الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[183]- قولهم: هاون وراوق
ويقولون: هاون وراوق، فيوهمن فيهما؛ إذ ليس في كلام العرب فاعل والعين منه واو، والصواب فيهما: هاوون وراووق لينتظمها فيما جاء على فاعول مثل قارون [وفاروق] وماعون وعليه قول "عدي بن زيد العبادي":
(ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت
…
قينة في يمينها إبريق)
(قدمته على عقار كعين الديك
…
صفى سلافها الراووق)
حكاية بديعة:
ولهذه القطعة حكاية تنشر مآثر الأجواد وترغب المتأدب في الازدياد، وهي ما حكاه "حماد الراوية" قال: كنت منقطعاً إلى "يزيد بن عبد الملك" وكان أخوه
ــ
(ويقولون: هاون وراوق فيوهمن فيهما، إذ ليس في كلام العرب فاعل بفتح العين كخاتم والعين منه واو، والصواب أن يقال فيهما: هاوون وراووق لينتظمها على فاعول مثلي: فاروق وماعون).
في "الحواشي" ذكر "ابن قتيبة" في باب الأسماء الأعجمية الطابق والطاجن والهاون، وكذا ذكره "الجوهري" وقال: أصله هاوون فحذفت منه الواو الثانية استثقالاً لاجتماع واوين، فبقي هاون بضم الواو، فقالوا هاون بالفتح لأنه ليس في كلامهم فاعل بضم العين. اهـ
فقد ثبت أن أنكره صحيح، ومثله من الأسماء الأعجمية "لاوذ بن نوح" و"لاون" عالم رومي، وإنما قال "الجوهري": أصله هاوون لأنه جمع على هواوين كقانون وقوانين لا أنه الصحيح دون غيره كما توهمه المصنف، لأن فاعل بالفتح كثير، وفي
"هشام" يجفوني لذلك في أيامه، فلما مات "يزيد" وأفضت الخلافة إلى "هشام" خفته، فمكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا لمن أثق به من إخواني سراً، فلما لم أسمع أحداً يذكرني في السنة أمنت فخرجت، فصليت الجمعة في "الرصافة" فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا: يا حماد، أجب الأمير "يوسف بن عمر" فقلت في نفسي: من هذا كنت أخاف، فقلت: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودعهم ودلع من لا يرجع إليهم أبداً [ثم أصير معكما إليه؟ ] فقالا: ما إلى ذلك من سبيل، فاستسلمت في أيديهما.
وصرت إلى "يوسف بن عمر" وهو في الإيوان الأحمر فسلمت عليه، فرد علي السلام، ورمى إلي كتاباً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن هشام أمير إلى يوسف بن عمر، أما بعد، فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية
ــ
الأسماء الأعجمية كبابك ولامك، ويجيء في المعتل أيضاً كما سمعت، ويقال: هاوون أيضاً بواوين كما في "القاموس" وغيره.
ثم ذكر (حكاية تنشر مآثر الأجواد وترغب المتأدب في الازدياد، وهي ما حكى "حماد" الرواية).
"حماد" بتشديد الميم ابن "أبي ليلى ميسرة أبو القاسم" الكوفي المعروف بالرواية لكثرة روايته للأخبار والأشعار، وكان خبير بأيام العرب في عهد بني أمية، وكانوا يقدمونه ويؤثرونه، وقد اتهم بالكذب والزندقة.
جمعه المعلقات: وهو الذي جمع السبع المعلقات، وسميت المعلقات لأنهم كانوا إذا أنشدوا شعراً في مجامعهم يقول كبراؤهم: علقوها إشارة إلى أنه مما ينبغي أن يحفظ، وما قيل من أنها علقت بالكعبة لا أصل له، كما قاله "ابن النحاس".
"والرصافة" بضم الراء ببغداد، [والغرز بغين معجمة وراء مهملة ساكنة للإبل بمنزلة الركاب للخيل، وقوراء بقاف وراء مهملة ممدودة بمعنى واسعة].
