الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[141]- قولهم لما يتعجل من الزروع، هرف
ويقولون لما يتعجل من الزروع والثمار: هرف، وهي من ألفاظ الأنباط ومفاضح الأغلاط، والصواب أن يقال فيه: بكر؛ لأن العرب تقول لكل ما يتقدم على وقته: بكر، فيقولون: بكر الحر وبكر البرد وبكرت النخلة، إذا أثمرت أول ما تثمر النخل فهي بكور، والثمرة المتعجلة باكورة. ويقولون أيضًا في كل شيء يخف فيه فاعله ويعجل إليه: قد بكر إليه ولو أنه فعل ذلك آخر النهار أو في أثناء الليل، والصواب أن يقال: عجل، وقد يستعمل بكر بمعنى عجل، يدل عليه قول "ضمرة بن ضمرة النهشلي":
(بكرت تلومك بعد وهن في الدجى
…
يسل عليك ملامتي وعتابي)
ــ
(ويقولون لما يتعجل من الزرع والثمار هرف، وهي من ألفاظ الأنباط ومفاضح الأغلاط، والصواب أن يقال فيه: بكر).
أراد بالأنباط العوام، وأصلهم قوم مخصوصون بأرض بابل تسموا نبطا نسبة إلى "نبط بن كنعان بن كوش بن حام" وقيل:"ابن ماش بن آدم بن سام"، ومنهم الحكماء الكلدانيون والجرامقة، ولقربهم من عراق العرب اختلطت لغتهم بلغة العرب ووقع بسبب ذلك غلط في العربية، وهرف بتشديد الراء المهملة، قال في "الأساس": هرفت النخلة عجلت ثمرتها تهريفًا وهرفته الريح استخفته، ومنه قال أهل بغداد للبواكير: الهرف، وفي "القاموس" هرف يهرف أطرأ في المدح إعجابًا به أو مدح بلا خبرة. اهـ.
ويقال: لا تهرف بما لا تعرف، وأهرف نما ماله، والنخلة عجلت أتاءها كهرفت تهريفًا، والباكورة كالبكور بفتح الموحدة [ما سبق من الثمار].
فعلى ما عرفت ما أنكره المصنف غير منكر، وإنما اللوم على من قصر.
أراد بقوله بكرت تلومك أي عجلت لا أنه أراد به وقت البكرة، لإفصاحه بأنها لامته في الليل، ونظير استعمالهم لفظة بكر بمعنى عجل استعمالهم لفظة راح بمعنى سارع وخف، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة" أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار.
ــ
(ويقولون أيضًا في كل شيء يخف فيه فاعله ويعجل إليه: قد بكر، ولو أنه فعل ذلك آخر النهار أو أثناء الليل).
بكر بالتخفيف والتشديد [إلى كذا أسرع]، وهذا مما يتعجب منه، فإنه ذكر هنا أنه يستعمل بمعنى عجل وهو عين ما أنكره.
(ويدل عليه قول "ضمرة بن ضمري النهشلي":
(بكرت تلومك بعد وهن في الدجى
…
بسل عليك ملامتي وعتابي)
وقد صرح به كثير من أهل اللغة، وقوله: بسل، يدل من [من] تلومك، أو بتقدير قولها: بسل، أي ملامي وعتابي مقصور عليك، وهو بالباء الموحدة المفتوحة والسين المهملة الساكنة واللام.
(ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار).
وفي "البخاري": "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [إلى المسجد في الساعة الأولى] فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة".
قال "الكرماني" فيه: إن مراتب الناس في الثواب بحسب أعمالهم، فالمسارع إلى طاعة الله أعظم أجرًا، وفيه أن اسم القربات كالصدقة يطلق على القليل والكثير، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقر.
وقال "الخطابي": الجمعة لا يمتد وقتها من أول حيث الرواح، وهو ما بعد الزوال إلى خمس ساعات، فقوله: في الساعة الرابعة والخامسة مشكل، وقد يؤول بوجهين:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحدهما: أن هذه الساعات كلها ساعة واحدة، يعني أنه لم يرد به تحديد الساعات التي يدور عليها الليل والنهار، بل سمى أجزاء تلك المدة التي بعد الزوال ساعات كقول القائل: بقيت في المسجد ساعة.
والثاني: أن المراد بالرواح إنما هو بعد طلوع الشمس، فسمى القاصد لها قبل وقتها رائحًا، كما يقال للمقبلين على مكة حجاجا. اهـ.
أقول: الإشكال باق على الوجهين، أما على الأول فلأن من جاء بعد الزوال ليس له أجر التكبير والمسارعة، بل له أجر إدراك الصلاة فقط، وأما على الثاني فلأن اليوم عن أهل الشرع من الفجر لا من طلوع الشمس، ولئن سلمناه بناء على العرف العام من أن اليوم من طلوع الشمس فالساعات منه إلى الزوال ست لا خمس، فتبقى الساعة السادسة، ولأن خروج الإمام وطي الصحف إنما هو في السابعة لا في السادسة.
وروى "النسائي" في سننه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنه ثم كالمهدى بقرة ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي بطة ثم كالمهدي دجاجة ثم كالمهدي بيضة".
وقال "النووي": في هذه المسألة خلاف مشهور، فذهب "مالك" وبعض الشافعية إلى أن لمراد بالساعات لحظات لطيفة بعد الزوال، قالوا: والرواح الذهاب بعد الزوال.
وذهب الجمهور إلى استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح - كما قال "الأزهري" - الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهو الصواب، لأنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال؛ لأن التخلف بعد النداء حرام، فذكر الساعات إنما هو للحث على التبكير إليها والترغيب في فضلية السبق وانتظارها والاشتغال بالتنقل والذكر ونحوه ومولا يحصل بالذهاب بعد الزوال.
واعلم أن الساعة في اللغة وعرف الشرع غير محدودة بما قدره أهل التعديل سواء كانت مستوية أو معوجة كما سمعته [وصرح به "ابن بري"، لكن قال في] "رشف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزلال": الساعة على قسمين: مستوية ومعوجة، فالمستوية هي التي ينقلب فيها "البنكام" قبلة واحدة وبها تزيد ساعات الليل والنهار وتنقص، والمعوجة هي ما ينقسم به النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، وكذا الليل طالا أم قصرا، وفي الحديث عن "أبي ذر الغفاري": "إن الله خلق الليل والنهار اثني عشر ساعة فأعد لكل ساعة ركعتين تدرآن عنك ذنب تلك الساعة" رواه في مسند "الفردوس". فعلى هذا تكون الساعة بالمعنى المتعارف واردة في اللغة.