الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[51]- بين لا تضاف إلى مفرد
ويقولون: المال بين زيد وبين عمرو بتكرير لفظة بين فيوهمون فيه، والصواب أن يقال: بين زيد وعمرو، كما قال. سبحانه:{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} ، والعلة فيه أن لفظة (بين) تقتضي الاشتراك فلا تدخل إلا على مثنى أو مجموع، كقولك: المال بينهما والدار بين الإخوة، فأما قوله. تعالى:{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين وتنوب مناب لفظتين، وإن كانت مفردة، ألا ترى أنك تقول: ظننت ذلك، فتقيم لفظة ذلك مقام مفعولي ظننت، وكأن
ــ
(ويقولون: المال بين زيد وبين عمرو بتكرير لفظة بين فيوهمون، والصواب أن يقال: بين زيد وعمرو). هذا أيضا من النمط السابق. وقال «ابن بري» : إعادة بين هنا جائزة على جهة التأكيد وهو كثير في كلام العرب، كقول «الأعشى»:
(بين الأشج وبين قيس باذخ
…
بخ لوالده وللمولود)
وقال «عدي بن زيد» : (بين النهار وبين الليل قد فصلا)
(فبين النهار وبين الليل من عقد
…
على جوانبه الأوساط والهدب)
في أبيات كثيرة تشهد لذلك فعلم من هذا أن إعادة بين لا تفسد النظم ولا المعنى كما توهمه المصنف.
تقدير الكلام في الآية مذبذبين بين الفريقين، وقد كشف. سبحانه. هذا التأويل بقوله:{لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} ، ونظيره لفظ «أحد» في قوله تعالى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} ، وذلك أن لفظة «أحد» تستغرق الجنس الواقع على المثنى والجمع، وليست بمعنى واحد، بدليل قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} وكذلك إذا قلت: ما جاءني أحد، فقد اشتمل هذا النفي على استغراق الجنس من المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع، فإن اعترض معترض بقول «امرئ القيس»:
( ..... بين الدخول فحومل)
فالجواب: «أن الدخول اسم واقع على عدة أمكنة، فلهذا جاز أن يعقب بالفاء، كما يقال: المال بين الإخوة فزيد. ومثله قوله تعالى: {يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} ، وإنما ذكر السحاب وهو جمع لأنه من قبيل الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، وهذا النوع من الجمع مثل الشجر والسحاب والنخل والنبات يجوز تذكيره وتأنيثه. كما قال سبحانه في
ــ
(فأما قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين، وإن كانت مفردة تنوب مناب لفظتين، ألا ترى أنك تقول: ظننت ذلك، فتقيم ذلك مقام مفعولي ظننت). وفي «إيضاح ابن الحاجب» سمع من العرب ظننت ذلك، وقد اعترض عليه بأن فيه اقتصاراً على أحد مفعولي هذا الباب، وهو ممتنع، وأجيب بأنه إشارة إلى الظن المدلول عليه
سورة القمر: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} وقال. تبارك وتعالى. في سورة الحاقة: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} . قال الشيخ الرئيس «أبو محمد» رضي الله عنه: وأظن أن الذي وهمهم لزوم تكرير لفظه بين مع الظاهر ما رأوه من تكريرها مع المضمر في مثل قوله عز وجل: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وقد وهموا في المماثلة بين الموطنين، وخفي عليهم الفرق الواضح بين الموضعين، وهو أن المعطوف في الآية قد عطف على المضمر المجرور الذي من شرط جواز العطف عليه عند النحويين من أهل البصرة تكرير الجار فيه كقولك: مررت بك وبزيد، ولهذا لحنوا «حمزة» في قراءته {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} حتى قال «أبو العباس المبرد»: لو أني
ــ
لظننت والمفعولان محذوفان؛ لأن ذلك إنما يقال بعد تقدم ما يصح أن يكون مفعولين كقول قائل: ظننت زيداً قائماً فتقول: ظننت ذلك -أي ظننت ذلك الظن أي ظناً مثله، ولما أشير إلى ظن مخصوص وجب أن يكون مفعولاه مثلهما في المعنى، فيحذفان للعلم بهما، ومن ثم وهم بعضهم في قوله: إن ذلك إشارة إلى المفعولين جميعاً. اهـ. فما عده وهما مردوداً هو ما اختاره المصنف، فعلم ما فيه. (ونظير ذلك لفظة أحد في قوله تعالى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} وذلك أن لفظة أحد تستغرق الجنس الواقع على المثنى والمجموع، وليست بمعنى واحد). يشير إلى ما تقرر في العربية من أن لأحد معنيين واستعمالين: أحدهما، أن يختص بالنفي وشبهه كالنهي والاستفهام، وهمزته فيه أصلية، وتفيد استغراق الجنس قليلاً كان أو كثيراً مجتمعين أو مفترقين، نحو لا أحد في الدار، ويختص بالعقلاء، وقد يشمل غيرهم بطريق التبعية وهو الذي يصح إضافة بين إليه.