من يأتيك به من غير تروع ولا تتعتع وادفع إليه خمسمائة دينار وجملاً مهريا يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق.
فأخذت الدنانير، ونظرت فإذا جمل مر حول فجعلت رجلي في الغرز، وسرت اثنتي عشرة ليلة حتى وافيت دمشق، ونزلت على باب "هشام" فاستأذنت فأذن [لي] فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام وبين كل رخامتين قضيب من ذهب، و"هشام" جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب حمر من الخز وقد تضمخ بالمسك والعنبر، فسلمت فرد على السلام، واستدناني فدنوت حتى قبلت رجله، فإذا جاريتان لم أر مثلهما قط، في أذني كل واحدة منهما حلقتان فيهما لؤلؤتان تتوقدان فقال لي: كيف أنت يا حماد؟ وكيف حالك؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين،
ــ
وقوله: أجب الأمير "يوسف بن عمر". هو "الحجاج". قد أخطأ المصنف في هذا. قال "ابن خلكان": لا يمكن أن تكون هذه الواقعة مع "يوسف بن عمر الثقفي" لأنه لا يمكن أن يكون والياً بالعراق في التاريخ المذكور في كلام "الحريري".
ثم الشعر فيه ما يحتاج إلى التفسير كقوله: موثوق أي محبوس من الوثاق، وفي بعض النسخ مرهوق وهو بمعناه، وقوله: فدمته بالفاء وتشديد الدال المهملة أي وضعت عليه الفدام بالكسر وهو ما يوضع على فم الإناء ليصفى ما فيه، والتصفيق المزج،
فقال: أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا، قال: بعثت إليك لبيت خطر بالي لم أدر من قائله. قلت: ما هو؟
فقال:
(ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت
…
قينة في يمينها إبريق)
فقلت: يقول "عدي بن زيد" في قصيدة له. قال: أنشدنيها فأنشدته:
(بكر العاذلون في وضح الصبح
…
يقولون لي: أما تستفيق؟ )
(ويلومون فيك يابنة عبد الله
…
القلب عندكم موهوق)
(لست أدري إذا أكثروا العذل فيها
…
أعدو يلومني أم صديق)
قال: وانتهيت فيها إلى قوله:
(ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت
…
قينة في يمينها إبريق)
(قدمته على عقار كعين الديك
…
صفى سلافها الراووق)
(مرة قبل مزجها فإذا ما
…
مزجت لذ طعمها من يذوق)
(وطفا فوقها فقاقيع
…
كالياقوت حمر يزينها التصفيق)
(ثم كان المزاج ماء سحاب
…
لا صرى آجن ولا مطروق)
قال: فطرب، ثم قال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية اسقيه فسقتني شربة
ــ
والصرى: المتغير، والمطروق: المورود، والراووق: مصفاة الشراب تعلق ليصفى بها، ولهذا أجاد "ابن الوكيل" في قوله:
(لم يصلب الراووق إلا أنه
…
قطع الطريق على الهموم وعاقها)
ويطلق على الشراب المروق أيضاً.
ويروى أنه أرسل إليه بدرة وقال له: استعن بها في سفرك ولم يكلفه الإقامة عنده لإساءته أدبه يطلب الجارية التي رآها [بين يديه] تخدمه.
ذهبت بثلث عقلي، فقال: أعده فأعدته فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه فسقتني فذهب ثلث آخر من عقلي، ثم قال: سل حاجتك، فقلت: كائنة من كانت؟ قال: نعم. قلت إحدى الجاريتين، قال: هما جميعاً لك بما عليهما وما لهما. ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت منها فلم أعقل حتى أصبحت والجاريتان عند رأسي، وإذا عشرة من الخدم مع كل واحد بدرة، فقال أحدهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: خذ هذه فانتفع بها في سفرك، فأخذتها والجاريتين وعاودت أهلي.