الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[53]- حكم مجيء إذ بعد بينا
ويقولون: بينا زيد قام إذ جاء عمرو. فيتلقون بينا بإذ، والمسموع عن العرب بينا زيد قام جاء عمرو بلا «إذ» لأن المعنى فيه: بين أثناء الزمان جاء عمرو، وعليه قول «أبي ذؤيب»
(بينا تعانقه الكماة وروغه
…
يوماً أتيح له جريء سلقع)
فقال: أتيح ولم يقل: إذا أتيح. وهذا البيت ينشد بجر تعانقه ورفعه، فمن جره جعل الألف في بينا ملتحقة لإشباع الفتحة [كالألف في قول الشاعر:
(فأنت من الغواية حين تدعى
…
ومن ذم الرجال بمنتزاح)]
لأن الأصل فيها بين. وجر تعانقه على الإضافة، ومن رفع رفعه على الابتداء وجعل الألف زيادة ألحقت ببين ليوقع بعدها الجملة. كما زيدت ما في بينما لهذه العلة، وذكر «أبو محمد بن قتيبة» قال: سألت «الرياشي» عن هذه المسألة فقال:
ــ
(ويقولون بينا زيد قائم إذ جاء عمرو فيتلقون بينا بإذ، والمسموع عن العرب بينا زيد قام جاء عمرو يلا إذ، لأن المعنى فيه بين أثناء الزمان جاء عمرو). هذا أيضاً غير مسلم. قال «نجم الأئمة الرضي» : قد تقع إذا وإذ جواب بينا وبينما وكلتاهما إذن للمفاجأة والأغلب مجيء إذ في جواب بينا قال:
إذا ولى لفظة بين الاسم العلم رفعت فقلت: بينا زيد قام جاء عمرو، وإن وليها المصدر فالأجود الجر كهذه المسألة. وحكي «أبو القاسم الآمدي» في أماليه عن «أبي عثمان المازني» قال: حضرت أنا و «يعقوب بن السكيت» مجلس «محمد بن عبد الملك الزيات» فأفضنا في شجون الحديث إلى أن قلت: كان «الأصمعي» يقول: بينا أنا جالس إذ جاء عمرو محال، فقال «ابن السكيت»: أخطأ. هذا كلام الناس قال: فأخذت في مناظرته عليه وإيضاح المعنى له فقال لي «محمد بن عبد الملك» دعني حتى أبين له ما اشتبه عليه، ثم التفت إليه وقال له: ما معنى بينا؟ فقال: حين. قال: أفيجوز أن يقال حين جلس زيد إذا جاء عمرو؟ فسكت. فهذا حكم بينا، وأما بينما فأصلها أيضا بين فزيدت عليها ما ليؤذن بأنها خرجت عن بابها بإضافة ما إليها، وقد جاءت في الكلام تارة غير متلقاة بإذ مثل بينا، واستعملت تارة متلقاة بإذ وإذا اللذين للمفاجأة كما قال الشاعر:
(فبينما العسر إذ دارت مياسير)
ــ
(فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا
…
إذا نحن فيهم سوقة نتكفف)
ولا يجيء بعد إذ إلا الماضي وبعد إذا إلا الاسمية. والأصل تركهما في جواب بينا وبينما لكثرة مجيء جوابهما بدونهما، والكثرة لا تدل على أن المكثور غير فصيح، بل تدل على أن الأكثر أفصح وفي الحديث:«بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتانا رجل» وفي كلام أمير المؤمنين «علي» رضي الله عنه «بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته» . والعجب من المصنف أنه قال في مقاماته «فبينا أنا أطوف وتحتي فرس قطوف إذ رأيت» وقال أيضا «فبينا أنا عند حاكم الإسكندرية إذ دخل شيخ
وكقوله في هذه القطعة:
(وبينما المرء في الأياء مغتبط
…
إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير)
فتلقى هذا الشاعر بينما في البيت الأول بإذ وفي الثاني بإذا.
وليس ببدع أن يتغير حكم بين بضم «ما» إليه لأن التركيب يزيل الأشياء عن أصولها ويحيلها عن أوضاعها ورسومها، ألا ترى أن رب لا يليها إلا الاسم فإذا اتصلت بها ما غيرت حكمها وأولتها الفعل كما جاء في القرآن:{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} وكذلك حرف لم فإذا زيدت عليها ما. وهي أيضا حرف. صارت لما اسماً في بعض المواطن بمعنى حين ووليها الفعل الماضي نحو قوله تعالى: {ولما جاءت رسلنا لوطا} . وهكذا قل وطال لا يجوز أن يليهما الفعل إلا إذا دخلت ما عليهما كقولك: طالما زرتك وقلما هجرتك ..
