الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92 - شغب بسكون العين لا بفتحها
ويقولون فيه شغب بفتح العين فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله:
(يا ظالما يتجنى جئت بالعجب
…
شغبت كما تغطى الذنب بالشغب)
(ظلمت سراً وتستعدي علانية
…
أضرمت ناراً وتستعفى من اللهب)
والصواب شغب باسكان الغين كما قال الشاغر:
(رأيتك لما نلت مالاً وعضنا
…
زمان يرى في حد أنيابه شغبا)
(جعلت لنا ذنباً لتمنع نائلاً
…
فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا)
ونظير هذا الوهم قولهم للداء المعترض في البطن: المغص بفتح الغين فيغلطون فيه لأن المغص بفتح العين هو خيار الإبل يدل عليه قول الراجز:
(أنت وهبت هجمة جرجورا
…
أذماً وحراً مغصاً خبوراً)
ــ
(ويقولون: فيه شغب، بفتح العين، فيوهمون فيه كما وهم بعض المحدثين في قوله:
(يا ظالما يتجنى جئت بالعجب
…
شغبت كيما تغطى الذنب بالشغب)
(ظلمت سرا وتستعفى علانية
…
أضرمت نارا وتستعفى من اللهب)
والصواب فيه شغب بسكون العين المعجمة).
ليس الأمر كما ذكره، فإن فتح الغين فيه وتسكينها جائز سماعاً وقياساً، وفى "الأساس" شغبت على القوم: هيجت عليهم للشر، وفلان طويل الشغب والشغب قال:
الجرجور: العظام من الإبل والخبور: الغزيرات الدر. فأما اسم الداء فهو المغص بإسكان الغين، وقد يقال بالسين. وأما المعص بفتح العين المغفلة فهو وجع يصيب الإنسان في عصبه من الشئ. وفى الحديث أن " عمرو بن معدى كرب" شكا إلى "عمر" رضى الله عنه المعص فقال كذب عليك العسل، أى عليك بسرعة المشى إشارة إلى اشتقاقه من عسلان الذئب.
ــ
(فولا بغتانة سبهللة
…
غانية في كلامها شغب)
وقال آخر:
(أغص أخا الشغب الألد بريقه
…
فينطق بعدى والكلام غصيص)
فأجازهما وحكى سماعهما، وكذا قاله "ابن دريد" وتبعه صاحب "القاموس" و "ابن برى" وفعله شغب بكسر العين وفتحها، ويقال: شغب وجغب بالشين والجيم، وفسروه بتهييج الشر، وهذا وجه السماع فيه، وأما وجه القياس فقال "ابن جنى" في "المحتسب": قرأ سهل شعيب السهمى" جهرة وزهرة في كل موضوع محركاً.
ومذهب أصحابنا في كل حرف ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة كالنهر والنهر والشعر والشعر وكالحلب والحلب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثانى لكونه حرفا حلقياً قياساً مطرداً كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم، وكذا سمعته من عامه "عقيل"، وسمعت "الشجرى" يقول: هو محموم بفتح الحاء، وليس في الكلام مفعول بفتح الفاء، وقالوا: اللحم يريدون: اللحم، وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء، ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلا. اهـ.
(وقال الشاعر) هو "زيد بن جنيا" يخاطب أخاه، وقبله:
(لحة الله أكيانا زنادا وشرنا
…
وأيسرنا عن عرض والده ذبا)
(رأيتك لما نلت مالا وعضنا
…
زمان ترى في حد أنيابه شغبا)
قد عرفت أن الفتح والسكون فيه مسموعان فصيحان، وأن ما ذكره المصنف - وإن تبع فيه "الجوهرى" - مردور وراية ودراية.
وعض الزمان بأنيابة تضييقه بنوائبه، ويقال: عض وعظ، بضاد وظاء مشالة، وفى معنى الشعر المذكور ما قلته:
(أراك ابتدعت الذنب للناس فاتحا
…
بذلك باب الذنب من بعد قطله)
(غناك غدا ذنبا لدهر مقصر
…
عذرك اسداء النوال لأهله)
(ونظير هذا الوهم قولهم للداء المعترض في البطن: مغص، بفتح الغين فيغلطون فيه، لأنه المغص بفتح الغين هو خيار الإبل).
قال " ابن برى" إنكاره المغص بفتح الغين المعجمة في الداء المعترض في البطن والجوف هو قول "ابن السكيت" فإنه لا يرى فيه إسكان الغين، وغيره من أهل اللغة يخالفه فيه.
