الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[85]- الرؤيا والرؤية
ويقولون: سررت برؤيا فلان. إشارة إلي مرآه فيوهمون فيه كما وهم (أبو الطيب) في قوله (لبدر بن عمار) وقد سامره ذات ليلة إلي قطع من الليل:
(مضى الليل والفضل الذي لك لا يمضي
…
ورؤياك أحلى في الجفون من الغمض)
والصحيح أن يقال: سررت برؤيتك لأن العرب تجعل الرؤية لما يري في اليقظة. والرؤيا لما يري في المنام. كما قال سبحانه إخباراً عن (يوسف) عليه السلام {هذا تأويل رؤياي من قبل} .
ويجانس هذا الوهم قولهم: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب فيه أن يقال: بصرت بهذا الأمر، لأن العرب تقول أبصرت بالعين وبصرت من البصيرة. ومنه قوله تعالى {بصرت بما لم يبصروا به} وعليه فسر قوله تعالى {فبصرك اليوم حديد} أي علمك بما أنت فيه اليوم نافذ. وإلي هذا المعنى يشار بقولهم: هو بصير بالعلم.
ــ
(ويقولون: سررت برؤيا فلان. إشارة إلي مرآه فيوهمون فيه كما وهم (أبو الطيب)).
هذا بناء على أن رأي مشترك ففرقوا بين المصدرين فيه، فيقولون لما يري في اليقظة: رآه رؤية، ولما يري في النوم والحلم: رآه رؤيا، وفية ثلاثة أقوال لأهل اللغة:
أحدهما: ما ذكره المصنف.
والثاني: أنهما بمعني فيكونان يقظة ومناماً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثالث: أن الرؤية عامة، والرؤيا تختص بما يكون في الليل ولو يقظة، فقول (المتنبي) (لبدر بن عمار) وقد سامره في بعض الليالي:
(مضي الليل والفضل الذي لك لا يمضي
…
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض)
على أحد الأقوال محتاج إلي التأويل، ولهذا قيل: حقه أن يقول: ولقياك بدل رؤياك. فهو على هذا استعارة، شبه الحلم لاستقرابه كأنه لا يتيسر لمثله حقيقة مسامرته، أو هو مجاز مرسل لوقوع الرؤيا غالباً ليلاً، وقال (ابن بري) الرؤيا- وإن كانت في المنام- فالعرب استعملتها في اليقظة كثيراً، فهو مجاز مشهور كقول (الراعي):
(ومستنبح تهوي مساقط رأسه
…
على الرحل في طخياء طمس نجومها)
(رفعت له مشبوبة عصفت لها
…
صبا تزدهيها مرة وتقيمها)
(فكبر للرؤيا وهش فؤاده
…
وبشر نفساً كان قبل يلومها)
وعليه أكثر المفسرين في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} يعني ما رآه ليلة المعراج يقظة على الصحيح.
وقيل إن (المتنبي) أراد أنه رآه يقظة مع أن رؤياه في النوم ألذ من الغمض والنوم وهو بعيد من السياق. وفي (الروض الأنف) الرؤيا تكون بمعنى الرؤية، كما في قول (الراعى)، والغمض تطبيق الجفن على العين، ويكني به عن النوم، وقوله: اليقظة بفتحات وتسكين القاف. قالوا: إنه ضرورة كقول (التهامي):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(فالعيش نوم والمنية يقظة
…
والمرء بينهما خيال ساري)
(ويجانس هذا الوهم قولهم: أبصرت هذا الأمر قبل حدوثه. والصواب فيه أن يقال: بصرت بهذا الأمر، لأن العرب تقول أبصرت بالعين وبصرت من البصيرة)
ليس هذا كما زعم لاستعمال كل منهما بمعني [الآخر]. وقال (ابن بري): قوله تعالى: {فبصرت به عن جنب} بمعني أبصرته، وفي المثل:(لأرينك لمحاً باصراً) فسر باصراً فيه بمبصر كطائع ومطيع، ونائل وناصب بمعني منيل ومنصب، وقال (أبو عبيدة) في كتاب (المجاز): بصرت به وأبصرته بمعنى، وفي الحديث (فبصر بحماره) أي أبصره.
والتبصر يكون بمعني التأمل. قال (الزمخشري) في شرح مقاماته: التبصر التأمل وطلب الإبصار، وقال (زهير):
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ........