الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[14] القول في مائدة وخوان
ويقولون لما يُتَّخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له: خوان إلى أن يحضر عليه الطعام فيسمى حينئذٍ مائدة، يدل على ذلك أن الحواريين حين تحدوا "عيسى". عليه السلام. بأن يستنزل لهم طعاماً من السماء، فقالوا:{هل يستطيع ربك أن يُنَّزل علينا مائدة من السماء} ثم بينوا معنى المائدة بقولهم: {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا} .
ــ
(ويقولون لما يُتَّخذ لتقديم الطعام عليه: مائدة، والصحيح أن يقال له: خوان إلى أن يحضر الطعام فيسمى: مائدة).
لا مانع من أطلاقه عليه باعتبار أنه وضع عليه أو سيوضع مجازاً، والأمر في مثله سهل، ولذا منع بعضهم دلالة مقالة الحواريين على مدَّعاه، وحكاية "الأصمعي" على ما ذكره من تسمية المحضر عليه الطعام مائدة، لجواز أن تكون المائدة نفس الطعام، و"من" في قوله تعالى:{نريد أن نأكل منها} تبعيضية لا ابتدائية، وقد نقل عن "الأخفش" و"أبي حاتم" أن المائدة نفس الطعام وإن لم يكن معه خوان كما نقله في "التقريب"، فقول المصنف إثباتاً لما ادعاه:(ثم بينوا اسم المائدة بقولهم: نريد أن نأكل منها) ليس بمسلمٍ كما لا يخفى.
اختلاف الأسماء باختلاف الأوصاف:
ثم ذكر ألفاظاً تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها فقال: (فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأسٌ إلا إذا كان فيها شراب) هذا برمته من كتاب "فقه اللغة"، وأكثره مدخول، فالكأس لا تطلق على الإناء بل على الشراب وعلى مجموعهما، فيقال كأس لمملوءة شراباً. قال تعالى:{يسقون فيها كأساً} و {كأساً من معين} وإطلاقه على ما فيه مجاز بعلاقة الحلول، وإطلاقه عليها فارغة حقيقة أو مجاز في إطلاق المقيد على المطلق وقوله:
وحكى "الأصمعي" قال: غدوت ذات يوم إلى زيارة صديق لي فلقيني "أبو عمرو بن العلاء" فقال لي: إلى أين يا "أصمعي" فقلت: إلى صديق لي فقال: إن كان لفائدة أو لعائدة أو لمائدة وإلا فلا.
وقد اختلف في تسميتها بذلك فقيل: سميت به لأنها تميد بما عليها، أي تتحرك مأخوذ من قوله تعالى:{وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم} وقيل: بل هو من ماد اي أعطى، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
إلى أمير المؤمنين الممتاد أي المستعطي. فك أنها تميد حواليها مما أحصر
ــ
(أصبحت ألطف من مرس النسيم سرى
…
على الرياض يكاد الوهم يؤلمني)
(من كل معنى لطيف أجتلي قدحاً
…
وكل ناطقة في الكون تطربني)
فإن سُلِّم أن القدح يختص بما ليس فيه شراب فهو مجاز أيضاً باعترا ما كان عليه أو ما يؤول إليه. وأما قوله (ولا للبئر ركية إلا إذا كان فيها ماء ولا للدلو سجل إلا وفيها ماء وإن قل. ولا يقال لهما ذنوب إلا إذا كانت ملأى).
فقد قال "الجوهري".: الركية البئر من غير تفرقة بين ما فيها ماء وما ليس فيها ماء، وفي "المطالع" سوّى بين السجل والذنوب والتجويز فيه سهل ظاهر، وقوله:(ولا يقال للبستان: حديقة إلا إذا كان عليه حائط). وهو أحد قولين لأهل اللغة فيه وفي "عمدة الحفاظ" في تفسير قوله تعالى: {حدائق وأعنابا} : إن الحديقة القطعة من الأرض المستديرة ذات النخل والماء تشبيهاً بحدقة الإنسان في الهيئة. وفي "الصحاح" إنها الروضة ذات الشجر من غير تفرقة بين ما أحاط به الحائط وغيره، وإن كان أصله بحسب الاشتقاق
عليها وقد أجاز بعضهم أن يقال فيها: ميدة. واستشهد عليه بقول الراجز:
(وميدة كثيرة الألوان
…
تصنع للجيران والإخوان)
[مطلب مفيد]
وفي كلام العرب أشياء تختلف أسماؤها باختلاف أوصافها. فمن ذلك أنهم لا يقولون للقدح: كأس إلا إذا كان فيه شراب. ولا للبئر: ركيَّة إلا إذا كان فيها ماء ولا للدلو: سجل إلا وفيها ماء ولو قل، ولا يقال لها: ذنوب إلا إذا
ــ
يقتضيه لأنه من أحدق به إذا أحاط وطاف به كما قاله "ابن دريد" وأنشد.
(المنعمون "بنو حرب" وقد حدقت
…
بي المنية واستبطأت أنصاري)
وقوله: (لا يقال للمجلس ناد وفيه أهله). فليس بمُسلَّم لجواز إلا إطلاقه على غيره مجازاً كما يطلب على أهله كما في قوله تعالى: {فليدع ناديه} وكذلك المجلس في قوله:
(نبئت أن النار بعدم أوقدت
…
واستب بعدك يا كليب المجلس)
وقيل: إنه على تقدير مضاف اي أهل نادية وأهل المجلس.
كانت ملأى، ولا يقال أيضاً للبستان: حديقة إلا إذا كان عليه حائط، ولا للإناء: كوز إلا إذا كانت له عروة وإلا فهو كوب، ولا للمجلس: نادٍ إلا وفيه أهله، ولا للسرير: أريكة إلا إذا كانت عليه حجلة، ولا للمرأة: ظعينة إلا ما دامت راكبة في المهودج، ولا للستر: خدر إلا إذا اشتمل على امرأة، ولا للقدح: سهم إلا إذا كان فيه نصل وريش، ولا للطبق: مهدى إلا ما دامت فيه الهدية، ولا للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح، ولا للقناة: رمح إلا إذا ركِّب عليها السنان. وعليه قول "عبد القيس خفاف بن البرجمي":
(وأصبحت أعددت للنائبات
…
عِرضا بريئاً وغضباً صقيلا)
(ووقع لسانٍ كحد السنان
…
ورمحاً طويل القناة عسولا)
ــ
وقوله: (ولا للسرير أريكة إلا إذا كانت عليها حجلة) قال "ابن بري": قد سموا الفراش أرائك كما في قوله:
(خدود خفت في الستر حتى كأنما
…
تناشرن بالغراء دمس الأرائك)
وقوله: (ولا للمرأة ظعينة إلا ما دامت راكبة في ال هودج ولا للستر خدراً إلا إذا اشتمل على امرأة).
في "النهاية" الظعينة المرأة في الهودج ويقال للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة، وفي "الجمهرة" الخدر خدر المرأة وهو ثوب يمدر في عرض الخباء تستتر به المرأة، ثم كثر في كلامهم فصار كل ما واراك خدراً. والهودج محمل معروف [وقول "عبد القيس بن خفاف البرجمي":
ولو كان الرمح هو القناة لقال: رمحاً طويلاً لأن الشيء لا يضاف إلى ذاته. ومن هذا النمط أيضاً أنه لا يقال للصوف: عهن إلا إذا كان مصبوغاً، ولا للسرب: نفق إلا إذا كان مخروقاً، ولا للخيط: سمط إلا إذا كان فيه نظم، ولا للحطب: وقود إلا إذا اتقدت فيه النار، ولا للثوب: مطرف إلا إذا كان في طرفه علمان، ولا لماء الفم: رضاب إلا ما دام في الفم، ولا للمرأة: عانس ولا عاتق إلا ما دامت في بيت أبويها، وكذلك لا يقال للأنبوبة: قلم إذا إذا بُريت.
وأنشدني أحد شيوخنا رحمهم الله "لأبي الفتح كشاجم":
ــ
(وأصبحت أعددت للنائبا
…
عرضاً بريئاً وعضباً صقيلا)
(ووقع لسان كحد السنا
…
ورمحاً طويل القناة عسولا)
خُفاف كغُراب علم والبرجمي بفتح الموحدة وسكون الراء وجيم وميم نسبة للبراجم وهم قوم من تميم، وعسول بمعنى متحرك ومضطرب، ولذا قيل للرمح عسل ومعسال.
وقوله: (لأن الشيء لا يضاف إلى ذاته)، أي نفسه ليس بصحيح لأنه من إضافة العام إلى الخاص كشجر الأراك، ولو كان رمح القناة صح ما توهمه.
[ولا يقال للشجاع: كمي إلا إذا كان شاكي السلاح] الكمي الشجاع مطلقاً ولابس السلاح من كمي بمعنى استتر.
قال "السهلي": سمي به لأن من شأنه أن يخفي شجاعته فلا يظهرها إلا في محلها، وشاكي السلاك بمعنى تام السلاح، وقيل السلاح مشبه بالشوك، ويقال: شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسره جعله منقوصاً مثل قاضي وفيه قولان، قيل: أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوك. وقيل [أصله] شاكك من الشكة مشددة وهي السلاح أبدل ثاني مثليه حرف علة للتخفيف وأعل إعلال قاض. وضمُّه على وجهين: أحدهما أن
(لا أحب الدواة تحشى يراعا
…
تلك عندي من الدوى معيبه)
(قلمٌ واحدٌ وجودة خط
…
فإذا شئت فاستزد أنبوبه)
(هذه قعدة الشجاع عليها
…
سيره دائباً وتلك جنيبه)
ــ
أصله شوك فانقلبت واوه ألفاً، وقيل: هو محذوف من شائك كما قيل هارٌ بضم الراء، وفيه لغة ثالثة شاكّ بتشديد الكاف من الشكة لا غير كما في شرح "أدب الكاتب""لابن السيد".
"لأبي الفتح كشاجم":
(لا أحب الدواة تحشى يراعاً
…
تلك عندي من الدويّ معيبه)
الخ الأبيات.
و"كشاجم" شاعر مشهور في "توضيح ابن هشام" أنه بفتح الكاف، وفي "القاموس" أنه بضمها كعلابط علم مرتجل. قالوا: إنه مأخوذ من صفاته وصناعاته فالكاف من كاتب والشين من شاعر والألف من أديب والجيم من جميل والميم من منجم، ومعنى الشعر ظاهر، أي لا أحب كثرة الأقلام في الدواة، وتحشى من الحشو المعروف، ودوي بضم الدال وكسرها للاتباع وكسر الواو وتشديد الياء جمع دواة، بل يلقى قلمان لها يكون أحدهما كالفرس يركب للسير عليه والآخر يجنب للحاجة إذا اقتضته. ووجه كونه لا يسمى قلماً حقيقة ما لم يبر ويقطع لأنه مأخوذ من القلم وهو القطع، وقيل لأعرابي: ما القلم؟ فقال لا أدري فقيل له: توهمه، فقال: عود قلم من جانبيه كتقليم الظفر فسمى قلماً.
ثم عقب هذا بما يناسبه فقال: