الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[115]- عيرته كذا لا بكذا
ويقولون: عيرته بالكذب، والأفصح أن يقال: عيرته الكذب بحذف الباء، كما قال «أبو ذؤيب»:
(وعيرتي الواشون أني أحبها
…
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها)
عبد الله بن الزبير يتمثل بعجز هذا البيت
وتمثل بعجز هذا البيت «عبد الله بن الزبير» حين ناداه أهل الشام لما حصر في المسجد الحرام: يابن ذات النطاقين. فقال: إيه والله، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
أي زائل عنك، والعرب تقول: اللؤم ظاهر عنك والنعمة ظاهرة عليك، أي ملازمة لك. وجاء في تفسير قوله تعالى:{أم تنبئونه بمالا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} أي بباطل من القول، ولم يسمع في كلام بليغ ولا شعر فصيح
ــ
(ويقولون: عيرته بالكذب، والأفصح أن يقال: عيرته الكذب بحذف الباء) قال «ابن بري» : قد جاء تعدية عيرته بالياء في كلام فصحاء من العرب كقول «عدي بن زيد»
(أيها الشامت المعير بالشيب
…
أأنت المبرأ الموفور)
تعدية عيرته بالباء. فأما من روى بيت «المقنع الكندي» :
(يعيرني بالدين قومي وإنما
…
تدينت في أشياء تكسبهم حمدا)
فهو تحريف من الراوي في الرواية، والرواية الصحيحة: يعاتبني في الدين قومي.
ــ
وقال أيضاً:
(أيها الشامت المعير بالشيب
…
أقلن بالشباب افتخارا)
وقال «الصلتان» «لجرير» :
(أعيرتنا بالنخل إن كان مالنا
…
لود أبوك الكلب لو كان ذا نخل)
ثم إنه لا شاهد له فيما أنشده على تعديه بنفسه لاطراد حذف الجار مع أن وإن، والشاهد قول «حميد بن ثور»
(أعيرتنا ألبانها ولحومها
…
وذلك عار «يابن ريطة» ظاهر)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول «ليلى» [الأخيلية]» أعيرتني داء بأمك مثله
…
مع أبيات أنشدها، ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد، وإذا اتسع الخاتم سقط.
ثم إن قوله: (الأفصح) ينافي قوله: (لم يسمع في كلام بليغ ولا شعر فصيح)، وذكر الإمام «المرزوقي» أنهما جائزان، وكذا في شرح «البخارى»: غيرته نسبته إلى العار وعيبته، يقال: عيرته كذا وبكذا.
وقوله: (عيرتني
…
البيت) هو من قصيدة «لأبي ذؤيب الهذلي» يرثي بها بعض قومه أولها:
(هل الدهر إلا ليلة ونهارها
…
إلا طلوع الشمس ثم غيارها)
(أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت
…
تحرق ناري بالشكاة ونارها)
(وعيرها الواشون أنى أحبها
…
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها)
يعني كما قال «المرزوقي» في شرح ديوانه: أنه يريد تشجيعها، ويقول [إن التعيير زائل عنك لأن مثلي لا يستنكف من صحبته، ويقال]: ظهرت لحاجتي وجعلتها بظهر أي لم تنظر فيها ولم تقضها، ويقال: أظهرت بها، وقوله (ظاهر) من هذا فهو بمعنى زائل لا بمعناه المشهور، وهو ظاهر لأخذه من جعلته بظهر، فهو في الأصل كناية عن تركه وزواله لا من الظهور، وهذا يتعدى بعن، وذاك باللام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأفاد المصنف أنه يكون بمعنى ملازم فيعدى بعلى، كما تقول العرب: اللؤم ظاهر عنك والنعمة ظاهرة عليك أي ملازمة، وهذا أيضاً من الكناية، ويجيء هذا بمعنى الغلبة، فيقال: ظهر على العدو وأظهره الله عليه، وبمعنى أطلع، ويكون بمعنى باطل كما فسر به قوله تعالى:{أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} والظاهر أنه من المعنى الأول.
وروى: تلك وعنك وفتح الكاف فالخطاب لنفسه، أي تلك شكاة زائل من ناحيتك عارها، أي عيب هذه المقالة لا يلزم إذا كانت من جهتك، ويبعد أن يكون يريد تسلية نفسه بقوله: ظاهر عنك، لقوله: وعيرها دون عيرني.
وإذا كسرت الكاف فهو ظاهر وفيه التفات، ويجوز أن يكون المعنى: أن اشتهارها بهذا الأمر محا عاره عنها لأن الأسماع قد ألفته والنفوس قد أنست به، فصار على تقرره وتكرره في القلوب، وقيام الناس وقعودهم بما يستعمله من العفاف فيه كالحلال والمباح، ويدل على [هذا] المعنى قوله فيما بعد:
(فإن أعتذر منها فإني مكذب
…
وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها)
(وقد تمثل بعجز هذا البيت «عبد الله بن الزبير» حيث نودي في المسجد الحرام في وقعته المشهورة: يابن ذات النطاقين، فقال: إيه وأبيه: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها).
أي ما عد من معايبه هو عنده من المآثر والمناقب لأنه من السعادة، كما قال «أبو عبادة»:
(إذا محاسني اللاتي أدل بها
…
كانت ذنوبي فقل لي: كيف أعتذر)
لأن أمه لقبت بذلك لما شقت نطاقها ليلة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت شقة منه لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخرى عصابة لقربته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي «ربيع الأبرار» أن «عبد الله بن أبي بكر» أتى إلى الغار ليلاً بالسفرة ومعه «أسماء» وما كان للسفرة شناق [فشقت] من نطاقها شقة وجعلتها شناقاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة.
وقيل: كان لها نطاقان تحمل في أحدهما الزاد إلى الغار، وقيل: كانت تظاهر بين نطاقين [لشدة التستر فسميت- رضي الله عنها ذات النطاقين].