الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[191]- قولهم للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت
ويقولون للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت، فيزيدون هم في افتتاح الكلام وهو من أشنع الأغلاط والأوهام، وحكى "أحمد بن إبراهيم المعدل" قال: سمعت "الأخفش" يقول لتلامذته: جنبوني أن تقولوا: بس، وأن تقولوا: هم، وأن تقولوا: ليس لفلان بخت.
والمنقول من لغات العرب أن بعض أهل اليمن يزيدون أم في الكلام فيقولون: أم نحن نضرب الهام أم نحن نطعم الطعام، أي نحن نضرب ونطعم، وأخذوا في زيادة أم مأخذ زيادة معكوسها، وهو ما في مثل قوله تعالى:{فبما رحمة من الله} [آل عمران: 159] و {عما قليل} [المؤمنون: 40] وقد روي عن "حمير" أنهم يجعلون آلة التعريف أم فيقولون: طاب ام ضرب يريدون طاب الضرب، وجاء في الآثار فيما رواه "النمر بن تولب" أنه صلى الله عليه وسلم نطق بهذه اللغة في قوله: "ليس من ام برام صيام في ام
ــ
(ويقولون للمخاطب: هم فعلت وهم خرجت فيزيدون هم في افتتاح الكلام، وهو من أشنع الأغلاط والأوهام) أقول: وقع في "البخاري" في كتاب الحج: هم هذا الحديث حديث مالك. قال "الكرماني": هم بفتح الهاء وسكون الميم قيل: عربية، ومعناها قريب من لفظة أيضاً. وقال نجم الأئمة "الرضى" في بحث حروف التنبيه: أما حرف استفتاح وقد تبدل همزتها هاء أو عيناً نحو: هما وعما، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاثة نحو أم وهم وعم. اهـ
فعلى هذا هي لغة في أما الاستفتاحية لبعض العرب، وإبدال الهمزة هاء وارد في كلامهم نحو أراق وهراق.
قال بعضهم: (سمعت "الأخفش" يقول لتلامذته: جنبوني أن تقولوا: بس [وأن
سفر" يريد: "ليس من البر الصيام في السفر".
وحكى "الأصمعي" أن "معاوية" قال ذات يوم لجلسائه: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط، فقال: قوم تباعدوا عن عنعنة "تميم" وتلتلة "بهراء" وكشكشة "ربيعة" وكسكسة "بكر" ليس غمغمة "قضاعة" ولا طمطمانية "حمير" فقال: من أولئك؟ قال: قومك يا أمير المؤمنين.
وأراد بعنعنة "تميم" أن "تميما" يبدلون من الهمزة عينا كما قال "ذو الرمة":
(أعن توسمت من خرقاء منزلة
…
ماء الصبابة من عينيك مسجوم)
(يريد أن توسمت، وأما تلتلة "بهراء" فيكسرون حروف المضارعة فيقولون: أنت تعلم.
وحدثني أحد شيوخي- رحمه الله أن "ليلى الأخيلية" كانت ممن يتكلم بهذه
ــ
تقولوا هم] وأن تقولوا: ليس لفلان بخت). اهـ.
في "القاموس" بس بمعنى حسب أو هو مسترذل، وفي شرح "التسهيل" بس بفتح الباء الموحدة وكسر السين المهملة المشددة، تقول: بس زيد، أي أرفق به، وقالوا: ضربه فما قال حسن ولا بس. وأهل زماننا يستعملونها بمعنى اترك القول أو الفعل ويسكنونها، وهذا فاش في لسان أهل مصر، وقد سمعت الكلام على هم، وأما بخت فبمعنى الحظ مولدة أو معربة.
وقوله: (وقد روي عن "حميد" أنهم يجعلون آلة التعريف أم فيقولون: طاب أم ضرب، يريدون طاب الضرب) وفي "المغني" أنها نقلت عن "طي وحمير" وقيل: إن هذه اللغة مختصة بالأسماء التي لا تدغم لام التعريف في أولها، ولعل ذلك لغة لبعضهم لا لجميعهم، ألا تراها دخلت في الحديث على النوعين.
اللغة، وأنها استأذنت ذات يوم على "عبد الملك بن مروان" وبحضرته "الشعبي" فقال له: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أضحكك منها؟ قال: افعل، فلما استقر بها المجلس، قال لها "الشعبي": يا ليلى، ما بال قومك لا يكتنون؟ فقالت له: ويحك أما نكتني؟ فقال: لا والله ولو فعلت لاغتسلت، فخجلت عند ذلك واستغرق "عبد الملك" في الضحك. وأما كشكشة "ربيعة" فإنهم يبدلون عند الوقف كاف المخاطبة شيناً فيقولون للمرأة: ويحك ما لش فيقرون الكاف التي يدرجونها على هيئتها ويبدلون من الكاف التي يقفون عليها شيناً [قال راجزهم]:
(تضحك مني إن رأتني أحترش
…
ولو حرشت لكشفت عن حرش)
عن واسع يغرق فيه القنفرش]
وفيهم من يجري الوصل مجرى الوقف فيبدلون الكاف فيه أيضاً شيناً، وعليه أنشد بيت المجنون:
(فعيناش عيناها وجيدش جيدها
…
ولكن عظم الساق منش دقيق)
ــ
(وحكي "الأصمعي" أن "معاوية" قال يوماً لجلسائه: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط وقال: قوم تباعدوا عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعة وكسكسة بكر ليس فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير، فقال: من أولئك؟ قال: قومك يا أمير المؤمنين).
