الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[9](كلمات اتفق العرب على استعمالها)
ويقولون إذا زالت الشمس إلى أن ينتصف الليل: مسيت بخير، وكيف أمسيت؟ وجاء في الأخبار المأثورة أن النبي عليه الصلاة والسلام. كان إذا انفتل من صلاة الصبح قال لأصحابه: هل فيكم من رأى رؤيا في ليلته؟ وقد ضرب المثل في المتشابهين، فقيل: ما أشبه الليلة بالبارحة كما قال "طرفة":
(كل خليل كنت خاللته
…
لا ترك الله له واضحة)
(كلهم أروغ من ثعلب
…
ما أشبه الليلة بالبارحة)
ــ
نعم ما ذكر على التجوز، ومثله لا يعد غلطاً بل عدولٌ عن المختار وفي قوله الاختيار ما ينبه عليه.
قلت: روينا في "صحيح البخاري" عن "أبي هريرة"رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عنه".
وفي "صحيح مسلم" في الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا إلى آخره" وقال في شرح الصحيحين: إن ما ذكر يدل على صحة ما أنكره المصنف وفصاحته. [فقول المصنف وقد جاء في الآثار والأخبار] مخالفٌ للمزوي
ومعنى قوله: لا ترك الله له واضحة، أي لا أبقى الله له شيئاً، وقيل: بل أراد به المال الظاهر.
قال مؤلف هذا الكتاب الشيخ الأجل الرئيس الإمام "أبو محمد" رحمه الله: وقد خالفت العرب بين ألفاظٍ متفقة المعاني لاختلاف الأزمنة، وقصرت أسماء أشياء على وقتٍ دون وقت، كما سميت شرب الغداة صبوحاً وشرب العشية غبوقاً، وشرب نصف النهار قيلاً، وشرب أول الليل فحمة، وشرب السحر جاشرية،
ــ
في الصحيحين. فثبت أنه مختارٌ لصدوره عن المختار أفصح الناس. فتدبر.
(كلهم أروغ من ثعلب
…
ما أشبه الليلة بالبارحة)
هو من شعر "لطرفة بن العبد" الشاعر المشهور، قال "لعمرو بن هند" يلوم أصحابه في خذلانهم وهو بتمامه:
(يا حقبة السوء بنا أسجحن
…
قد كنت عن هضبتنا نازحة)
(أسلمني قومي ولم يغضبوا
…
لسوءةٍ حلت بهم فادحة)
(كل خليل كنت خاللته
…
لا ترك الله له واضحة)
(كهم أروغ من ثعلب
…
ما أشبه الليلة بالبارحة)
و"أروغ من ثعلب": مثل يضرب لمن يكثر تقلبه فلا يثبت على حال ولا يدوم على مودة، وروغان الثعلب وهو الحيوان المعروف أن يحيد وينثني في جريه، وقوله: ما أشبه الليلة [بالبارحة] مثل آخر.
وكما قالوا: إن السراب لا يكون إلا نصف النهار، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، والمقيل: الاستراحة وقت الهاجرة، والسمر حديث الليل خاصة، والطروق الإتيان ليلاً في قول أكثرهم، والإذلاج بإسكان الدال سير أول الليل والاذلاج بالتشديد سير آخره، والتأويب سير النهار وحده، والسرى سير الليل خاصة، والمشرقة وشرقة الشمس لا تكون إلا في الشتاء، فإن عارض معارض بقوله سبحانه:{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فالجواب عنه أن المراد بذكر الليل،
ــ
قال في "نزهة الأنفس" يقال لكل اثنين اتفقا على خُلق واحد، لأن ظلمة إحدى الليلتين كظلمة الأخى، وأول من قاله "طرفة" وقد ضمنه "الصفي الحلي" فقال يدعو صديقاً كان زاره:
(شرفني أمس بنقل الخطا
…
حتى انقضت لي ليلةٌ صالحة)
(فعد بها حتى يقول الورى
…
ما أشبه الليلة بالبارحة)
(لا ترك الله له واضحة، أي لا أبقى له شيئاً، وقيل: بل أراد به المال الظاهر) لوضوحه بكونه مشاهداً محسوساً، وهو أقرب لفظاً، والأول أبلغ معنى، والواضحة: الأسنان أيضاً، وقد جوز أن يكون مراداً هنا أيضاً على أنه دعاء كقولهم: فض الله فاه.