ــ
إلخ» وقال أيضا «فبينا أنا أسعى وأقعد وأهب وأركد إذ قابلني شيخ يتأوه» فكأنه نسي ما قاله هنا وفي المثل «من غير ابتلي» .
(بينا تعانقه الكماة وروغه
…
يوماً أتيح له جريء سلقع)
وهو من قصيدة «أبي ذؤيب الهذلي» المرثية التي أولها:
(أمن المنون وريبه تتوجع
…
والدهر ليس بمعتب من يجرع؟ )
وفي شرح ديوانه «للمرزوقي» روى «الأصمعي» بينا تعنقه مجروراً بغير ألف وكان يقول: بينا تضاف إلى المصادر خاصة، وهو تفاعل من المعانقة بعين مهملة وهي معروفة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروغه بغين معجمة من المراوغة والمعنى: كان هذا بين تعنقه الكماة وروغانه حتى قدر له ما قدر، وأتيح بالحاء المهملة بمعنى قدر، والنحويون يخالفون «الأصمعي» ويقولون: بينا وبينما عبارتان للحين، وهما مبهمتان لا تضافان إلا إلى الجمل التي بينهما، وذكر «سيبويه» أن إذ تقع بعدهما للمفاجأة وغيره ينكر ويقول: لا حاجة إلى إذ لأن بينما بمنزلة حين وهي لا تحتاج إليها معها ويشهد «لسيبويه» قوله:
(بينما نحن بالكثيب ضحى
…
إذ أتى راكباً على جمله)
ولإبهامها تحتاج إلى الجمل، ويرويه النحويون تعانقه بالرفع بالابتداء وخبره مقدر، أي حاصل معهود ومعتمد مألوف، أتيح له يوماً رجل جريء المقدم ثابت القدم، والمعنى أن هذا اللابس الدرع حزماً وقت معانقته للأبطال ومراوغته للشجعان قدر له رجل هكذا. والسلفع الجريء، وأكثر ما يوصف به ويستعمل لاشتهاره بغير هاء، وقد جاء في حديث «أبي الدرداء» بالهاء وهو «وشركم السلفعة البلقعة الذي يسمع لأضراسها قعقعة ولا تزال جارتها مفزعة» والبلقعة مثل السلفعة في أنه لحقته الهاء، والأكثر عدمه وروي: تعانقه. اهـ. وقول «ابن بري» في حواشيه»: الصواب تعنقه لأن التعانق لا يتعدى وهم منه؛ لصحة روايته، وأما ما ذكره من أمر التعدي ففيه كلام في كتب النحو. (وجعل الألف زائدة ألحقت ببين ليوقع بعدها الجملة كما زيدت «ما» في بينما لهذه العلة). اختلف النحاة في ألف بيتا، فقيل: إنها كافة، وهي مثل «ما» وقيل: إشباع، وهي مضافة إلى الجملة، ويؤيده أنها أضيفت إلى المفرد في قوله: بينا تعنقه الكماة
وروغه
…
كما مر. وقال «الرضي» : لما قصدوا إضافة اللازم .. إضافته إلى مفرد. إلى جملة، والإضافة إلى جملة كلا إضافة، زادوا عليها ما الكافة لأنها تكف المقتضي عن الاقتضاء، وأشبعوا الفتحة فتولدت ألف لتكون الألف دليل عدم اقتضائه المضاف إليه لأنه كأنه وقف عليه. وما ذكره «ابن الزيات» في المناظزة يدفعه أنه لا يلزم كون لفظ بمعنى لفظ آخر أن يعطى جميع أحكامه. وفي «صحيح البخاري»: «بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
…
» إلى آخره. فقرن جوابها بالفاء. قال «الكرماني» : أقامها مقام إذا والجواب مقدر. وهذا تفسيره. (لم حرف فإذا زيدت عليها «ما» وهي أيضاً حرف صارت لما اسماً في بعض المواطن بمعنى حين). لما الحينية حرف عند بعض النحاة، وعند بغضهم اسم كما فصله النحاة، وأما تركيبها من لم وما وصيرورتها بسبب التركيب اسماً فتكلف ضعيف.