الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[135]- الفرق بين أجلس واقعد
ويقولون للقائمك أجلس، والاختيار على ما حكاه "الخليل بن أحمد" أن يقال لمن كان قائمًا: اقعد ولمن كان نائمًا أو ساجدًا: اجلس، وعلل بعضهم لهذا الاختيار بأن القعود هو الانتقال من علو إلى سفل، ولهذا قيل لمن أصيب برجله: مقعد، وإن الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو، ومنه سميت "نجد" جلسًا لارتفاعها، وقيل لمن أتاها: جالس وقد جلس، ومنه قول "عمر بن عبد العزيز" للفرزدق:
ــ
(ويقولون للقائم: اجلس، والاختيار على ما حكاه "الخليل بن أحمد" أن يقال لمن كان قائمًا: اقعد، ولمن كان نائمًا أو ساجًدا: اجلس، وعلل بعضهم هذا الاختيار بأن القعود هو الانتقال من علو إلى سفل، ولهذا قيل لمن أصيب برجله: مقعد، وأن الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو).
هذا وإن ذكره بعض اللغويين فقد ورد في الأحاديث الشريفة وفي كلام الفصحاء ما يخالفه، كما روى "عروة بن الزبير" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه، إلى أن قال: فجلس عليه السلام، و"عروة" أرسخ في لغة العرب من أن يخفى عليه مثله. وفي حديث القبر الصحيح "أتاه ملكان فأقعداه" قال "الكرماني": أي أجلساه وهما مترادفان، وهذا يبطل قول من فرق بينهما، فلا عبرة بقول "التوربشتي": وقع في رواية "البراء" فيجلسانه وهو
قل للفرزدق والسفاهة كاسمها
…
إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس)
أي اقصد "نجدا".
وموجب هذا البيت أن "عمر بن عبد العزيز" لما كان واليًا على المدينة قال "للفرزدق": إن كنت تلزم العفاف وإلا فاخرج إلى "نجد" فإن المدينة ليست بدار مقامة لك.
وحكى "أبو عبد الله بن خالويه" قال: دخلت يومًا على "سيف الدولة بن حمدان" فلما مثلت بين يديه قال لي: اقعد، ولم يقل: اجلس، فتبينت بذلك اعتلاقه بأهداب الأدب واطلاعه على أسرار كلام العرب.
ــ
أولى، وكأن الأول رواه بالمعنى لظنه أنهما مترادفان، مع أن الفرق لو سلم فإنما هو بحسب الأصل ومقتضى [الاشتقاق]، ولتقارب معنييهما وقع كل منهما موقع الآخر وشاع حتى صار حقيقة عرفية.
وكان بعض مشايخنا يقول: كل لفظين تقارب معناهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهو من بديع المعاني، وقد سوى بينهما في "عمدة الحفاظ" و"القاموس"، وعليه تمثيل النحاة بقعدت جلوسًا في المفعول المطلق.
والقعود يكون مصدرًا وجمع قاعد كالجلوس، وأما الخروج فلم يرد إلا مصدرًا، وقيل: إنه يكون جمع خارج أيضًا كما في قولهم: هم خروج [وفيه نظر].
وفرق بعضهم بين القعود والجلوس بفرق آخر كما في "الإتقان" فقال: القعود ما تعقبه لبث بخلاف الجلوس، ولهذا يقال: قواعد البيت دون جوالسه للزومها، وهو جليس الملك دون قعيده لأنه يحمد منه التخليف، ولذا قيل:{مقعد صدق} لأنه لا زاول له، وقيل [في قوله - تعالى -:{تفسحوا في المجالس} ] أنه يجلس يسيرًا.
(ومنه قول "عمر بن عبد العزيز" للفرزدق:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(قل للفرزدق والسفاهة كاسهما
…
إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس)
هذا خطأ من "الحريري" في الرواية، فإن "جريرًا" كان هجا "الفرزدق" بقصيدة ميمية فأجابه "الفرزدق" بقصيدة أتى فيها بما يوجب الحد عليه، فشكاه أهل المدينة إلى "مروان بن الحكم" الأموي، وكان يومئذ والي المدينة من قبل "معاوية"، فكتب "مروان" إلى عامله يأمره بحده وسبحنه وأعطاه الكتاب ليوصله إليه وأوهمه أنه أمر له بجائزة فيه، ثم كتب يشير إلى ذلك بقوله:
(قل للفرزدق والسفاهة كاسمها
…
إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس)
وإذا خشيت من الأمور عظيمة
…
فخذن لنفسك بالزماع الأكيس)
(ودع المدينة إنها مذمومة واقصد لمكة أو لبيت المقدس)
فلما فطن "الفرزدق" أجابه بقصيدة منها:
(مروان إن مطيتي محبوسة
…
ترجو الحياة وربها لم ييأس)
(ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن
…
نكداء مثل صحيفة المتلمس)
كذا نقله "ابن خلكان" عن ثقات المؤرخين، وقوله: مذمومة، يعني ذات ذمة وحرمة، وقيل: من الذم لما عرض له فيها.