الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[75] الفرق بين سائل وسأل
ويقولون لمن يكثر السؤال من الرجال: سائل ومن النساء: سائلة، والصواب أن يقال لهما: سأل وسألة، كما أنشد بعضهم في الخمر:
(سأالة للفتى ما ليس في يده
…
ذهابة بعقول القوم والمال)
(أقسمت بالله أسقيها وأشربها
…
حتى تفرق ترب الأرض أوصالي)
يعني أقسمت بالله لا أسقيها فأضمر لها كما أضمرت في قوله تعالى: «تالله تفتأ تذكر يوسف» أي لا تفتأ، وأكثر ما تضمر في الأقسام قالت الخنساء
(فآليت آسي على هالك
…
وأسأل نائحة مالها)
ــ
(ويقولون لمن يكثر السؤال من الرجال: سائل، ومن النساء: سائلة، والصواب أن يقال: سأل وسألة).
[قال "ابن بري": إنكار] إطلاق السائل على كثير السؤال ليس بصحيح، لأن باب "فاعل" كضارب وقاتل عام لكل من صدر منه الفعل قليلاً كان أو كثيرًا، فلا يمتنع أن يقع فاعل موقع فعال المختص بالكثير لعمومه؛ ألا ترى أن قوله تعالى: » وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم «لا يقتضي أن يكون السائل هنا من قل سؤاله؟ ومثله من صفات الباري والخلاق والرازق والرزاق، والمراد بأحدهما ما يراد بالآخر، يعني أن
أي لا آسى ولا أسأل، وقد تضمر في غير القسم لقول الراجز لابنه:
(أوصيك أن يحمدك الأقارب
…
ويرجع المسكين وهو خائب)
أي ولا يرجع، وكما أنهم أضمروا "لا" فقد استعملوها زائدة على وجه الفصاحة وتحسين الكلام، كما قال سبحانه: » ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك «[والمراد به ما منعك أن تسجد] بدليل قوله تعالى في السورة الأخرى: » ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي «ومنه قول الراجز:
(وما ألوم البيض أن لا تسخرا
…
إذا رأين الشمط المنورا)
أي لا ألوم البيض أن تسخر إذا رأين الشيب، والأصل في مباني الأفاعيل ملاحظة حفظ المعاني التي تتميز باختلاف وضع الأمثلة، فبنى مثال من فعل الشيء مرة على فاعل، نحو قاتل وفاتك، وبني مثال من كرر الفعل على فعال مثل قتال
ــ
فاعلاً لو اختص بالقليل لم يصح إطلاقه عليه - تعالى - في مثل قوله: » الله خالق كل شيء «والكثرة في مثله باعتبار التعلقات.
فإن قلت: كيف أدرج النحويون العالم والخالق ونحوهما من صفاته في اسم الفاعل، والمعتبر فيه عندهم كونه لمن قام به الفعل على معنى الحدوث؟ قلت: مرادهم أن يكون على معناه وضعا، لكنه قد يستعمل لخلافه إذا قام دليل شرعي أو عقلي على خلافه، أو هو باعتبار [حدوث متعلقة].
وقد تضمر في غير القسم كقول الراجز:
(أوصيك أن يحمدك الأقارب
…
ويرجع المسكين وهو خائب)
أي ولا يرجع، وكما أنهم أضمروا "لا" فقد استعملوها زائدة على وجه الفصاحة
وفتاك، وبني مثال من بالغ في الفعل وكان قويًا عليه على فعول مثل صبور وشكور، وبني مثال من اعتاد الفعل على مفعال مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور، ومثنات إذا كان من عادتها أن تلد الإناث، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكرًا ونوبة أنثي، وبني مثال من كان آلة للفعل وعدة له على مفعل نحو محرب ومرجم وحكى "ابن الأعرابي" قال: دفع رجل رجلاً من العرب، فقال المدفوع: لتجدني ذا منكب مزحم وركن مدعم ورأي مصدم ولسان مرجم ووطء ميثم، أي مكسر.
وسئل بعض أهل اللغة عن قوله تعالى: » وما ربك بظلام للعبيد «لم ورد
ــ
وتحسين الكلام، كما قال - سبحانه: » وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك «والمراد به: » ما منعك أن تسجد «بدليل قوله تعالى - في السورة الأخري: » ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي «.
هذا كله مما صرحوا بخلافه، وإن كانوا قائلين بزيادة لا، وما ذكر في البيت بناء على نصب يرجع، وقد قيل: إن المروى فيه الرفع على الاستئناف، أو على أن الواو حالية شذوذًا، أو بتقدير مبتدأ، ولا فساد فيه من جهة المعنى كما توهمه؛ فإنه على هذا [يكون] أوصاه بتخصيص نفعه بأقاربه دون الأجانب ولا محذور فيه، على أنه لو سلم فلا بأس به، فإن خطأ العربي في المعني لا يضر، وإنما الممتنع منهم الخطأ في الألفاظ، والكلام على الآية المذكورة مفصل في "الكشاف" وشرحه.
