الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[48]- صحة جمع رحى وقفا
ويقولون في جمع رحى وقفا: أرحية وأقفية، والصواب فيهما أرحاء وأقفاء، كما روى "الأصمعي" أن أعرابيا ذم قوما فقال: أولك قوم سلخت أقفاؤهم بالهجو، ودبغت جلودهم باللؤم [وأنشد "ابن حبيب":
(دعتني النساء الهاملات عيونها
…
وما لي من بعد النساء بقاء)
(على حالة لا يعرف الكلب أهله
…
لهن أنين تارة وعواء)
(فقلت لهم: خلوا سبيل نسائنا
…
فقالوا: وأنى للذليل نساء؟ )
(فقلت: أبينا ما يقولون إننا
…
بنو الحرب فينا للإباء إباء)
(إذا الحجفات السمر كن وقاءكم
…
فليس لنا إلا الصدور وقاء)
(فولوا بأقفاء الإماء كأنهم
…
لدى الروع معزى ما لهن رعاء)
ــ
(ويقولون في جمع رحا وقفا: أرحية وأقفية، والصواب فيهما أرحاء وأقفاء).
قال "ابن بري": ما أنكره ورد السماع به، فقالوا: أرحاء وأرحية، وأقفاء وأقفية كندى وأنجية وسدى وأسدية ولوى وألوية وشرى وأشرية، وهذا مما حملوا فيه المقصور على الممدود، كما عكسوا فقالوا: هباء وأهباء وأحياء وفناء وأفناء ودواء وأدواه. وأيضا رحا وقفا سمع فيهما المد، فيكون هذا على لغة من مدهما، وعلى كل حال "فإذا جاء نهر الله يطل نهر معقل" وما بعد السماع إلا ما يصم الأسماع ويعني الطباع.
وإنما جمع رحى وقفا على أرحاء وأقفاء لأنهما ثلاثيان، والثلاثية على اختلاف صيغها تجمع على أفعال لا على أفعلة، وإنما فعال على اختلاف فائه يجمع على أفعلة نحو قباء وأقبية وغراب وأغربة وكساء وأكسية، وعلى معادل هذا الأصل لا يجمع ندى على أندية، فأما قول "ابن محكان":
(في ليلة من جمادى ذات أندية
…
لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا)
فقد حمله بعضهم على الشذوذ، وبعضهم على وجه ضرورة الشعر، وقال آخرون: بل هو جمع الجمع، فكأنه جمع ندى على نداء مثل جمل وجمال، ثم جمع نداء على أندية مثل: رشاء وأرشية. وجوز "أبو علي القارسي" أن يكون جمع ندى على أند
ــ
(روى "الأصمعي" أن أعرابيا ذم قوما فقال: أولئك قوم سلخت أقفاؤهم بالهجاء ودبغت جلودهم باللؤم) وتتمته: فلباسهم في الدنيا الملامة وفي الآخرة الندامة، وهو من بديع الاستعارة.
ومن فصول رسائلي في بعض الناس: لحومهم لست تلاك بفم الغيبة، ولا أعراضهم تهجم عليها الظنون المريبة، لا حسب ولا نسب؛ فباهلة عندهم قريش العرب.
(ماذا يفيد الذم من معشر
…
ذكرهم في كل حلق شجا)
(جلودهم باللؤم مدبوغة
…
من بعدما قد سلخت بالهجا)
فأما قول "ابن محكان":
(في ليلة من جمادي ذات أندية
…
لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا)
فهو "مرة بن محكان التميمي" من شعراء "الحماسة" وهذا البيت من قصيدة له، وقبله:
كما يجمع فعل على أفعل نحو زمن وأزمن، ثم ألحقه علامة التأنيث التي تلحق الجمع في مثل قولك ذكورة وجمالة، فصار حينئذ أندية.
وكان "أبو العباس المبرد" يرى أنه جمع "ندي" وهو المجلس لا جمع ندى، واحتج في ذلك بأن عادة العرب عند اختلاف الأنواء وإمحال السنة الشهباء أن تبرز أماثل كل قبيلة إلى ناديهم، فيواسوا بفضلات الزاد ويصرفوا ما يقمر في الميسر إلى محاويج الحي، وهذا هو نفع الميسر المقرون بنفع الخمر في قوله تعالى:{وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219].
ــ
(يا ربة البيت قومي غير صاغرة
…
أمي إليك رجال القوم والقربا)
والمراد بجمادي زمن جمود الماء، وخص الكلب لأنه أبصر الحيوانات ولأنه يربض عند الخباء، وما ذكره من أن أندية جمع الندى قول، وقد وجه بأنه لما كان بمعنى الرذاذ والرشاش الذي يجمع هذا الجمع حمل على نظيره الذي هو بمعناه، وكان "المبرد" يقول: هو جمع ندي - فعيل - بمعنى مجلس، لأنهم كانوا في الشتاء والقحط يجلسون للنظر في أحوال الضعفاء، فلا وجه لما قيل من أنه غير مناسب لمعنى هذا الشعر.
وقيل: إنه جمع ندى على نداء بزنة كساء، ثم جمع هذا على أندية، ورده "السهيلي" بأن فعالا جمع كثرة فلا يجمع هذا الجمع الذي هو للقلة، وقيل: هو أفعل بالضم كزمن وأزمن فكسر لاعتلال آخره، ثم لحقته تاء المبالغة، قاله "المرزوقي". وقال آخرون: هو جمع الجمع، وقد سمعت آنفا ما يرد به "السهيلي" فتذكر، فإن الذكرى تنفع.