ولما اختلف التعبير لاختلاف الزمان هنا استطرد المصنف فذكر أموراً جاءت عن العرب من هذا القبيل فقال: وقد خالفت العرب بين ألفاظ متفقة المعاني لاختلاف الأزمنة، وهو نبذ قليل مما استقصاه "الثعالبي" في كتابه "فقه اللغة وسر الأدب". ومما في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كتاب "الفوارق""لأبي هلال العسكري" وهو فن بديع في علم اللغة وإن وقع النزاع في أكثره كما سننبهك عليه قريباً.
(قالوا: إن الظل لا يكون إلا نصف النهار والفيء لا يكون إلا بعد الزوال)
في فصيح ثعلب: "الظل بالغداة والفيء بالعشي، وعليه كثير من أهل اللغة واستشهدوا بقول "حميد بن ثور الهلالي".
(فلا الظل من يرد الضحا نستطعيه
…
ولا الفيء من برد العشي يروق)
ولأنه من فاء إذا رجع، والظل رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، وأصل الظل مطلق الستر، فلذا أُطلق على ظلام الليل وظل الجنة، ولا حجة له في البيت لأن التفرقة فيه لئلا يتكرر لفظه لا للتخصيص، والدليل على استعمال الظل بالعشي قول "امرئ القيس":
(يفي عليها الظل في عرمضها طامي)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كذا في "شرح الفصيح" فما ذكره المصنف وإن اشتهر ليس بمسلم.
(الإدلاج) بإسكان الدال سير أول الليل، والادلاج بالتشديد سير آخره) لأهل اللغة في هذه اللفظة اختلاف وكلام، إجماله أن الدلجة بضم الدال وفتحها وسكون اللام وفتحها أيضاً، هل هي بمعنى أولاً؟
فقيل: هي بالضم لآخر الليل وبالفتح لأوله، وأدلج بالتخفيف سار أوله وقيل سار الليل كله، وبالتشديد سار آخر الليل وهذا هو الأكثر.
وقيل: يقال فيهما بالتخفيف والتشديد، وقيل الدلج كله من أوله إلى آخره وأي ساعة سرت من الليل فقد أدلجت على مثال أخرجت، والتفرقة بين أدلجت وأدلجت قول أهل اللغة إلا "الفارسي" فإنه قال هما بمعنى، وفي "الجامع": الدلجة والدلجة لغتان بمعنى وهما سير أول الليل، وكلاهما بمعنى عند أكثر العرب كبرهة وبرهة ويقال: أدلج الرجل يدلج إدلاجاً سار من أول الليل وادلج سار من آخره وفي "المنتهى" الاسم الدلج بالتحريك، وجمع الدلجة دلج من آخره وفي "المنتهى" الاسم الدلج بالتحريك، وجمع الدلجة دلج. وغلط "ابن درستويه" "ثعلبا" في تخصيصه التشديد بآخر الليل والتخفيف بأوله. وقال: هما عندنا جميعاً سير الليل [في كل وقت من أوله وآخره ووسطه، وهو إفعال وافتعال من الدلج، والدلج سير الليل بمنزلة السرى]. وليس في واحد من هذين المثالين دليل على شيء من الأوقات. ولو كان المثال دليلاً على الوقت لكان قول القائل الاستدلاج بزنة الاستفعال دليل الوقت، ولكان الاندلاج على الانفعال دليلاً لوقت آخر. وهذا فاسد. ولكن الأمثلة كلها عند جميعهم موضوعة لاختلاف معاني الأفعال في أنفسها، لا لاختلاف أوقاتها، وأما وسط الليل وآخره وأوله وسحره وقبل النوم وبعده فمما لا يدل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[عليه] الأفعال ولا مصادرها، ووافقه على هذا كثيرٌ من أهل اللغة، واحتج المفرقون بينهما بقول "الأعشى":
(وادلاج بعد المنام وتهجير وقفٌ وسبسب ورمال).