صليت خلف إمام فقرأ لقطعت صلاتي. ومن تأول فيها «لحمزة» جعل الواو الداخلة على لفظة الأرحام واو القسم لا واو العطف. وإنما لم يجز البصريون تجريد العطف على المضمر المجرور لأنه لشدة اتصاله بما جره يتنزل منزلة أحد حروفه أو التنوين منه، فلهذا لم يجز العطف عليه، كما لا يجوز العطف على التنوين ولا على أحد حروف الكلمة، فإن قيل: كيف كيف جاز العطف على المضمرين المرفوع والمنصوب بغير تكرير، وامتنع العطف على المضمر المجرور إلا بالتكرير؟ فالجواب عنه أنه لما جاز أن يعطف ذانك الضميران على الاسم الظاهر في مثل قولك: قام زيد وهو، وزرت عمراً وإياك، جاز أن يعطف الظاهر عليهما فيقال: قام هو وزيد، وزرتك وعمرا، ولما لم يجز أن يعطف المضمر المجرور على الظاهر إلا بتكرير الجار في مثل قولك: مررت بزيد وبك لم يجز أن يعطف الظاهر على المضمر إلا بتكريره أيضا، نحو مررت بك وبزيد، وهو من لطائف العربية ومحاسن الفروق النحوية.
والثاني، بمعنى واحد، ولا يختص بالنفي ولا يضاف إليه بين، وهمزته يدل من الواو لدلالته على معنى الوحدة، وهو الواقع في قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وله تفصيل في العربية، وفيه مباحث سنية ليس هذا محلها. (فإن اعترض معترض بقول «امرئ القيس»
…
بين الدخول فحومل. فالجواب أن الدخول اسم واقع على عدة أمكنة، فلهذا جاز أن يعقب بالفاء). يعني أن قول «امرئ القيس» في معلقته:
(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدخول فحومل)
وارد على ما مر لإضافة بين فيه لغير متعدد، وهو سؤال مشهور، وقد أجيب عنه بأجوبة كثيرة. منها، ما ذكره المصنف وهو أن الدخول اسم مكان واسع -مشتمل على أمكنة باعتبارها وقع مضافا إليه هنا، ومنها، أن الفاء بمعنى الواو. وكان «الأصمعي» لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقول بهذه الرواية ويرويه: بين الدخول وحومل بالواو، وعليه يستغنى عن الجواب، واختاره المحققون من أهل العربية -كما بيناه في حواشي الرضي- أن العرب تقول: سرت ما بين «زبالة فالثعلبية» بمعنى إلى الثعلبية، فالفاء بمعنى إلى، وهو معنى آخر غير المعنى المقصود بقولهم: ما بين كذا أو كذا. وفي «الروض الأنف» قولهم (مطرنا بين مكة فالمدينة): الفاء فيه تعطي الاتصال بخلاف الواو، إذ لا يصل المطر من هذه إلى هذه. اهـ. وهو معنى دقيق قل من يتنبه له. والسقط: ما تساقط من الرمل [واللوى: منقطع الرمل]، والدخول بفتح الدال اسم موضع، وحومل: اسم موضع أو رملة. (ومثل قوله تعالى {ويزجي سحاباً ثم يؤلف بينه}
…
). يعني أضيف فيه بين إلى مفردٍ لفظاً متعدد معنى، كما في البيت، و [في] قوله (من قبيل الجمع): أراد به الجمع اللغوي، أو سماه جمعاً مسامحه، وقال «ابن بري»: إنما ذكر السحاب لأنه اسم جنس، واسم الجنس مفرد مذكر، ومن أنثه فلأنه جمع سحابة، فأشبه جمع التكسير فتدبر. (ولهذا لحظ «حمزة» في قراءته:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ، حتى قال «أبو العباس المبرد»: لو أني صليت خلف إمام يقرؤها لقطعت صلاتي، ومن تأول فيها «لحمزة» جعل الواو الداخلة على الأرحام واو القسم). هذا من جملة سقطاته وعظيم هفواته، فإن هذه القراءة من السبعة المتواترة، وقد وقع في ورطة وقع مثلها بعض النحاة بناء على أن القراءات السبع عندهم غير متواترة، وأنه يجوز أن يقرأ بالرأي وهو مذهب باطل وخيال فارغ؛ فإنه لا يشك عاقل في تواترها فيما ليس من قبيل الأداء عند «ابن الحاجب» على ما فيه، وقد أساء صاحب «الكشاف» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال صاحب «الكشف» : قراءة صحيحة، وإنما يؤخذ منها صحة العطف والإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصريين لثبوته في نحو: الله لأفعلن، وقول «رؤية» خير. وفي نحو: ما مثل عبد الله وأخيه يقولان ذلك، ومطرداً في نحو: إلا علالة أو بداهة سابح نهد الجزارة. وفي نحو: {أنى لك هذا} ، والحمل على ما ثبت هو الوجه. وقال بعضهم: إن الواو للقسم على نحو [قوله]: اتق الله فوالله إنه مطلع عليك. وترك الفاء لأن الاستئناف أقوى الوصلين وهو وجه حسن. اهـ. وفيه بحث، لأن البيت الذي ذكره من حذف المجرور لا من حذف الجار فليس مما نحن فيه، وكذا قوله: أني لك هذا لا حذف فيه إلا على وجه غير مرضي عندهم. (وهذا من لطائف علم العربية ومحاسن الفروق النحوية). هذا نحيل لا أصل له لأن المرفوع والمنصوب يكون متصلا ومنفصلا، فلذا جاز عطف المنفصل، وأما المجرور فلا يكون منفصلا، فلذا لم يصح عطف بدون العامل، وأما ما ذكره فلا وجه له.