الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[47] يقولون: هو قرابته والصواب ذو قرابته
ويقولون هو قرابتي، والصواب أن يقال: هو ذو قرابتي كما قال الشاعر:
(يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
…
وذو قرابته في الحي مسرور)
حكاية عجيبة
وأورد "أبو بكر محمد بن أبي القاسم الأنباري" هذا البيت في مساق حكاية هي من طرف الأعاجيب وعير التجاريب، فروى بإسناده إلى "هشام ابن الكلبي" قال: عاش "عبيد بن سرية الجرهمي" ثلاثمائة سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، ودخل على "معاوية" بالشام وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت. قال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فلما انتهيت إليهم اغرورقت عيناي بالدموع، فتمثلت بقول الشاعر:
ــ
(ويقولون: هو قرابتي، والصواب ذو قرابتي).
ما أنكره صحيح فصيح وشائع نظما [ونثرا] ووقع في كلام أفصح من نطق بالضاد في حديث صحيح قال فيه: "هل بقي أحد من قرابتها" قال في "النهاية": أي أقاربها، فسموا بالمصدر كالصحابة، والوصف بالمصدر مقيس مطرد، وفيه من الحسن والبلاغة ما هو أشهر من أن يذكر، وفي الكتاب المجيد {ولكن البر من اتقى} [البقرة: 189] وعلى هذا يستوي فيه الواحد وغيره. قال في "الأساس": هو قريبي وقرابتي [وهم أقربائي وقرابتي] وفي "تسهيل ابن مالك": قرابة يكون اسم جمع لقريب، وفعالة يكون اسم جمع لنحو صاحب أو
(يا قلب إنك من أسماء مغرور
…
فاذكر، وهل ينفعك اليوم تذكير)
(قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد
…
حتى جرت لك إطلاق محاضير)
(لست تدري، وما تدري أعاجلها
…
أدنى لرشدك أم ما فيه تأخير)
(فاستقدر الله خيرا وارضين به
…
فبينما العسر إذا دارت مياسير)
(وبينما المرء في الأحياء مغتبط
…
إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير)
(يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
…
وذو قرابته في الحب مسرور)
قال: فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: إن قائله هذا الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي تبكي عليه ولست تعرفه، وهذا الذي سار عن قبره هو أمس الناس رحما به وأسرهم بموته، فقال له معاوية: لقد رأيت عجبا، فمن الميت؟ قال:"عثير بن لبيد العذري"، وقيل:"عثمان بن لبيد العذري" وفي كتاب "المعمرين" إن الميت "حريث بن جبلة".
ــ
قريب، وظاهره أنه معنى حقيقي وضعي، وما قبله مجازي ولك أن توفق بينهما.
(كما قال الشاعر) هو كما في "الإصابة""عثمان لن لبيد العذري" كما رواه "عبيد الجرهمي بن سرية" أحد المعمرين بوزن عطية. روى "أبو موسى" أنه عاش مائتين وأربعين سنة، وقيل: ثلاثمائة سنة، وأسلم روفد على "معاوية" فقال له: أخبرني بأعجب ما رأيت، فأخبره بهذه القصة، وفي رواية:"عمير" بدل "عبيد"، والمشهور خلافه وكأنه تصحيف و"عبيد" هذا عاش إلى خلافة "عبد الملك" وهو معدود في الصحابة، وقد أنشد المصنف الشعر بتمامه، وأتى بالقصة بحذافيرها، والبيت المذكور فيه من شواهد "الكتاب".
وفي شرحه: المحاضير: جمع محضر بمعنى شديد الجري سريعه، والأطلاق جمع طلق وهي التي لا تعقل، وفيه أن الشاعر من "بني عذرة" واسمه "حريث بن جبلة"، واستقدر الله بمعنى اطلب أن يقدر لك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذه القصة من غريب الاتفاق وهي مما يدخل تحت قوله "البلاء موكل بالمنطق" ومثلها ما حكاه بعض الأدباء فقال: إنه اجتاز بدار "الشريف الرضي" ببغداد وهو لا يعرفها، فرأى دارا ذهبت بهجتها، وأخلقت ديباجتها، وفيها رسوم تشهد لها بالنضارة وحسن الثنا والشارة فوقف عليها متعجبا من ظروف الزمان وطوارق الحدثان وتمثل بشعر خطر على خاطره، [في هذا الأمر ونظائره] وهو:
(ولقد وقفت على ربوعهم
…
وطلولها يد البلى نهب)
(فبكيت حتى ضج من لغب
…
ضوي ولج بعذلي الركب)
(وتلفتت عيني فمذ خفيت
…
عني الطلول تلفت القلب)
فسمعه رجل صادفه، فقال له: أتعرف هذه لمن؟ فقال: لا. قال هذه الدار لصاحب هذه الأبيات. وهو "الشريف الرضي" فتعجبا من حسن هذا الاتفاق، وفي معنى الشعر الذي ذكره المصنف قول "الشريف الرضي" أيضا:
(غيري أضلكم فلم أنا ناشد؟
…
وسواي أفقدكم فلم أنا واحد؟ )
(عجبا لكم يأبى البكاء أقاربي
…
منكم وتشرق بالدموع أباعد)