الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[3](معنى ازف الوقت)
[3]
ويقولون أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرُّمه .. فيحرفونه عن موضعه ويعكسون حقيقة المعنى في وضعه، لأن العرب تقول: أزف الشيء بمعنى دنا واقترب. لا بمعنى حضر ووقع، يدل على ذلك أن الله سبحانه
ــ
(ويقولون أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرمه فيحرفونه عن موضعه ويعكسون حقيقة المعنى لأن العرب يقولون: أزف الشيء بمعنى دنا واقترب)، قال "الراغب أزفت الآزفة أي دنت القيامة وأزف وأفد متقاربان. لكن أزف يقال اعتباراً لضيق الوقت، ويقال أزف الشخوص، والأزف ضيق الوقت والآزفة القيامة] لقرب وقتها، ولذلك عبر عنها بالساعة وقيل: {أتى أمر الله} فعبر عنها بالماضي تبيناً لقربها وضيق وقتها اهـ. وظاهره أنه حقيقة في الضيق كالقرب وفي "الأساس" أزف الرحيل دنا ومصدره الأُزوف ومن المجاز: في عيش آزف أي ضيقٌ، كما يقال: أمر قريب ومقارب اهـ. وظاهره أنه استعمل في الضيق مجازاً. وعلى كل حال يقتضي صحة ما ادعاه خطأ. وباب التجويز والتقدير واسع، فيجوز أن يقدر أزف خروج الوقت على أن للصلاة وقت فضيلة وغيره وإذا أريد الثاني بجعل الإضافة عهدية لا يبقى لما توهمه أثر، وفي "الحواشي" قولهم أزف وقت الصلاة إشارة إلى تضايقه ومشارفة تصرمه صحيح؛ ألا ترى أن الساعة الأولى إذا قرب من الساعة الثانية فقد أشرف زمانها على التصرم.
سمى الساعة آزفة وهي منتظرة لا حاضرة وقال عز وجل فيها: {أزفت الآزفة} أي دنا ميقاتها وقرب أوانها كما صرح جل اسمه بهذا المعنى في قوله سبحانه: {اقتربت الساعة} والمراد بذكر اقترابها التنبيه على أن ما مضى من أمد الدنيا أضعاف ما بقي منه ليتعظ أولو الألباب به.
ومما يدل أيضاً على أن أزف بمعنى اقترب قول "النابغة":
ــ
تقول: (أزف الشيء بمعنى دنا واقترب لا بمعنى حضر ووقع). يعني وما تضايق فقد وقع وحضر، فهذا كناية عما أراد فلا وجه لما في "الحواشي" من أن هذا نقض لما قدمه، ولم يذهب إلى هذا أحد، إنما يذهبون إلى تضايق وقت الصلاة ومشارفة تصرمه، وإذا قرب زمان الساعة الأولى من الثانية فقد أشرف على التصرم وكلما ازداد قرباً منه كان إشرافه على التصرم أزيد، أزف الترحل غير أن ركابنا
هذا من قصيدة "للنابغة" يمدح بها النعمان وأولها:
(من آل مية رائحٌ أو مغتدي
…
عجلان ذا زاد وغير مزود)
(زعم البوارح أن رحلتنا غداً
…
وبذاك تنعاب الغراب الأسود)
(لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به
…
إن كان تفريق الأحبة في غد)
(أزف الترحل غير أن ركابنا
…
وما تزل برحالنا وكأن قد)
إلى آخر القصيدة، وهي طويلة، وروي "أفد" بدله، وهو بمعناه- كما مر-.
(أزف الترحل غير أن ركابنا
…
لما تزل برحالنا وكأن قد)
فتصريحه بأن الركاب مازالت يشهد بأن معنى قوله أزف أي اقترب؛ إذ لو كان قد وقع لسارت الركاب، ومعنى قوله "وكأن قد" أي وكأن قد سارت، فحذف الفعل لدلالة ما بقي على ما أُلقي، ونبه بقد على شدة التوقع وتداني الإيقاع له، والعرب تقول في كل ما يتوقع حلوله ويرصد وقوعه: كأن قد، أي كأن قد وجد كونه وأظل وقعه.
ــ
والركاب: الإبل، وحذف الفعل بعد قد ضرورةٌ أو قليل. فقوله الآتي: العرب تقول في كل متوقع: كأن قد يقتضي خلافه فالأولى تركه.
(أظل وقته) أي قرب بزمانه، وهو مجاز مشهور. قال في "النهاية": قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة خطبها في آخره يوم من شعبان: "أيها الناس، قد أظلكم شهرٌ عظيم"، يعني رمضان، أي دنا منكم وقرب حتى كأنه ألقى عليكم ظله.