(وما ألوم البيض ألا تسخروا
…
إذا رأين الشمط المنورا)
على وزن "فعال" الذي صيغ للتكثير وهو سبحانه منزه عن الظلم اليسير؟ فأجاب عنه: إن أقل القليل من الظلم لو ورد منه وقد جل سبحانه عنه لكان كثيرًا لاستغنائه عن فعله وتنزهه عن قبحه، ولهذا يقال: زلة العالم كبيرة وإلي هذا أشار المخزومي الشاعر في قوله:
(العيب في الجاهل المغمور مغمور
…
وعيب ذي الشرف المذكور مذكور)
(كفوفة الظفر تخفى من حقارتها
…
ومثلها في سواد العين مشهور)
ــ
الذي رواه "أبو عبيدة": "الشمط القفندر) وهو القبيح ونونه زائدة، فأصله قفدر وهو العظيم الهامة، وفسره- في أمال "ثعلب"- بشيب القفا، وفي "فقه اللغة" أنه الرجل الضخم، وقد يعقب فيه، والعوام تزعم أنه اسم نجم، ولا أصل له.
(وبني مثال من كرر الفعل على فعال)[إن] قيل: إن ما ذكره من التفرقة لا تعرفه النحاة فإن صبور وصبار ومضراب وضراب عندهم بمعنى، قلت: ما ذكره هو المشهور، إلا أني رأيت في كتاب "بغية الأمل في شرح الجمل""لأبي بكر بن طلحة" أن أمثلة المبالغة متفاوتة، ففعول لمن كثر منه الفعل وفعال لمن صار له صناعة، ومفعال لمن صار له كالآلة، وفعيل لمن صار له كالطبيعة، وفعل لمن صار له كالعادة. اهـ.
وقد تعقب بأنه لم يقله أحد من النحويين، وأنه تلفيق حمله عليه ما رآه من كثرة "فعال" من الصنائع كخياط، ومفعال في الآلة، وفعيل في أفعال الطبيعة كبخيل وكريم، وفعل في العادات كصليف. وهذا اعتراض من تلقن الجواب كقوله - تعالى: » ما غرك بربك الكريم «.
ومن صيغ المبالغة ما جاء على وزن اسم الآلة كمنحار ومسعر [حرب]، وفي شرح مقامات "الزمخشري" له: المعطاء الكثير العطاء كالمهداء من الهدية، ويستوي فيه الرجل والمرأة، وهو على وزن الآلة كالمفتاح والميزان.
(وسئل بعض أهل اللغة عن قوله - تعالى: : » وما ربك بظلام للعبيد «: لم ورد على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وزن فعال الذي صيغ للتكثير، وهو سبحانه منزه عن الظلم اليسير؟ فأجاب بأن أقل القليل من الظلم لو ورد منه - وقد جل سبحانه عنه - لكان كثيرًا لاستغنائه عن فعله وتنزهه عن قبحه، وهذا كما يقال: زلة العالم كبيرة).
في هذه الآية وجوه:
منها، هذا وهو كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ومنها: أن العدول إلى صيغة المبالغة للتنبيه على أن شأنه تعالى، يقتضي أن كل وصف يثبت له يبلغ حد الكمال، واختاره بعض المتأخرين قيل ولا يرد عليه أن هذا في صفات الكمال، وأما صفات النقص السلبية التي تتنزه عنها ساحة جلاله فلا يلزم فيها ما ذكر لأن كل صفة تثبت له تعالى ولو فرضًا تصير [كمالية]، فتأمل.
وأجاب "القاضي" بأن كثرة العبيد تستلزم كثرة الظلم، والمبالغة راجعة إلى الكم، وأورد عليه أن نفي مبالغة الظلم لا يستلزم نفي أصله، بل ربما يدل على خلافه بدليل الخطاب، وبرجوع النفي إلى القيد، ورفع الإيجاب الكلي لا ينافي الإيجاب الجزئي، وأجيب عنه بأنه قصد به نفي الظلم لجنس العبيد، وهو يستلزم أن لا يظلم واحد منهم فيفيد عموم النفي، قيل: إلا أن يقصد بنفي المبالغة المبالغة في النفي، وفيه أن المبالغة الأولى في الكم والثانية في الكيف وبينهما مباينة ظاهرة، وأيضًا نفي القيد الذي لم يعبر عنه بلفظ مستقل، وإن صرح به بعض المحققين في "حواشي الكشاف" لا يصفو من الكدر.
وقيل: فعال هنا للنسبة كعطار وبقال، ولذا قيل: إنه لم يقصد به المبالغة، وقيل: نفي الظلام لازم لنفي الظالم، لأنه إذا انتفى أصل الظلم انتفى كماله، فنفي المبالغة كناية عن نفي الأصل، وقيل: إذا انتفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل؛ لأن الذي يظلم إنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فالقليل بالطريق الأولى.
(وإلى هذا أشار "المخزومي" الشاعر بقوله:
(العيب في الخامل المغمور مغمور
…
وعيب ذي الشرف المذكور مذكور)
(كفوفة الظفر تخفي من حقارتها
…
ومثلها في سواد العين مشهور)
هذا الشعر كما في "اليتيمة""لأبي محمد طاهر بن الحسين بن يحيى المخزومي" وهو بصري المولد والمنشأ رازي الموطن، حسن التصرف في فنون الشعر، موف على أكثر شعراء العصر، يعادل من أهل العراق "ابن نباته" أورد له غررًا من نظمه الذي هو روح الشعر وذوب التبر كهذه القطعة التي أنشدها له المصنف، وفي معناها قول الآخر:
(لا تحقر الرجل الرفيع دقيقة
…
في السهو فيها للوضيع معاذر)
(فكبائر الرجل الصغير صغائر
…
وصغائر الرجل الكبير كبائر)
وقلت:
(كما من عيوب لفتى عدها
…
سواه [زينا] حسن الصنع)
([فنكتة] الياقوت مذمومة
…
وهي التي تحمد في الجذع)