الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[10](استعمال قط وأبداً)
ومن أوهامهم أيضاً في هذا الفن قولهم: لا أكلمه قط، وهو من أفحش الخطأ؛ لتعارض معانيه وتناقض الكلام فيه.
وذلك أن العرب تستعمل لفظة "قط" فيما مضى من الزمان، كما تستعمل لفظة "أبداً" فيما يستقبل منه. فيقولون: ما كلمته قط، ولا أكلمه أبداً.
والمعنى في قولهم: ما كلمته قط، أي فيما انقطع من عمري لأنه من قططت الشيء إذا قطعته، ومنه قط القلم أي قطع طرفه، ومما يؤثر عن شجاعة "علي"
ــ
(ومن أوهامهم في هذا الفن قولهم: لا أكلمه قط. وهو من أفحش الخطأ لتعارض معانيه، وتناقض الكلام فيه، وذلك أن العرب تستعمل لفظة "قط" فيما مضى من الزمان، كما تستعمل لفظة "أبداً" فيما يستقبل).
"قط" كما عليه [عامة] النحاة ظرف زمان لما مضى، مأخوذة من القط، وهو القطع، فمعنى ما رأيته قط: ما رأيته فيما انقطع من عمري.
قالوا: ولا يعمل فيه إلا الماضي.
وقد ورد ما يخالفه في كلام الناس. ومن كلام "الزمخشري" في تفسير قوله تعالى: {فمنهم مقتصد} أن ذلك الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط، فأعمل فيه لا يبقى وهو مضارع، وقال "أبو حيان" في الحر بعد نقله كثرة استعمال "الزمخشري" قط ظرفاً والعامل فيه غير ماض. وهو مخالف لكلام العرب وهي مبنية على الضم تشبيهاً لها بقبل، وذهب "الكسائي" إلى أن أصلها قطط فجعلت حركة الأولى على الثانية. ولا تستعمل إلا بعد النفي سواء كان ملفوظاً أو مقدراً، وقد ترد في الإثبات كما قاله
رضي الله عنه "أنه كان إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط"، فالقد قطع الشيء طولاً والقط قطعه عرضاً. ولفظة "قط" هذه مشددة الطاء وهي اسم مبني على الضم مثل حيث ومنذ، وأما قط بتخفيف الطاء فهو اسم مبني على السكون مثل قد وكلاهما بمعنى حسب.
ــ
"ابن مالك" واستشهد له بما وقع في الحديث كما في "البخاري" في قوله "قصرنا الصلاة في السفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط".
وأما قوله: جاءوا بمذقٍ هل رأيت الذئب قط، فلا شاهد فيه لأن الاستفهام أخو النفي قال "ابن مالك": وهذا مما خفي على كثير من النحاة، وفي شرح البخاري "للكرماني" فإن قلت: شرط قط أن تستعمل بعد النفي قلت: أولاً لا نسلم ذلك فقد قال "المالكي": استعمال قط غير مسبوق بالنفي مما خفي على النحاة، وقد جاء في الحديث بدونه وله نظائر، وثانياً: أنها بمعنى أبداً على سبيل المجاز. وثالثاً: يقال إنه متعلق بمحذوف منفي، أي وما كنا أكثر من ذلك قط، ويجوز أن تكون ما نافية والجملة
وقرأت في أخبار الوزير "علي بن عيسى" رحمه الله أنه رأى كاتباً يبري قلماً بمجلسه فأنكر ذلك عليه وقال: مالك في مجلسي إلا القط فقط؟
ــ
خبر المبتدأ أو أكثر منصوب على أنه خبر كان والتقدير: ونحن ما كنا قط أكثر منا في ذلك الوقت، وجاز إعمال ما بعدها فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس. اهـ.
