الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[50]- اسم المفعول من صان
ويقولون لما يصان: هو مصان، والصواب فيه مصون، كما قال الشاعر:
(بلاء ليس يشبهه بلاء
…
عداوة غير ذي حسب ودين)
(يبيحك منه عرضا لم يصنه
…
يرتع منك في عرض مصون)
والأصل في مصون مصوون على وزن مضروب، فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، فاجتمعت واوان ساكنتان فحذفت إحداهما، وعند "سيبويه" أن المحذوفة الواو الثانية التي هي واو المفعول الزائدة، وأن الباقية هي الواو الأصلية المجتلبة من الصون.
وعند "أبي الحسن الأخفش" أن المحذوفة هي الأولى، وأن الباقية هي واو المفعول التي تدل على المعنى، فإن قيل: لأي معنى فعلوا ذلك؟ فالجواب أنهم قصدوا إعلال المفعول كما أعل الفعلان والفاعل، وذلك أن الأصل في صان
ــ
(بلاء ليس يشبهه بلاء
…
عداوة غير ذي حسب ودين)
(يبيحك منه عرضا لم يصنه
…
ويرتع منك في عرض مصون)
هذا الشعر "لعلي بن الجهم" قاله في "أبي السمط مروان" لما هجاه بقوله:
(لعمرك ما الجهم بن بدر بشاعر
…
وهذا علي بعده يصنع الشعرا)
(ولكن أبي قد كان جارا لأمه
…
فلما تعاطة الشعر أوهمني أمرا)
(الخليل بن أحمد عاد تلميذا له، فقال له تلميذه: إن زرتنا فيفضلك، وإن زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا).
صون بفتح العين، فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما فعل في قال الذي أصله قول، والدليل على أن الأصل فيه فعل بفتح العين أنك تقول: صنت الثوب، فتعديته إلى المفعول تدل على أنه فعلت، لأن فعلت بضم العين لا يتعدى إلى المفعول بحال؛ إذ لا يقال: كرمت زيدا، ثم إنهم قالوا في مضارعه يصون، والأصل على وزن يحزن، فنقلوا حركة الواو إلى ما قبلها، ثم إنهم أعلوا الفاعل منه فقالوا: صائن والأصل فيه صاون، فلما أعلوا الفعلين والفاعل أعلوا المفعول به أيضا ليلحق في الإعلال بحيزه.
ــ
وحكى أيضا أن "يحيى بن معاذ" زار علويا ببلخ، فقال العلوي: ما تقول فينا أهل البيت؟ فقال: ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرست فيه شجرة النبوة، وسقي بماء الرسالة، فهل يفوح منه إلا مسك الهدى وعنبر التقى؟ .
فقال له العلوي: إن زرتنا فبفضلك وإن زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا.
وحكي أن مثله وقع بين "الشافعي" و"أحمد بن حنبل" وقد نظم هذا بعض العصريين فقال:
ومن هذا الباب قولهم: رجل مأووف العقل فيلفظون به على الأصل، ووجه القول أن يقال: مئوف العقل على وزن مخوف، وكذلك يقال: زرع مئوف، وكلاهما مأخوذ من الآفة، ونقلت الكلمة في مخوف على ما بيناه في مصون.
وشذ من هذا الباب قولهم: مسك مدؤوف وثوب مصوون فلفظوا به على الأصل، وهو مما لا يعبأ به ولا يقاس عليه.
ومن شجون هذا النوع قولهم: فرس مقاد وشعر مقال وخاتم مصاغ وبيت مزار، والصواب أن يقال فيها: مقود ومقول ومصوغ ومزور.
