الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[35]- صحة النطق في مدود ومسوس ومكرج
ويقولون: باقلي مدود وطعام موس وخبز مكرج ومتاع مقارب، ورجل موسوس، فيفتحون ما قبل الحرف الأخير من كل كلمة، والصواب كسرة، فيقال: طعام موس ورجل موسوس ونظائرهما.
ويقال في الفعل من المدود: داد واداد ودود وديد، ومن هذا النوع قولهم للبسرة إذا بدا الإرطاب في أسفلها مذنبة بفتح النون، والصواب أن يقال فيها: مذنبة بكسر النون.
ــ
(ويقولون: باقلاء مدود وطعام مسوس وخبز مكرج ومتاع مقارب ورجل موسوس، فيفتحون ما قبل الآخر من كل كلمة، والصواب كسره).
مدود ومسوس من الدود والسوس ظاهر المعنى. ومكرج - بكاف وراء مهملة يليها جيم - من كرج الخبز كفرح. وأكرج وكرج وتكرج فسد فعلته خضرة - والمقارب - بقاف وراء مهملة وموحدة ما بين الجيد والردى. وما ذكره كله ظاهر للزوم أفعالها، والقياس ألا يبنى منه اسم مفعول، إلا أنه لما ذكر مقارب وفسره بما مر وضبطه بالكسر قال: ومتاع مقارب بالفتح.
وقول المصنف: (ويقال في الفعل من المدود
…
) بتقدير مضاف أي من مادة المدود، فلا يرد قول "المحشي": الصواب أن يقال في الفعل من المدود: دود، ومن الدائد: داد يداد، ولو قال: من الدرد لم يكن عليه انتقاد، وفي أفعال "السرقسطي": داد الطعام يداد ويدود، وديد الطعام أيضا، وطعام داد، وأداد يديد إدادة إذا وقع فيه الدود. اهـ.
وفي "الكشاف" رجل مسوس بكسر الواو، ولا يقال: موسوس بالفتح، ولكن موسوس له وإليه. اهـ.
من مناظرات العلماء.
ويحكى أن "الرشيد". رحمه الله. لما جمع بين "أبي الحسن الكسائي" و"أبي محمد اليزيدي" لتناظرا عنده، علم "اليزيدي" أنه يقصر عنه في النحو، فابتدره فقال: كيف تقول تمرة مذنبة أو مذنبة؟ فلم يأبه "الكسائي" لقوله تمرة، بل ظن أنه قال بسرة، فقال: أقول مذنبة. فقال له: إذا كان ماذا؟ قال: إذا بدا الإرطاب من أسفلها.
فضرب "اليزيدي" بقلنسوته الأرض وقال: أنا "أبو محمد اليزيدي" وقد أخطأت ياشيخ، التمرة لا تذنب وإنما البسرة تذنب.
ــ
ويخالفه قول "الكرماني" في شرح "البخاري" الموسوس بفتح الواو وكسرها من وسوست إليه نفسه، فإن ظاهره أنه مروي فيه، لا أنه على الحذف والإيصال فإنه سماعي، فعلى هذا ما ادعاه المصنف غير مسلم له.
(ويحكى أن الرشيد لما جمع بين "أبي الحسن الكسائي" و"أبي محمد اليزيدي" إلى آخر ما حكاه قال "أبو محمد البلخي": المجلس الذي جرى بينهما إنما كان في بيت شعر، سأل "اليزيدي" عن إعرابه وهو:
(ما رأينا خربا تفر
…
عنه البيض صقر)
(لا يكون العبر مهرا
…
لا يكون المهر مهر)
فقال "الكسائي": يجب أن يكون المهر منصوبا على أنه خبر كان، ففي البيت على هذا إقواء قال "اليزيدي": الشعر صواب؛ لأن الكلام تم عند قوله لا يكون، ثم
فغضب عليه الرشيد، وقال: أتكتني بمجلسي وتسفه على الشيخ؟ والله إن خطأ "الكسائي" مع حسن أدبه لأحب إلي من صوابك مع قبح أدبك. فقال: يا أمير المؤمنين، إن حلاوة الظفر أذهبت عني التحفظ، فأمر بإخراجه.
قال الشيخ الأجل الرئيس: وليس سهو "الكسائي" فيما أزلقه فيه "اليزيدي" مما يقدح في فضله، أو يبني عن قصور علمه إذ لا خفاء باشتمال علمه على أن البسرة إذا أرطبت من قبل ذنبها قيل لها: مذنبة، فإذا بلغ الإرطاب نصفها قيل لها: مجزعة، فإذا بلغ ثلثيها قيل لها: حلقانة ومحلقنة، وإذا أرطبت جميعها قيل لها: معوة.
ــ
استأنف فقال: المهر مهر. وضرب الأرض بقلنسوته، إلى آخر ما ذكره المصنف ووقع في عبارته هنا.
فائدة: هل يتأخر اسم الاستفهام؟
(فقال له: إذا كان ماذا؟ ) فإن قلت: كيف قدم الفعل على اسم الاستفهام مع أن له صدر الكلام؟ قلت: ها أنا أبين لك ذلك بما لا مزيد عليه، فإنه من الفوائد النفيسة وقد خفي على كثير من فحول السلف المصنفين.
قال سيبويه زمانه "أبو حيان" - أفاض الله على مثواه شابيب الرحمة والغفران: مذهب البصريين أن المفعول إذا كان اسم استفهام يجب تقديمه، وحكى غيرهم أن العرب قد تقدم العامل على اسم الاستفهام شذوذا نحو: أضرب من؟ وما؟ وإذا كان استفهاما عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شيء جرى ذكره نحو قولك في ضربت رجلا: ضربت من؟ جاز، وقد خص بمن وما، وحكي في أين في الاستثبات أيضا، وهذا لا يعرفه البصريون، وقد سمع من العرب: كان ماذا؟ ووقع في شعر "لابن المرحل" شيخ "أبي حيان" فأنكره ابن "أبي الربيع"، فلما بلغه ذلك صنف في الرد عليه مصنفا أنشد فيه لنفسه:
(عاب قوم كان ماذا
…
ليت شعري لم هذا)
(وإذا عابوه جهلا
…
دون علم كان ماذا؟ )
كذلك نقلته من خط ابن "أبي سبع" تلميذ "أبي حيان" - رحمه الله تعالى، وقد رأيته مصرحا به في كثير من كتب العربية، وقالوا: إنه سمع في "ماذا" كثيرا، ووقع في عبارة "للزمخشري" في كشافه من سورة "آل عمران" فيقولون ماذا؟ وكذا في "المفتاح" في قوله: يشبه ماذا؟ .
ومن الشراح من لم يقف على ما قدمناه لك فقال: ما في كلام الثقات من قولهم: يكون ماذا؟ وصنع ماذا؟ وفعل ماذا؟ الوجه فيه أن يكون "ماذا" معمولا لمحذوف مدلول عليه بالعامل المذكور، أي ماذا يكون على طريقة التفسير بعد الإبهام. وهو تكليف لا حاجة إليه، لأن تقدم المفر لا نظير له في العربية، والمعروف تأخره، كما في نحو {وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة: 6] وقد صرحوا بأنه إذا خرج عن حقيقته من الاستفهام جاز تقدم العامل عليه، كما في قولهم: انظر إلى كيف يصنع، أي إلى صتعه، فاحفظه فإنه من أمور المعالي.