وقول "زهير":
(بكرن بكورا وادلجن بسحرة
…
فهن لوادي الرس كاليد للفم)
فلما قال "الأعشى" بعد المنام و "زهير" بسحرة ظنوا الاختصاص بما مر وهو وهم، فإن كل واحد من الشاعرين وصف ما فعله هو وخصصه دون ما فعله غيره، ولولا أن يكون بسحرة وبغيرها ما احتاج إلى ذكرها. وكذا قوله بعد المنام، ويؤيده أنهم يسمون القنفذ مدلجاً لأنه يدرج بالليل مطلقاً سواء أوله ووسطه وآخره، ورد هذا بأن كثيراً من المفرقين لم يذكروا البيتين، فيجوز أن يشبهوه بأمر [آخر] فإن أخذوه منهما فالصواب ما قاله "ابن درستوبه".
وأما ما قيل من أن الأفعال تختلف لاختلاف المعاني إلى آخره، فقد قال "أبو حيان": إن "الشلوبين" وغيره خالفوا في ذلك وقالوا: الأفعال تختلف أبنيتها لاختلاف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المعاني، والمعاني التي تختلف لها الأبنية ليست بمقصورة على شيء من المعاني، فما المانع من أن تدل وضعاً على بعض الأوقات كالصبوح والغبوق؟
والاعتراض بأن الدلالة على الزمان مخصوصة بصيغ الأفعال من ضيق العطن [وجدب الفطن].
قوله في الحديث: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى" لا دليل فيه لواحد من المسلكين كما لا يخفى.
(والمشرقة وشرقة الشمس لا تكون إلا في الشتاء) هذا من الألفاظ المخصوص استعمالها بمواضع مخصوصة، والمشرقة الموضع الذي تشرق عليه الشمس، وهي مشرقة ومشراق وهو موضع القعود في الشمس ولذا خُص بالشتاء لأن الجلوس في مشارق الشمس إنما يكون فيه، ولذا قالوا:[الشمس] قطيفة المساكين فإن عارض معارض بقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فالجواب: أن المراد بذكر الليل الإخبار عن أن الإسراء وقع بعد توسطه لئلا بلغو ذكر الليل، إذ الإسراء والسرى يختص به كما ذكره المصنف وهذا الوجه ارتضاه الإمام "المرزوقي". ولأهل المعاني والتفسير في الآية وجه آخر، وهو أن ليلاً منصوب على الظرفية وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء، ولذلك قرى من الليل، وفي الآية نكات أخر مفصلة في محلها.
الإخبار عن أن الإسراء وقع بعد توسطه، كما يقال: جاء فلان البارحة بليل، إذا جاء بعد أن مضى قطع منه ومما ينتظم في سلك هذا السمط قولهم: ظل يفعل كذا وكذا إذا فعله نهاراً، وبات يفعل كذا وكذا إذا فعله ليلاً، وغور المسافر إذا نزل وقت
ــ
(ظل يفعل كذا وكذا إذا فعله نهاراً) هذا أصل وضعه، وقد يأتي من غير دلالة على وقت معين مجازاً، ما قالوه في قوله تعالى {فظلتم تفكهون} .
(غور المسافر إذا نزل وقت القائلة) التغوير إتيان الغور والقيلولة وعن "أبي عبيدة"[يقال] للقائلة الغائرة.
(نفشت السائمة في الزرع إذا رعته بالليل وتهجد المصلى إذا تنفل في ظل الليل). قال "الجوهري": نفشت الإبل والغنم تنفش نفوشاً إذا رعت ليلاً بلا راع والهمل يكون ليلاً ونهاراً وظل الليل بمعنى ظلمته استعارة، والتهجد التنفل خص بنافلة الليل، وقيل هو من الهجود أي النوم، والتفعيل فيه للسلب كالأفعال في أعجمت الكتاب على قول.
