتباع. وقال في "المزهر": عندي أنه ليس باتباع لأنه لا يكاد يكون بالواو، مع أنه لما سرد أمثلته أتى فيها بأمور كثيرة معطوفة، ثم إن الاتباع على قسمين:
- ما لا معنى له أصلا غير التقوية كحسن بن.
فجمع الباب على أبوبة ليزاوج لفظ أخبية.
ــ
- وما له معنى ظاهر كقسيم وسيم، أو غير ظاهر كشيطان ليطان، أي لاصق بالشر، وهو كما قال "ابن فارس": إما معرب بإعرابه كسحن بسن، أو مركب معه كحيص بيص فإنه اتباع، كما صرح به "ابن فارس".
- وقد يكون بأكثر من لفظ وفي غير الأسماء نحو: لا بارك الله فيك ولا تارك ولا دارك.
قال "ابن الدهان" في "الغرة": وهو عند الأكثرين قسم من التأكيد، وبعضهم، وهو الأكثر، جعله قسما من التوابع على حدة، لجريانه على المعرفة والنكرة.
قلت: إذا كان تأكيدا يحتمل أن يكون معنويا ولفظيا على أنه أبدل منه حرف لدفع صورة التكرار كما أشار إليه "الرضي".
(وقالوا: هو رجس نجس، فإذا أفردوا لفظ نجس ردوه إلى أصله، كما قال تعالى:{إنما المشركون نجس} [التوبة: 28].
يعني أن نجس بكسر أوله وسكون ثانيه إنما يكون لأجل مقارنته للرجس، فإنه موضوع على هذه الزنة ابتداء، وقد سبق المصنف إلى هذا غيره، وفي "طلبة الطلبة": النجس بالكسر والسكون اتباع للرجس على نظمه، فإذا أفردوا قالوا: نجس بفتح النون والجيم إذا أرادوا الاسم فإذا أريد النعت [به] فهو بفتح النون وكسر الجيم. اهـ.
وهو مردود لثبوت ما يخالفه، وقد قال "ابن هشام": إنه لا يثبت ما ذكروه من الازدواج، وإنما يتم لو كانوا في حال المقارنة لم يقولوا نجس بفتحة وكسرة، وحينئذ يكون الازدواج والمشاكلة، فإنما هو في التزام ذلك، وإلا فكل اسم على وزن [فعل] يجوز فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جوازا مطردا فتح أوله وكسر ثانيه على الأصل نحو كتف، ويجوز تسكين عينه مع فتح، فإنه يقال: كتف بوزن ضرب، يجوز كسر أوله مع سكون ثانيه فيقال كتف بوزن علم، فإن كانت عينه حرف حلق كفخذ ففيه لغة رابعة وهي اتباع الحرف لحركة العين لقوتها) فإذا جاز هذا فيه فالازدواج بالتزامه لا بأصله، وفيه حينئذ مسامحة ما.
(وكذلك قالوا للشجاع الذي لا يزايل مكانه: أهيس أليس، والأصل في الأهيس الأهوس لا شتقاقه من هاس يهوس إذا دق، فعدلوا به إلى الياء ليوافق أليس).
في "الصحاح" قال "الأصمعي": يقال: حمل فلان على عسكرهم فهاسهم مثل حاسهم أي داسهم، والأهيس: الشجاع مثل الأهوس، وكذا في "القاموس"، ولذا ذكره في الياني والواوي، فما قاله المصنف ليس بمسلم عند أهل اللغة.
ثم ذكر من الازدواج ما ورد في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" - مأزورات من الوزر فقياسه موزورات، وإنما همز ليشاكل مأجورات من الأجر، إلا أن "أبا علي" قال في "التذكرة": لا يصح أن يكون هذا القلب هنا للإتباع، لأنه إنما يتأتى إذا جاء الأول على القياس والإتباع في الثاني، وإنما قال مأزورات على حد قولهم يأجر، ويعني أبدلت همزة كما في يأجر من غير اتباع، والظاهر أنه لا يلزم على حد قولهم يأجر، ويعني أبدلت همزة كما في يأجر من غير اتباع، والظاهر أنه لا يلزم تقدم الجاري على القياس فيما نحن فيه، وقد صرح بهذا علماء البيان في المشاكلة، واستشهدوا له بقوله:
(أوما إلى الكوماء: هذا طارق
…
تنحرني الأعداء إن لم تنحري)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا من حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم للنساء في نهيهن عن زيارة القبور، ثم أذن فيها بعد، فالحديث منسوخ.
(أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن شر كل عين لامة).
الشاهد في قوله لامة، فإنه كان قياسه ملمة لكنه غير للازدواج، وليس بمسلم أيضا.
قال "ابن بري": عين لامة أي ذات لمم واللمم الجنون، وأصابه من الجن لمة، وقد تكون لامة من لم به إذا زاره لغة في ألم به. وفي "القاموس": العين اللامة المصيبة بسوء وكل ما يخاف من فزع أوشر. وعلى هذا فلا ازدواج، والكلمات التامة فسرت بالقرآن.
ومثله قول امرأة من العرب: من حفنا أو رفنا فلينزل، أي من خدمنا ومدحنا أو أطعمنا فلينزل عندنا فإننا نكرمه، وكان الأصل رفانا.
وفي "القاموس": من حفنا أو رفنا فليقصد، أي من طاف بنا واعتنى بأمرنا أو خدمنا ومدحنا فلا يغلون، ومنه قولهم: ما له حاف ولا راف، وذهب من كان يحفه ويرفه.
وفي "الصحاح" أيضا - بعدما ذكر هذا المثل - قال: أي من خدمنا أو تعطف علينا وحاطنا، وذكر في مادة (ر ف ف): وقد رففت أرف بالضم، وفلان يرفنا أي يحوطنا.
(وفي المثل الخ
…
) وظاهره أنه ليس من الازدواج، وفي "المجمل" يقال: ما لفلان حاف ولا راف، فالحاف الذي يضمه والراف الذي يطعمه، ورف فلان بفلان أكرمه.