كما حكي أن "الخليل بن أحمد" عاد تلميذا له فقال تلميذه: إن زرتنا فبفضلك أو زرناك فلفضلك فلك الفضل زائرا ومزورا. ومثله قول "جميل":
ــ
(حيثما زرتنا وزرناك يا من
…
لم نزره زورا ولا زار زورا)
(فلفضل هذا وذاك بفضل
…
فلك الفضل زائرا ومزورا)
وللإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وكانت بينهما مودة رحمهما الله تعالى:
(قالوا: يزورك أحمد وتزوره
…
قلت: الفضائل لا تفارق منزله)
(إن زراني فبفضله أو زرته
…
فلفضله، فالفضل في الحالين له)
(ومن هذا النمط قولهم: مبيوع ومعيوب، والصواب أن يقال فيهما: مبيع ومعيب على الحذف).
هذا أيضا مما جاء على طرازه وليس كما قال؛ فإنه سمع عن العرب مبيوع ومعيوب على خلاف القياس، وفي "القاموس" هو معيب ومعيوب، وفيه أيضا مبيع، وكل هذا على الأصل، فما ذكره إلا من ضيق العطن [ويقال لمن أصابته العين: معين ومعيون، قال الشاعر:
(زوروا بئينة والحبيب مزور
…
إن الزيارة للحبيب يسير)
أراد بالزيارة المزار، فلهذا ذكر الخبر على المعنى، كما ذكر آخر الحوادث حين أراد بها الحدثان فقال:
(فإن تسأليني عن لمتي
…
فإن الحوداث أزرى بها)
ومن هذا النمط قولهم: مبيوع وعيوب، والصواب أن يقال فيهما: مبيع ومعيب على الحذف، كما جاء في القرآن [الكريم] في نظائرهما:{وقصر مشيد} [الحج: 45]{وكانت الجبال كثيبا مهيلا} [المزمل: 14] فقال: مشيد ومهيل على الحذف، والأصل فيهما مشيود ومهيول.
ــ
(نبئت قومك يزعمونك سيدا
…
وإخال أنك سيد معيون])
وقال "ابن الشجري" في أماليه: اختلف العرب في اسم المفعول من ذوات الياء، فتممه بنو تميم وقالوا: معيوب ومخيوط ومكيول ومزيوت، وقال أهل الحجاز: معيب ومخيط ومكيل ومزيت. وأجمع الفريقان على نقص ما كان من ذوات الواو، إلا ما جاء على جهة الشذوذ، وهو قولهم: ثوب مصوون ومسك مدووف وفرس مقوود ولفظ مقوول. والأشهر مصون ومدوف ومقود ومقول.
وقال "أبو العباس محمد بن يزيد": يجوز تمام ما كان من ذوات الياء في الشعر،
وعند "سيبويه" أن المحذوف هو الواو، ثم كسر ما قبل الياء للتجانس، وقد شذ من ذلك قولهم: رجل مدين ومديون، ومعين ومعيون، أي أصابته العين، ومنه قول الشاعر:
(نبئت قومك يزعمونك سيدا
…
وإخال أنك سيد معيون)
[وجميع ذلك مما يهجن استعماله إلا في ضرورة الشعر التي يجوز فيها ما حظر لإقامة الوزن].
ــ
وأنشد في ذلك قول علقمة:
…
(يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم*
(رجل مدين ومديون)
…
إلخ.
في "أدب الكاتب": رجل دائن إذا كثر ما عليه من الدين، ولا يقال من الدين" دين فهو مدين ولا مديون إذا كثر عليه الدين، ولكن يقال: دين الملك فهو مدين إذا دان له الناس، وفي شرحه "لابن السيد": أن "الخليل" حكى أنه يقال: رجل مدين ومديون ومدان، ودادن وادان واستدان إذا أخذ الدين.
وفي "المصباح" بعد ما ذكر ما يقرب منه قال جماعة: إنه يستعمل لازما ومتعديا، فيقال: دنته إذا أقرضته فهو مدين ومديون، واسم الفاعل دائن، فيكون الدائن من يأخذ الدين على اللزوم، ومن يعطيه على التعدي.
وقال "ابن القطاع": ذنته: أقرضته، ودنته: استقرضت منه. اهـ ..
فعلى هذا يتمشى المشهور