الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[23] قل لقيتها وحدهما، ولا تقل: لقيتهما اثنيهما
ويقولون: لقيتهما اثنيهما، مقايسة على قولهم: لقيتم ثلاثيتهم، فيوهمون في الكلام والمقايسة وهمين، ويختل عليهم الفرق بين الكلامين، وذلك أن العرب تقول في الاثنين: لقيتهما من غير أن تفسر الضمير، فإن أرادت إن تخبر عن إفرادهما باللقاء قالت: لقيتهما وحدهما، وتقول في الجميع: لقيتم ثلاثتهم ورايتهم خمستهم، وما أشبه ذلك، فتفسر الضمير.
والفرق بين الموضعين أن الضمير في قولك: "لقيتهما" ضمير مثنى، والمثنى لا تختلف عدته ولا تلتبس حقيقته، فاستغنى عن تفسير يبينه، والضمير في قولك "لقيتهم" ضمير جمع، والجمع مبهم غير محصور العدة لاشتماله على الثلاثة وعلى ما لا يحصى كثرة، فلو لم يفره المخبر عنه بما يبين عدته ويزيل الإبهام عنه لما عرف السامع حقيقته ولما علم كميته.
وحكى "أبو علي الفارسي" أي "مروان بن سعيد المهلبي" سأل "أبا الحسن الأخفش" عن قوله. عز وجل: {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} .
ما الفائدة في هذا الخبر؟
فقال: أفاد العدد المجرد من الصفة.
واراد مروان بسؤال أن الألف في كانتا تفيد الاثنين، فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يقال: فإن كانتا ثلاثاً ولا أن يقال: فإن كانتا خمساً؟
ــ
(حكي "أبو علي الفارسي": إن "مروان بن سعيد المهلبي" سأل "أبا الحسن الأخفش" عن قوله - تعالى - {فإن كانتا
…
} الخ: ما الفائدة في هذا الخبر؟
فقال: أفاد العدد المجرد من الصفة. فأراد "مروان" بسؤاله أن الألف في كانتا تفيد الاثنين فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنين، ونحن نعلم أنه لا يقال: فإن كانتا ثلاثاً ولا أن يقال: فإن كانتا خمساً؟
وأراد "الأخفش" بقوله إن الخبر أفاد العدد المجرد من الصفة: اي قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا، أو كبيرتين فلهما كذا، أو صالحتين فلهما كذا، أو طالحتين فلهما كذا. فلما قال: فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان افاد الخبر أن فرض الثلثين للأختين تعلق بمجرد كونهما اثنتين على أية صفة كانتا عليها من كبر أو صغر أو صلاح أو طلاح أو غنى أو فقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى.
ولعمري لقد أبدع "مروان" في استنباط سؤاله، وأحسن "أبو الحسن" في كشف إشكاله.
ــ
وأراد "الأخفش" بقوله: إن الخبر أفاد العدد من الصفة أي قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين فلهما كذا، أو كبيرتين فلهما كذا، أو صالحتين فلهما كذا، فلما قال: فإن كانتا اثنتين
…
الخ أفاد الخبر أن فرض الثلثين للأختين معلق بمجرد كونهما اثنتين على أي صفة كانتا من صغر أو كبر أو صلاح أو غنى أو فقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى).
وحاصل السؤال أن من شأن الخبر أن يفيد غير ما أفاد المبتدأ، وهذا عينه، ولذا منع "الفارسي": سيد الجارية مالكها. فأجاب "الأخفش" بأن الإخبار بالاثنينية يفيد أن الحكم متعلق بمجرد التعدد لا يغيره من الأوصاف، وهذا غير ما أفاده المبتدأ، ورده "أبو حيان" بأن ضمير التثنية دل على ذلك من غير قيد أيضاً فلا يندفع السؤال. وأجيب عنه بأن الضمير قائم مقام معرف بأل، وتقديره: فإن كانت الأختان. والمعرف يوهم التعيين فالخبر مزيل لذلك الإيهام، وهذا ما عناه "الأخفش"، لا سيما وقد قيل: إن الآية نزلت في معين، وإن كان خصوص السبب لا يخصص الأحكام، لكنه لا يدفع الإيهام.
وقال "الزمخشري": الأصل فإن كان من يرث بالأخوة ذكوراً أو إناثاً، وإنما قيل كانتا كما قيل: من كانت أمك فأنت ضمير من لتأنيث الخبر، ولذلك ثنى وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا لمكان تثنيته وجمعه.
ورده في "البحر" بأنه ليس نظير من كانت أمك. ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم، بخلاف الآية فإن المدلولين فيهما واحد، ولم يؤنث في من كانت أمك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لتأنيث الخبر؛ إنما أنث مراعاة لمعنى من إذا أريد به مؤنث؛ ألا ترى أنك تقول: من كانت فتؤنث مراعاة للمعنى إذا كان السؤال عن مؤنث؟ ولا خبر هنا، و"اثنتين" خبرٌ مقيد بصفة محذوفة، أي: فإن كانت الوارثتان اثنتين من الإخوة، وهذا مقيد، وحذف الصفة لفهم المعنى كثيرز
وفي "الحواشي" خير من هذا أن يصرف إلى كونهما شقيقتين أو لأبٍ أو كانت إحداهما شقية والأخرى لأب، فإن هذه الأحوال يتغير فيها حكم الميراث، ولكن الرجل لم يعن بالفقه.
ولنا هنا مباحث فيما قالوه يضيق عنها المقام، وستراها إذا أفضت إليها النوبة إن شاء الله تعالى.