وقال "الغرناطي": الذي جوزه مراعاة لفظة ما في قوله ما كنا قط وإن كانت غير نافية، وقد تراعى الألفاظ دون المعاني. وهو كلام حسن، وقال "ابن هشام" في "القواعد": ما أفعله قط لحن، لاستعماله في غير موضعه، واعترض عليه "ابن جماعة" في شرحه بأنه غير صحيح، وقصاراه استعمال اللفظ في غير ما وضع له فيكون مجازاً لا لحناً، وجعله من اللحن عجيب، إذ لا خلل في إعرابه اهـ.
وليس بشيء لأن اللحن بمعنى مطلق الخطأ، وهم كثيراً ما يستعملونه بهذا المعنى. فإن قلت: إذا استعمل العرب لفظاً في محل مخصوص [كقط بعد نفي الماضي وكانت حالاً
وقد تدخل نون العماد على قط وقد، مع ضمير المتكلم المجرور كما قال الراجز في قط:
(امتلأ الحوض وقال قطني)
أي قد بلغ من الامتلاء إلى الحد الذي لو كان له نطق لقال حسبي. ومما أنشدته من أبيات المعاني:
(إذا نحن نلنا من ثريدة عوكل
…
فقدنا، لها ما قد بقي من طعامها)
لاستغنائنا عنه واكتفائنا بما نلناه.
ــ
منكرة أو في معنى مخصوص] كالغزالة للشمس في أول النهار فهل مخالفتهم في ذلك جائزة أم لا؟ وعلى تقدير الجواز هل يكون حقيقة أو مجازاً؟ وعلى الثاني ما وجهه؟
قلت: الذي يظهر من كلامهم وتخطئة من خالفهم أنه غير جائز، فإن قيل بجوازه فالظاهر أنه مجاز مرسل من استعمال المقيد في المطلق، إلا أنه لا يظهر في كافة ونحوها كالظروف التي لا تتصرف فإن معناها لم يتغير وإنما تغير إعرابها وإن وقع مثله في مكان التقصير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(فالقد قطع الشيء طولاً والقط قطعه عرضاً) قال "ابن جني" في "الخصائص": القط أقل وأسرع من القد قطعاً، فلهذا جعلوه لقطع العرض لقوته وسرعته؛ لأن الدال مستطيلة فجعلت لما طال من الأثر وهو قطعه طولاً، وقط بمعنى حسب: اسم فعل.
(ما لك في مجلسي إلا القط فقط) فيه تجنيسٌ، والفاء زائدة أو في جواب شرط مقدر، وهذا من "أدب الكاتب" لا يقطعون أقلامم في الديوان ونحوه لئلا توطأ برايتها بالنعال، وكذا المغنون لا يصلحون الأوتار في مجالس الملوك، وكان "الصاحب" لا يبري قلماً في مجلس "شهنشاه"، فقال ناس: إنه لا يحسن براية الأقلام، فلما بلغه ذلك قال: أي أدب فيكم ليس لي حتى تتجاسروا بمثل هذا؟ وإنما علمني أبي الوزارة ولم يعلمني النجارة، وأقل أدبي براية القلم، ولكن هل فيكم من يكتب كتاباً تاماً بقلم كسرت رأسه؟ قالوا: لا نقدر على ذلك. فأخذ قلماً وكسر رأسه ثم كتب به درجاً تاماً حسناً فتعجبوا منه.
(وامتلأ الخوض وقال قطني)
وتمامه: (مهلاً رويداً قد ملأت بطني)
وهذا وأمثاله مما يحكى على ألسنة الحيوان والجماد، كما قالوا: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟
قال: سل من يدقني.
(ومن أبيات المعاني)
…
أبيات المعاني عند الأدباء فيها خفاءٌ لفظاً ومعنى كاللغز يسأل عن ذلك، و (عوكل) علم امرأة منقول، وأصل معناه الحمقاء، وأصل الخفاء في قوله "فقدنا" فإنه يوهم أنه ماضٍ من الفقد وليس بمراد، لأن فقد بمعنى فحسب ونرزؤها بمعنى نتقصها من الرزية.