وقال "ابن القوطية" في "أفعاله": يقال ": مغص ومغس كعلم، بالصاد والسين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مغصاً ومغساً بالفتح والإسكان فيهما، وهى لغات فصيحة، فلا يغرنك ما قاله المصنف، فإن الحق خلافه كما عرفته.
(وأما المعص بفتح العين المغفلة فهو وجع يصيب الإنسان في عصبه من الشئ. وفى الحديث أن " عمرو بن معدى كرب" شكا إلى "عمر" رضى الله عنه المعص فقال كذب عليك العسل، أى عليك بسرعة المشى إشارة إلى اشتقاقه من عسلان الذئب)
كذب في الحديث اسم فعل بمعنى إلزم، ويجوز فيه الرفع والنصب، والعسل بمعنى العسلان وهو سرعة المشي، ويكون بمعنى الشهد كما هو مشهور وهذا التركيب من غرائب العربية، وتحقيقه- كما قاله (أبو على الفارسي) - أن الكذب ضرب من القول والنطق، فإذا جاز في القول الذي الكذب ضرب منه أن يتسع فيه، فيجعل غير نطق في نحو قوله:
قد قالت الأنساع. للبطن الحق
ونحو قوله- في صفة الثور-:
بكر ثم قال في التبكير
جاز في الكذب أن يجعل غير نطق في نحو قوله:
كذب القراطف والقروف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيكون ذلك انتفاء لها، كما أنه إذ أخبر عن الشئ بخلاف ما هو به كان ذلك انتفاء للصدق فيه، فمعني قوله: كذبت عليكم، أو عدوني لست لكم وإذا لم أكن لكم ولم أعنكم كنت منابذاً لكم ومنتفياً نصرتي عنكم ففي ذلك إغراء منه لهم به.
وقوله: كذب العتيق أي لا وجود للعتيق وهذا التمر فاطلبه، وقال بعضهم: قول الأعرابي- وقد نظر إلي جمل نضو له-: كذب عليك القت النوى. وروى: البزر والنوى، ومعناه أن القت والنوى ذكراً أنك لا تسمن بهما فقد كذبا عليك، فعليك بهما فإنك تسمن بهما.
وقال (أبو على): فأما من نصب البزر فإن عليك فيه لا يتعلق بكذب، ولكنه يكون اسم فعل، وفيه ضمير المخاطب، وأما كذب ففيه ضمير الفاعل، وكأنه قال: كذب السمن أي انتفى من تغيرك فأوجده بالبرز والنوى، فهما مفعولان وأضمر لدلالة الحال عليه في مشاهدة عدمه.
وفي (القصريات) قال (أبو بكر) في قول من نصب الحج، فقال: كذب عليك الحج. إنه كلامان كأنه قال: كذب، يعني رجلاً ذم إليه الحج، ثم هيج المخاطب على الحج فقال: عليك الحج. هذا وعندي قوله هو القول، وهو أنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم، ولذلك لم تتصرف ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلاً ماضياً معلقاً بالمخاطب ليس إلا، وهى في معنى الأمر كقولهم في الدعاء: رحمك الله.
والمراد بالكذب الترغيب والبعث من قول العرب: كذبته نفسه إذا منته الأماني وخيلت [له] من الآمال ما لا يكاد يكون، وذلك مما يرغب الرجل في الأمور ويبعثه على التعرض لها، ويقولون- في عكس ذلك-: صدقته نفسه إذا ثبطته وخيلت إليه المعجزة والنكد في الطلب، ومن ثم قالوا للنفس: الكذوب. قال (أبو عمرو بن العلاء): يقال للرجل يهدد الرجل ثم يكذب ويكع: صدقته الكذوب، وأنشد:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(فأقبل نحوي على قدره
…
فلما وفى صدقته الكذوب)
وأنشد (الفراء): حتى إذا ما صدقته كذب
أي نفوسه، جعل للواحد نفوساً لتفرق الرأي وانتشاره، فمعنى قوله: كذبك الحج أى ليكذبك أى لينشطك ويبعثك على فعله. وأما كذب عليك الحج فله وجهان:
أحدهما: أن يضمن معنى فعل يتعدى بحرف الاستعلاء، أو يكون على كلامين كأنه قال: كذب الحج. عليك الحج، أي ليرغبك: الحج هو واجب عليك وأضمر عليه.
ومن نصب الحج فقد جعل عليك اسم فعل، وفي كذب ضمير الحج، كما في (الفائق).