الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
132 - قولهم: أعطاه البشارة
ويقولون: أعطاه البشارة، والصواب فيه ضم الباء؛ لأن البشارة بكسر الباء ما بشرت به، وبضمها حق ما يعطي عليها، فأما البشارة بفتح الباء فإنها الجمال، ومنه قولهم: فلان بشير الوجه أي حسنة، وعند أكثرهم أن لفظة بشرته لا تستعمل إلا في الإخبار بالخير وليس كذلك، بل قد تستعمل في الإخبار بالشر كما قال سبحانه. {فبشرهم بعذاب أليم} .
والعلة فيه أن البشارة إنما سميت بذلك لاستبانة تأثير خبرها في بشرة من بشر بها، وقد تتغير البشرة للمساءة بالمكروه كما تتغير عند المسرة بالمحبوب، إلا أنه إذا أطلق لفظها وقع على الخير، كما أن النذارة تكون عند إطلاق لفظها في الشر، وعلى ذلك [قوله تعالى]:{الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .
ــ
(ويقولون: أعطاه البشارة، والصواب فيه ضم الباء، لأن البشارة بالكسر ما بشرت به، وبضمها ما يعطي عليها، فأما البشارة بفتح الباء فإنها الجمال) ومنه سمي بشير بمعنى حسن، والحق ما في "القاموس" من أن ما يعطاه المبشر بالكسر والضم، وهو ما ارتضاه "الكسائي" وتبعه "ابن السكيت" وكثير من أهل اللغة، وما ذكره المصنف مذهب فيه فلا وجه للتخطئة به.
وما ذكره من استعمال البشارة في الشر كما في قوله تعالى {فبشرهم بعذاب أليم} غير مرضى عند المحققين من أهل العربية وأصحاب المعاني، والآية عندهم من قبيل الاستعارة التهكمية، أو من باب: تحية بينهم ضر وجيع. وفيها مذهبان آخران، فقيل: إنها تعم الخير والشر، وقيل: إذا أطلق فهو مخصوص بالخير كما إذا قيد به، فإن
ونظيرها لفظة وعد تستعمل في الخير، كما قال. عز اسمه:{وعد لله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} وتستعمل أيضًا في الشر كما قال - تعالى -: {النار وعدها الله الذين كفروا} .
فإن أطلق لفظة [الوعد] أو لفظ وعد انصرف إلى الخير، كما تقول العرب في الشجر المورق: شجر واعد، تومى إلى أنه وعد بالإثمار، وكقولهم في المثل: أنجز حر ما وعد.
فأما الوعيد والإبعاد فلا يستعملان إلا في الشر كقول الشاعر:
(وإني إن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي)
ــ
قيد بمعمول جاز استعماله في الشر أيضًا.
وكذا اختلفوا في الوعد والإيعاد كما ذكره، ثم أنشدوا عليه:
(ولا يهرب ابن العم ما عشت صولتي
…
ولا أختشي من صولة المتهدد)
(وإني إذا أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إبعادي ومنجز موعدي)
قالوا: يجوز الخلف في الوعيد دون الوعد، كما في [هذا] الشعر وغيره، ويشهد له قوله تعالى {إن الله لا يخلف الميعاد} وكما قال الشاعر:
(إذا وعد الراء أنجز وعده
…
وإن أوعد الضراء فالمجد مانعه)
وهو الذي اختاره كثير من أهل السنة، وقال "الجبائي": لا يخلف الوعيد أيضًا
ونقيض لفظة البشارة لفظة المأتم، يتوهم أكثر الخاصة أنها مجمع المناحة، وهي عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر بدلالة قول الشاعر:
(رمته أناة من ربيعة عامر
…
نؤوم الضحا في مأتم أي مأتم)
أي في نساء أي نساء، ويروي: أي مأتم بالرفع على حذف الخبر، ويكون تقدير لكلام: أي مأتم هو؟
ــ
وإلا لزم الكذب في كلام أصدق القائلين، وأجيب عنه بأنه قاس الوعد على الوعيد وبينهما فرق، لأن الوعد حق عليه تعالى، والوعيد حق له، ومن أسقط حق نفسه فقد جاد وتكرم، فظهر الفرق وبطل القياس.
وفيه أنه لم يدع القياس وإنما رده بلزوم المحال في صدور الكذب من ذي الجلال، ولهذا قيل: إنه إنما يتم لو كان الوعيد ثابتًا من غير شرط وهو مشروط بعد [العفو]، ولما رآه بعضهم غير تام لأن التقدير مع أنه خلاف الظاهر يجري فيهما.
قال إنهما من قبيل الإنشاء فلا يجري فيه الكذب والصدق، وفيه كلام ليس هذا محله.
(ونقيص لفظ البشارة لفظة المأتم، يتوهم أكثر الخاصة أنها مجمع المناحة، وهي عند العرب النساء يجتمعن في الخير والشر).
وهذا ليس بشيء لأنه قد ورد المأتم في كلام العرب بمعنى مجمع المناحة والحزن، كما قال "زيد الخيل":
(أفي كل عام مأتم تبعثونه؟ )
وقال "التميمي" في "منصور بن زياد"
(فالناس مأتمهم عليه واحد
…
في كل دار رنة وعويل)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال آخر:
(أضحى بنات النبي إذ قتلوا
…
في مأتم والوحوشن في عرس)
وهذا مما ذهب إليه كثير من أهل اللغة، وارتضاه "ابن بري" على أنه لو كان عامًا فاستعماله من بعض أفراده بقرينة لا يعد خطأ، حتى ذهب بعض أهل الأصول إلى أنه ليس بمجاز أيضًا. وفي "الأساس" تقول: ما حضرت المأتم وإنما حضرت المأتم وهو جماعة النساء من الأتم وهو القطع والفتق، وقد غلب على جماعتهن في المصائب.
ومن المنحول ما ذكره "السيوطي" من أنه أول ما سمي به رجل كان في زمن "داوود" يعمل الخصوص فسأله قوم من بني إسرائيل أن يعمل لهم خصًا يجتمعون فيه للصلاة، وكانوا يأتونه كل يوم، فيقول لهم: ما تم، [فبينما هم كذلك مات الرجل فاجتمعوا يبكون يأتونه كل يوم، فيقول لهم: ما تم، [فبينما هم كذلك مات الرجل فاجتموعا يبكون عليه ويقولون: ماتم]، فسمي بذلك. وكونه الجماعة من النساء. هو الأكثر، وقد يكون رجالا، كما قال الراجز: ما ترى حول الأمير المأتما كما قاله "ابن السيد" في شرح "سقط الزند".