الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[72]- إدغام الحرف المضعف
ويقولون: سارر فلان فلانًا وقاصصه وحاججه وشاققه، فيبرزون التضعيف كما يظهرونه في مصادر هذه الأفعال أيضًا، فيقولون: المساررة والمقاصصة، والمحاججة والمشاققة، ويغلطون في جميع ذلك لأن العرب استعملت الإدغام في هذه الأفعال لاستخفاف اللفظ، واستثقالاً للنطق بالحرفين المتماثلين، ورأيت أن إبراز الإدغام بمنزلة اللفظ المكرر، والحديث المعاد، ثم لم يفرقوا بين ماضي هذه الأفعال ومستقبلها وتصاريف مصادرها فقالوا: سارره يساره مسارة وحاجه يحاجه محاجة.
وقالوا في نوع آخر منه: تصام عن الأمر، أي أرى أنه أصم، وتضام القوم أي انضموا، وتراص المصلون أي تلاصقوا، وعلى هذا حمل مثل هذا الكلام، كما جاء في القرآن:«وحاجه قومه» وورد فيه «لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم
ــ
(ويقولون: سارر فلان فلانًا وقاصصه وحاججه وشاققه، فيبرزون التضعيف كما يبرزونه في مصادر هذه الأفعال) إلى آخر ما ذكره وهو ظاهر.
وفي "الحواشي": مما رويناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليت شعري أيتكن صاحبه الجمل [الأدبب] تخرج - أو قال: تسير - حتى تنبحها كلاب الحوءب" والأدبب هو الأدب.
أقول: إن أراد المصنف الاعتراض بهذا فليس بشيء، فقد قال في "التسهيل": إنما جاز فك الإدغام لموازنة الحوءب ومشاكلته، والمشاكلة تسوغ في الكلمات غير مالها، والأدب بدال مهملة وباء موحدة مشددة - وفكه لما ذكرناه - الجمل الكثير وبر الرأس، ووقع في بعض النسخ الأزب بالزاي المعجمة وهو الكثير الشعر.
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله» فاشتملت هذه الآية على الإدغام في الفعلين الماضي والمستقبل. وهذا الحكم مطرد في كل ما جاء من الأفعال المضاعفة على وزن فعل وأفعل وفاعل وافتعل وتفاعل واستفعل، نحو مد الحبل وأمد وماد وامتد وتماد واستمد، اللهم إلا أن يتصل به ضمير المرفوع، أو يؤمر فيه جماعة المؤنث، فيلزم حينئذ فك الإدغام في هذين الموطنين، لسكون آخر الحرفين المتماثلين، كقولك، زددت ورددنا ونظائره، وكقولك في الأمر لجماعة المؤنث: ارددن وامددن، وقد جوز الإدغام والإظهار في الأمر للواحد كقولك: رد واردد، وقاص وقاصص واقتص واقتصص، وكذلك جوز الأمران في المجزوم كما قال تعالى في سورة المائدة:«من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه» وفي سورة أخرى «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر» كما قال سبحانه «ومن يشاق الله» وفي موطن آخر «ومن يشاقق الله» فأما فيما عدا هذه المواطن المذكورة فلا يجوز إبراز التضعيف إلا في ضرورة الشعر كما قال راجز في الاسم:
(إن بنى للئام زهده
…
مالي في صدورهم من موددة)
فأظهر التضعيف في مودة لإقامة الوزن وتصحيح البيت ومثله قوله "قعنب بن أم صاحب" في الأفعال:
(مهلاً أعاذل قد جربت من خلقي
…
إني أجود لأقوام وإن ظننوا)
أراد ظنوا ففك الإدغام للضرورة.
وقد شذ منه قولهم قطط شعره من القطط ومششت الدابة من المشش، ولججت عينه أي التصقت، وألل السقاء إذا تغيرت رائحته، وضبب البلد إذا كثر ضبابه، وصككت الدابة من الصكك في القوائم. وكل ذلك مما لا يعتد به ولا يقاس عليه.
ــ