الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[111]- قولهم: ابتعت عبداً وجارية أخرى
ويقولون: ابتعت عبداً وجارية أخرى فيوهمون، لأن العرب لم تصف بلفظتي آخر وأخرى إلا ما يجانس المذكور قبله، كما قال سبحانه:{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ، وكما قال تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، فوصف. جل اسمه. مناة بالأخرى لما جانست العزى واللات، ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر، فلم يجز لذلك أن تتصف بلفظة أخرى، كما لا يقال: جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي تصحبه من، ويجانس المذكور بعده.
يدل على ذلك أنك إذا قلت: قال «الفند الزماني» وقال أخر، كان تقدير الكلام وقال آخر من الشعراء، وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها وكثرة استعمال آخر في النطق وأما قول الشاعر:
ــ
(ويقولون: ابتعت عبداً وجارية أخرى، فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظتي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله، كما قال تعالى:{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} .
هذا ما قاله كثير من النحاة وأهل اللغة، وقال نجم الأثمة «الرضي»: آخر لا يستعمل إلا فيما كان من جنس ما تقدم، فلا يقال: زيد وامرأة أخرى، ولا عبرة بقول بعض النجاة: إنه يجوز أفرس وحمار آخر، لأنهما من جنس المركوب، وقال «أبو حيان»: اختار «الزمخشري» و «ابن عطية» في قوله تعالى: {ويأت بآخرين} أن يكونوا من غير جنس الناس، وهذا خطأ، وكونه من قبيل المجاز، كما قيل: لا يتم به المراد لمخالفته لاستعمال العرب، فإن غير تقع على المغاير في جنس أو وصف، وآخر لا تقع إلا على المغايرة في أبعاض جنس واحد.
صلي على «عزة» الرحمن وابنتها ليلى وصلي على جاراتها الأخر
فمحمول على أنه جعل ابنتها جارة لها لتكون الأخر من جنسها، ولولا هذا التقدير لما جاز أن يعقب ذكر البنت بالجارات، بل كان يقول: وصلى على بناتها الأخر.
ــ
وفي «الدر المصون» أن هذا غير متفق عليه، إلا أنه يرد على «الزمخشري» أن آخرين صفة لموصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف، وهنا ليست بخاصة فلا بد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف.
وقال «ابن يسعون» و «الصقلي» وجماعة: إن العرب لا تقول مررت برجلين وآخر؛ لأنه يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعاً وإفراداً، وقال «ابن هشام» في تذكرته- ومن خطه نقلت هذا-: غير صحيح لقول «ربيعة بن مكدم» :
(ولقد شفعتهما بآخر ثالث
…
وأبى الفرار إلى الغداة تكرمي)
وقال «أبو حية النميري»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(وكنت أمشي على ثنتين معتدلا
…
فصرت أمشي على أخرى من الشجر)
وإنما يعنون بكونه من جنس ما قبله أن يكون اسم الموصوف بآخر في اللفظ أو التقدير يصح وقوعه على المتقدم الذي قوبل بآخر جهة التواطؤ، ولذلك لو قلت: جاءني زيد وآخر كان سائغا لأن التقدير ورجل آخر، وكذا جاءني زيد وأخرى تريد نسمة آخرى، وكذا اشتريت فرساً ومركوباً آخر سائغ وإن كان المركوب الآخر جملاً، لوقوع المركوب عليهما بالتواطؤ، فإن كان وقوع الاسم عليهما على جهة الاشتراك المحض فإن كانت حقيقتهما واحدة جازت المسألة، نحو قام أحد الزيدين وقعد الآخر، وإن لم تكن حقيقتهما واحدة لم يجز لأنه لم يقابل به ما هو من جنسه نحو رأيت المشتري والمشتري الآخر، تريد بأحدهما الكوكب وبالآخر مقابل البائع.
وهل يشترط في التواطؤ اتفاقهما في التذكير؟ فيه خلاف، فذهب «المبرد» إلى عدم اشتراطه فيجوز: جاءتني جاريتك وآخر، واشترطه «ابن جني» ، والصحيح ما ذهب إليه «المبرد» بدليل قول «عنترة»:
(والخيل تقتحم الغبار عوابسا
…
من بين شيظمة وآخر شيظم)
وما ذكره من أن آخر يقابل به ما تقدمه من جنسه هو المختار، وإلا فقد يستعملونه من غير أن يتقدمه شيء من جنسه، وزعم «أبو الحسن» أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، فلو قلت: جاءني آخر من غير أن تتكلم قبله بشيء من صنفه لم يجز، ولو قلت: أكلت رغيفاً، وهذا قميص آخر لم يحسن، وأما قول الشاعر:
(صلى على «عزة» الرحمن وابنتها
…
«ليلى» وصلى على جاراتها الأخر فمحمول على أنه جعل ابنتها جارة لها)
وقابلت أخر وهو جمع بابنتها وهو مفرد، وزعم «السهيلي» أن أخرى في قوله تعالى:{ومناة الثالثة الأخرى} استعملت من غير أن يتقدمها شيء من صنفها، لأنه عنى بها «مناة» الطاغية التي كانوا يهلون إليها بقديد، فجعلها ثالثة للات والعزى وأخرى لمناة التي كان يعبدها «عمرو بن الجموح» وغيره من قومه، مع أنه لم يتقدم لها ذكر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصواب عندي أنه جعلها أخرى بالنظر إلى اللات والعزى، وساغ ذلك لأن الموصوف بالأخرى وهو الثالثة يصح وقوعه على اللات والعزى، ألا ترى أن كل واحدة منهن ثالثة بالنظر إلى صاحبتها؟ وإنما اتجه عندي هذا لما ذكره «أبو الحسن» من أن استعمال آخر وأخرى من غير أن يتقدمهما صنفهما لا يجوز إلا في الشعر. اهـ.
ومن «المسائل الصغرى» «للأخفش» لا تستعمل العرب لفظ آخر إلا فيما هو من صنف ما قبله، فلو قلت: أتاني صديق لك وعدو لك آخر لم يحسن لأنه لغو من الكلام، وهو يشبه سائر وبقية وبعض في أنه لا يستعمل إلا في جنسه، فلو قلت: ضربت رجلاً وتركت سائر النساء لم يكن كلاماً.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم «وجد خفة في مرضه فقال: انظروا من أتكى عليه، فجاءت «بريرة» ورجل آخر فاتكأ عليهما».
وليس المراد بالجنس [الجنس] المنطقي بل ما يشمل النوع والصنف والحاصل أنه لا يشترط على الأصح اتفاقهما في الإفراد والتذكير وما يقابلهما، وإنما يشترط أن يكون بينه وبين ما قبله اشتراك في معنى قصد اشتراكهما فيه لئلا يلغو الوصف.
وقوله قال (الفند الزماني) هو شاعر من شعراء الحماسة، والفند بفاء مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة ومعناه في الأصل قطعة الحبل العظيمة، لقب به لعظم خلقه، أو لأنه قال لأصحابه يوم حرب: استندوا إلي فإنى لكم فند، قاله «المرزوقي» . والزمانى بكسر الزاي المعجمة وتشديد الميم، نسبة إلى «زمان» أبو حي من بكر، كما في «الصحاح» .