وأما كسكسة "بكر" فإنهم يزيدون على كاف المؤنث في الوقف سيئاً ليبينوا حركة الكاف فيقولون: مررت بكس. وأما غمغمة "قضاعة" فصوت لا يفهم تقطيع حروفه. وأما طمطمانية "حمير" فقد مضى تفسيرها فيما تقدم.
ــ
في "كامل المبرد" قال "معاوية" يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير فقال "معاوية": من أولئك؟ قال: قومي يا أمير المؤمنين. قال: من أنت؟ قال: رجل من جرم، وجرم من أفصح الناس. اهـ. وهم من اليمن لكنهم جاوروا مضر. ثم قال: وبكر تختلف في الكسكسة، فقوم منهم يبدلون من الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين، وقوم منهم يثبتون حركة الكاف ويزيدون بعدها سيئاً، و"بنو عمر بن تميم" إذا ذكروا كاف المؤنث ووقفوا عليها أبدلوا منها شيئاً لقرب الشين من الكاف في المخرج، لأنها مهموسة مثلها، فأرادوا البيان في الوقف لأن في الشين تفشياً والتي يدرجونها يدعونها كافاً وربما أبدلوا الكاف الأصلية المكسورة شيئاً فقالوا في ديك ديش كما قاله "ابن السيد"، وروي بدل قوله: فراتية العراق لخلخانية العراق، واللخلخانية اللكنة من قولهم لخ في كلامه إذا جاء به ملتبساً، وعن "الأصمعي" نظر فلان نظر اللخلخانية وهو نظر الأعاجم، ولخلخان قبيلة أو موضع ينسب إليه. وفي "فقة اللغة" يعرض في لغة أعراب "الشحر" و"وعمان" كقولهم في ما شاء الله مشا الله. والغمغمة أن لا تبين الكلام، ويقال لأصوات الأبطال والثيران عند الذعر غماغم. والطمطمانية العجمة يقال: رجل طمطماني وطمطم، منه قالوا للعجيب: جعلت طمطم لما فيه من منكراً المنكرة الأعجمية كما في "الفائق". [وقال الثعالبي: هو إبدال الكلام ميماً]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسماط الصف من الناس مأخوذ من السمط، ويقال لما يمد عليه الطعام تشبيهاً له أو للمجاورة. والعنعنة تكرير لفظة عن، [ومنه قول المحدثين: عنعنة فليست بمولدة كما توهمه المصنف.] وأما قصة "ليلى الأخيلية" فقيل نقلها عن "الشعبي" غير صحيح لأنه إمام ورع، وقد رويت على وجه آخر أنه قيل للمرأة ذلك فقالت له: كيف تقطع قول الشاعر:
(حولوا عنا كنيستكم
…
يا بني حمالة الحطب)
فلما قطعه قال: ناكني وأراد أن يقول فاعلن، فقالت له: من هو الفاعل؟ اهـ. وهذه حكاية موضوعة. ولو قالته بعد قوله فاعلن لكانت النادرة أتم. وفي "فقه اللغة للصحابي" أجمع العلماء ورواة أشعار العرب وأيامها على أن قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة؛ لأن الله تعالى اختارهم من جميع العرب واصطفاهم واختار منهم نبي الرحمة فجعل قريشاً قطان حرمه وجيران بيته الحرام وولاته، وكانت وفود العرب حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة المشرفة للحج ويتحاكمون في أمورهم إلى قريش، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم وتحكم بينهم، ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها وتسميها أهل الله، لأنهم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام لم تشبهم شائبة ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة تفضيلا من الله وتشريفا؛ إذ جعلهم رهط نبيه الأدنين وعشيرته الصالحين، وكانت قريش على فصاحتها وحسن لغتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم وفود العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلماتهم، فاجتمع ما تخيروه من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب، ثم يليهم في الفصاحة الست من القبائل وهم خمس من "هوازن" يقال لهم: عليا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"هوازن" وعجز "هوازن" ومنها "سعد بن بكر" و"جشم بن بكر" و"نضر ابن معاوية" و"ثقيف" ثم سفلى "تميم". قال "أبو عبيد": وأفصح هؤلاء بنو سعد بن بكر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بن بكر" وكان مسترضعاً فيهم، وبهذا فسر "ابن عباس" الحديث:"أنزل القرآن على سبعة أحرف".