الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[61]- الضبع لا الضبعة
ويقولون: الضبعة العرجاء، ووجه الكلام أن يقال: (الضبع العرجاء لأن الضبع يختص بأنثى الضباع والذكر ضبعان، ومن أصول العرية أن كل اسم يختص بجنس المؤنث مثل حجر وأتان وضبع وعناق لا تدخل عليه هاء التأنيث بحال، وعلى هذا جميع ما يستقري من كلام العررب. وحكي «ثعلب» قال: أنشدني «ابن الأعرابي» في «أماليه» :
(تفرقت غنمي يوماً فقلت لها
…
يارب سلط عليها الذئب والضبعا)
فسألته حين أنشدنيه: أدعا لها أم عليها؟ فقال: إن أراد أن يسلطا في وقت واحد فقد دعا لها لأن الذئب يمنع الضبع والضبع تدفع الذئب فتنجو هي، وإن أراد أن يسلط عليها الذئب في وقت والضبع في وقت فقد دعا عليها.
مسألة لطيفة
وفي مسائل الضبع مسألة لطيفة قل من طلع على خبئها، وانكشف له قناع سرها، وهي من أصول العربية التي يطرد حكمها ولا ينحل نظمها، أنه متى اجتمع المذكر والمؤنث غلب حكم المذكر على المؤنث، لأنه الأصل والمؤنث فرع
ــ
(ويقولون: الضبعة العرجاء، ووجه القول: الضبع العرجاء؛ لأن الضبع اسم يختص بأنثى الضباع والذكر منه ضبعان) بزنة سندان والضبع بفتح الضاد وضم الباء أو سكونها مختص بالمؤنث عند بعض أهل اللغة.
عليه إلا في موضعين: أحدهما: أنك متى أردت تثنية الذكر والأنثى من الضباع قلت: ضبعان فأجريت التثنية على لفظ المؤنث الذي هو ضبع، لا على لفظ المذكر الذي هو ضبعان، وإنما فعل ذلك فرارا مما كان يجتمع من الزوائد أن لو ثني على لفظ المذكر، والموضع الثاني: أفهم في باب التاريخ أرخوا بالليالي [التي هي مؤنثة دون الأيام التي هي مذكورة]، وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليلته ومن كلامهم: سرنا عشرا من بين يوم وليلة.
ــ
وفي «عين الحياة» عن «ابن الأنباري» : الضبع يطلق على الذكر والأنثى، وكذا حكاه «ابن هشام الخضراوي» عن «المبرد» وكونه لا يقال ضبعة مشهور، وفي «القاموس»: ضبعان بكسر الضاد وسكون الباء، والأنثى ضبعانة وضبعة عن «ابن عباد» . (ومن أصول العربية أن كل اسم يختص بالمؤنث مثل حجر وأتان وضبع وعناق لا تدخل عليه هاء التأنيث). هذا لا أصل له إن كان ذلك في أسماء الأجناس الجامدة ورد عليه ناقة ورمكة لأنثى البراذين، وإن أراد أنه في الصفات فلا يناسبه ما مثل به، وهو ليس كذلك، وإن نقل عن الكوفيين في نحو حائض وطامث فإن مذهب «سيبويه» والبصريين خلافه. وردوا مذهبهم بإثبات التاء في الأوصاف المختصة بالإناث كامرأة مصبية وكلية مجرية، ومنهم من قال: إن هذا الأمر عندهم مجوز لا موجب. فإن قلنا بمثله في كلام المصنف لا يتم مدعاه. والعرجاء يوصف بها الضبع وليست عرجاء وإنما يتخيل ذلك للناظر لتمايلها إذا مشت لسمنها ولين مفاصلها، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم أنثى الخيل والهاء فيها لحن كما في «القاموس» و «حياة الحيوان». إلا أنه يرد عليه ما قاله بعض فضلاء عصرنا من أنه روي في «الكامل» «لابن عدي» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس في حجرة ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغلة زكاة» قال: وهو يدل على أنه يقال: حجرة بالهاء، قلت: الاستدلال بالحديث هنا إنما يتم بعد تسليمه، إذا لم يكن هنا أتى به لمشاكلة بغلة في التأنيث، والأتان الحمارة وفي «القاموس» أنه يقال أتانة في لغة قليلة، فلا يصح ما قاله المصنف. والعناق بفتح العين أنثى المعز وبكسرها مصدر عانقة إذا ضمه ولهذا خطيء القاتل:
(أضافني بالجذي قلت اتئد
…
ما القصد يا مولاي إلا العناق)
إذ لم تتم له التورية التي قصدها والإبهام من تحريف الكلام. (ومن أصول العربية التي يطرد حكمها ولا ينحل نظمها أنه متى اجتمع المؤنث والمذكر غلب المذكر على المؤنث لأنه الأصل). التغليب باب واسع من المجاز قد حققه أهل المعاني بما ليس في إعادته إفادة، وليس الكلام فيه إلا فيما ذكره المصنف وهو أنه إذا اجتمع مذكر ومؤنث وأريد فيه التغليب فإنه يغلب المذكر، كما إذا اجتمع العقلاء وغيرهم وأريد التغليب [فإنه] يغلب العقلاء، وقد استثنى من الأول أمور ذكر المصنف منها موضعين:(أحدهما أنه متى أريد تثنية الذكر والأنثى من الضياع قلت ضبعان فأجريت التثنية على لفظ المؤنث الذي هو ضبع لا على لفظ المذكر الذي هو ضبعان وإنما فعل ذلك فراراً مما كان يجتمع من الزوائد لو ثني على لفظ المذكر). فيثقل، وكذا جمعه قيل فيه ضباع ولم يقل ضباعين، وهذا بناء على أن ضبع مخصوص بالمؤنث وضبعان بالمذكر وقد عرفت ما فيه. (الثاني أنهم في باب التاريخ أرخوا بالليالي دون الأيام وإنما فعلوا ذلك مراعاة للأسبق، والأسبق من الشهر ليله ومن كلامهم: سرنا عشر من بين يوم وليلة). قال «ابن هشام» : إن هذا ذكره «الزجاجي» وجماعة من النحاة، وهو سهو، فإن حقيقة التغليب أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر، ولا يجتمع الليل والنهار،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وليس هنا تعبير عن شيء بلفظ أحدهما. وإنما أرخت العرب بالليالي لسبقها؛ إذ كانت أشهرهم قمرية، والقمر إنما يطلع ليلاً، وإنما المسألة الصحيحة قولك: كتبت لثلاث بين يوم وليلة. وضابطها أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث، وكلاهما مما لا يعقل وقد فصلا من العدد بكلمة بين كقوله: فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة. وفيما قاله نظر لا يخفى؛ فإن قوله: لا يجتمع الليل والنهار. إن أراد في الوجود فمسلم، لكنه لا يفيد؛ لأن المراد بالاجتماع في التغليب الاجتماع في الحكم، وإرادة المتكلم لدلالة اللفظ الواقع فيه التغليب عليهما. والضابطة التي ذكرها أيضا غير تامة لأن التغليب وقع فيما لا يشمله كما قرره في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إذ المراد عشرة أيام بلياليهن، لكن أنث لتغليب الليالي. وأجيب عنه بأن هذه الضابطة إنما هي لتغليب الليالي على الأيام [في التاريخ لا لتغليب الليالي على الأيام] مطلقاً، نعم مقتضى التغليب في هذه الآية أنه لا اختصاص لتغليب المؤنث على المذكر بالمسألتين، وهذا كلام واه جدا، لأن ما مثل به ليس من قبيل التاريخ، والمقصود بالضابطة خلاف ما ذكره، فكيف الصلح بما لا يريده الخصم؟ فالظاهر أن يقول في العدد وإن رجع على كلامه بالنقض، وعلى كل حال فالضابطة المذكورة غير مستقيمة وإن تبع فيها «الجوهري». وقال «ابن بري»: ليس باب التاريخ مما غلب فيه المؤنث كالضبع، بل هو محمول على الليالي فقط، كقولك: كتبت لخمس خلون، فإن قلت: سرت خمسة عشر ما بين يوم وليلة فقد غلب المؤنث على المذكر. اهـ. ومنه أخذ «ابن هشام» يعني أنه من قبيل الاكتفاء لا من قبيل التغليب، وبقى هنا أمور: منها أنه قال في «الكشاف» : وقيل عشراً ذهابا إلى الليالي، ولا تراهم قط
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام، فيقول أحدهم: صمت عشرا، ولو ذكر خرج عن كلامهم. ومن البين فيه قوله تعالى:{إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} و {إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} . وحاصله أنه في باب العدد سواء في التاريخ وغيره يعتبر الليالي لأنه يسقط فيه التاء ويشبه تغليب المذكر، فإذا اعتبرا معا فإما أن يكون عد أحدهما لسبقه واكتفى به عن عد الآخر، فلا تغليب كما مر. وإما أن يغلب الليالي لما يبق من النكتة، ويكون من تغليب المؤنث على المذكر كما فصل في شرح «الكشاف» . ومنها أنه لا يختص تغليب المؤنث بهاتين الصورتين وإن أوهمه كلامهم فقد غلب في مواضع أخر، منها قولهم: المروتان في «الصفا» و «المروة» كما صرح به في «المغني» وغيره. قال «ابن دريد» :
(ثمت طاف وانثنى مستلما
…
ثمت جاء المروتين وسعى)
قال «ابن هشام اللخمي» في شرحه: المروتان هنا الصفا والمروة تغليباً كالعمرين والقمرين. فمن قال: الظاهر أن يقال بدل المروتين: الصفوان لم يصب لأنه سمع كذلك من العرب. وأما قول «أبي طالب» : أشواط بين المروتين إلى الصفا فليس مما نحن فيه، لأن المراد -كما في «الروض الأنف -بالمروتين المروة وحدها، وثنيت باعتبار أجزائها، كما قالوا في الرقمة: الرقمتان لقوله إلى الصفا. ومنها ما أضيف من الأبناء والبنات لغير الإناس من الحيوان وغيره فإنه يجمع مذكره ومؤنثه على بنات فيقال في ابن لبون وابن آوى وابن عرس بنات لبون وبنات آوى وبنات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عرس، ولا يجمع على بنين إلا شذوذاً كبني نعش في بنات نعش وبني برج في بنات برج وهي الداهية كما في كتاب «المرصع» ، وهذا أحد ما غلب فيه المؤنث على المذكر وفرقوا فيه بين المؤنث والمذكر فيما يؤلف كابن مخاض وبنت مخاض واقتصروا على المذكر في غيره كابن عرس لأنه أخف. ومنها: أماك للأم والأب وفي «القاموس» هما أماك أي أبواك أو أمك وخالتك. ومنها: باب العطف نحو تقوم هند وزيد كما في شرح «الكشاف» وأما ما في «المزهر» من أن النفس مؤنثة وتقول ثلاثة أنفس على لفظ الرجال ولا يقال ثلاث إلا إذا قصد النساء ففيه نظر، وإن عده فيه من تغليب المؤنث ومنها: الثيبان للرجل والمرأة بناء على أن الثيب لا يطلق على الرجل كما في «القاموس» وأنت إذا استقرأت مواقعه علمت أن ما ذكروه اغلبني. ألا تراهم يقولون في قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} النازل في حق الإمام أنه شامل للعبيد فإنه بطريق التغليب لا بدلالة النص أو إشارته كما لا يخفى، وقال بعض فضلاء السلف: هذا خلاف المعهود لأن المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعية وكأنه بناء على أن أسباب السفاح فيهن ودعوتهن غالبة كما قد مر في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} وفي النص المحمدي من قوله صلى الله عليه وسلم: «حبب إلى من دنياكم ثلاث
…
الحديث» أنه غلب فيه التأنيث على التذكير لأنه قصد التهمم بالنساء دون الطيب، وإن كان في ذكر الثلاث كلام مشهور، وفيه بحث لأن هذا فيه مؤنث عاقل ومذكر غير عاقل وفي مثله هل يرجح العقل أو التذكير لتعارضهما؟ وهذا لم يصرحوا به ولم يحرره أهل المعاني، ولعل الأمر يفضي إلى أن أبسط المقال فيه إن شاء الله تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن اللطائف الأدبية هنا قول "الأصفهاني" في رباعياته:
(هاتيك جبيبتي ازدهتني طيبا
…
أوسعت بها "ابن هاني" تكذيبا)
(لو أمعنت النحاة فيها - نظرا
…
لم تدع للمذكر التغليبا)
وقلت:
(لحا الله [الزمان] فقد تعدى
…
وأخطأ فعله خفضا ورفعا)
(يغلب غير ذي عقل على من
…
زكا عقلا إذا مات زاد جمعا)