(وكتسميتهم الشمس في وقت ارتفاعها الغزالة وعند غروبها الجونة حتى امتنعوا أن يقولوا: طلعت الجونة كما لم يسمع عنهم غربت الغزالة) كون الغزالة مخصوصة بما ذكر غير متفق عليه عند أهل اللغة، وفي القاموس: غزالة كسحابة: الشمس لأنها تمد حيالها كأنها تغزل، أو الشمس عند طلوعها أو عند ارتفاعها أو عين الشمس، وكذا الجونة فسرها بعض اللغويين بالشمس من غير قيد، وقال "البطليوسي" في شرح "سقط الزند": سميت الشمس غزالة لدورانها كالمغزل، قال "المعري":
(الغزل والردن للغواني
…
خلقان عدا من الجزالة)
(والشمس غزالة ولكن
…
خففت الزاي في الغزالة)
القائلة، وعرس الساري إذا نزل آخر الليل للاستراحة، ونفشت السائمة في الزرع إذا رعته بالليل، وتهجد المصلي إذا تنفل في ظل الليل.
وكتسميتهم الشمس في وقت ارتفاعها: الغزالة، وعند غروبها الجونة: حتى
ــ
يشير إلى ما يرى من شعاعها كالخيوط في شدة الحر، وتسميه العرب خيط باطلٍ.
ولعاب الشمس كما قال "المعري" أيضاً:
(وحبل الشمس مذ خلقت ضعيف
…
وكم فنيت بقوته حبال)
وفي فقه اللغة "للثعالبي" لا يقال للشمس: الغزالة إلا عند ارتفاع النهار، وفي حواشي فقه اللغة "للميداني" أنه غير صحيح وما يدل على بطلانه قول العرب: ذر قرن الغزالة، لأن ذرور قرنها لا يكون إلا في أول طلوعها، وعليه قول "ذي الرمة":
(توضحن في قرن الغزالة بعدما
…
ترشفن دارات الرهام الركائب)
امتنعوا أن يقولوا: طلعت الجونة كما لم يسمع عنهم غربت الغزالة وأنشدت ليوسف الجوهري البغدادي:
(وإذا الغزالة في السماء ترفعت
…
وبدا النهار لوقته يترجل)
(أبدت لقرن الشمس وجهاً مثله
…
يلقى السماء بمثل ما تستقبل)
ــ
وقال "ابن خالويه" يقال طلعت الغزالة ولا يقال غربت، إنما يقال غربت الجونة. وسميت جونة لأنها تسود عند المغيب، والجون الأسود وهو من الأضداد أيضاً فثبت بهذا أن الغزالة اسم للشمس في أول طلوعها، والغزالة تكون أيضاً اسماً للوقت المرتفع من النهار وذلك الوقت أول الضحى.
قال الراجز: (يسوق بالقوم غزالات الضحى)
وهذا سبب غلطه اهـ.
وتبعه من قال: إن المصنف غلط في ذلك وفي مخالفة قوله في المقامات لما ذر قرن الغزالة طمر طمور الغزالة أقول: ما ذكره "الميداني" ومن تبعه ناشي من عدم التدبر، فإن المراد مما ذكره المصنف كغيره من أهل اللغة أن الغزالة اسم للشمس في أول النهار إلى الارتفاع بدليل ما يقابله - وإن تسمحوا في العبارة- لا أنها تختص بالارتفاع دون ما قبله وما بعده كما توهمه المعترض، ثم إن الغزالة تكون مؤنث الغزال أيضاً وهو معنى مشهور، وقد ورد في كلام العرب نظماً ونثراً قديماً وحديثاً، وأنكره "الصفدي" في شرح "لامية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العجم، وقال لم يسمع إلا بمعنى الشمس، وقد رده "الدماميني" وأورد له شواهد، ولولا خوف الإطالة ذكرناه برمته ولولا صحته لم تعقد التورية في مثل "الشهاب محمود" في العقاب:
(ترى الطير والوحش في كفها
…
ومنقارها ذا عظام مزاله)
(ولو أمكن الشمس من خوفها
…
إذا طلعت ما تسمت غزالة)
(وبدا النهار لوقته يترجل) بالجيم مضارع ترجل النهار إذا ارتفع. قال:
(وهاج بها لما ترجلت الضحى
…
عصائب شتى من كلاب ونائل)